بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 6 أبريل 2022

اللغة العربية... مسألة تنتظر حلاً

 



اللغة العربية... مسألة تنتظر حلاً             نور الدين شيخ عبيد

1. اللغة هي وسيلة الناس للتواصل والتعبير عما يريدون في حياتهم اليومية، بشكليها المكتوب والمسموع. وهي لغة واحدة محددة المفردات والمعاني وأدوات الربط والقواعد الواجبة في التعبير تجنباً للبس بين المتكلم أو الكاتب والمتلقي المستمع أو القارئ. وهي تلبي بالضرورة حاجة متكلميها وتتطور مع هذه الحاجة على نحو مستمر. تطورٌ يضيف مفردات جديدة ويميت أخرى بالتقادم وانتفاء الحاجة إليها، كما يصيب قواعدها من زيادة في الضبط أو تبسيط ما يصعب استخدامه. أي أنه تطور يلبي الحاجات ويتماشى معها بما يسمح لأهلها، المتعلمين وغيرهم، أن تكون دائماً وسيلتهم أو أداتهم الطبيعية والوحيدة في التعبير والتواصل كتابة وشفاهة باعتبارها لغتهم الأم.

2. عرفت بعض اللغات تطوراً في فترة ما من حياتها، منها ما تابع تطوره ومنها ما تراجع فمات. ومنها التي تخلى عنها أهلها منشئين عامية أو عاميات، مشتقة منها أو لا، ومن بينها اللاتينية التي ماتت فعلياً، والعربية التي أطلقت على نفسها لقب الفصيحة، ونشأت عنها لغات عامية، بعضها قريب من بعض وأخرى بعيدة، مثل العاميتين الجزائرية والعراقية.

3. والفصحى صفة من المصدر "الفصاحة"، تعني سلامة الألفاظ من اللحن والإبهام وسوء التأليف. والعامية هي لغة العامة، وهي خلاف الفصحى كما يعرّفها المعجم الوسيط. أي أن عامة العرب يتحدثون لغة لا تتصف بالوضوح والدقة! ولكنها اللغة التي يستعملونها في حياتهم اليومية ويلقون بها نكاتهم ويعبرون فيها عن مزاجهم، وهي لغة مسلسلاتهم التلفزيونية التي يفضلونها على الفصحى، التي تبقى ثقيلة على مسامعهم ولا يستطيعون التحدث بها بدون لحن إلا لمن غفر ربي.

4. ظهرت دعوات كثيرة، منذ أكثر من ألف عام وحتى اليوم، بضرورة تعلم اللغة الفصحى وإتقانها ولكن دون جدوى. إصرار يشبه صراخاً في صحراء ممتدة، بلا صاغٍ. فالعربية الفصحى هي ليست اللغة الأم لأحد منذ مئات السنين. يتعلمها الجميع، من عرب وغيرهم، في المدارس، وإن كان تعلم العرب لها أسهل، دون أن يعني هذا أن إتقانهم لها سيكون ممتازاً في العموم. فهي تبقى بالنسبة لهم لغة الكتابة فقط ولغة وسائل الإعلام في أغلب الأحيان، ولكنها ليست لغة التخاطب الشفهي وليست لغة كل المناسبات. حتى مدرسي اللغة العربية لا يستخدمونها في كل ما ينطقون أثناء دروسهم، أما باقي المواضيع فتدرّس بالعامية الخاصة بكل بلد وإقليم مع استخدام كلمات فصحى عند الضرورة، والحال نفسه في الجامعات. وكذلك حال الأنشطة المختلفة من مؤتمرات أو لقاءات أو احتفالات، فهي كلها بالعامية تزينها الفصحى أحياناً. كذلك المسرح والسينما والمسلسلات التلفزيونية، إلا التاريخي منها. واليوم مع أدوات التواصل الإلكترونية تشيع الكتابة بالعامية، وأصبح للعامية المصرية موسوعتها الحرة (ويكيبيديا)، ولا شيء يمنع من أن تحذوا عاميات أخرى حذوها. وتبقى الفصحى بذلك لغة الكتابة التي يحتاج المتوقع نشره منها لمراجعة مختص في القواعد. والناس ماضية في تطوير أدواتها في المخاطبة دون اكتراث بأصل لغاتها التاريخي، فهي تسعى تلقائياً لتلبية حاجاتها بيسر دون اكتراث بفصحاها.

5. ومن نافلة القول إن اللغة الواضحة الوافرة المعاني والسهلة الاستخدام هي أداة أولى في تقدم مجتمع متكلميها. لغة واحدة يسهل التخاطب فيها شفاهة وكتابة، لغة للجميع، يتكلمونها بسهولة ويكتبونها ويقرؤونها بسهولة أيضاً دونما حاجة إلى الرجوع إلى معاجمها وكتب قواعدها إلا عند الضرورة وحالات الالتباس. لغة تسمح للناس بالاستماع إلى المهندس والطبيب والمحامي والشاعر والروائي والعامل وغيرهم دون صعوبة طالما أنهم لا يستخدمون مصطلحاتهم الخاصة بمجالهم الضيق.

6. ما العمل إذاً؟ أليس من الضروري أن نسأل أنفسنا عن كيفية الوصول إلى لغة تفاهم واحدة كتابة وشفاهة، قادرة على التطور وفق ما تمليه الضرورات، وبدون الإصرار على استرجاع ماض انقضى لا يمكن بث الروح فيه؟ قد يكون التفكير في تبسيط العربية الفصحى، كما فعلت لغات أخرى مثل الفرنسية والإنكليزية والعبرية وغيرها، بحيث تصبح سهلة التعلم والاستعمال، حلاً، وربما الحل الوحيد. أما ترك الأمر على ما هو فسيُبقيها (العربية الفصحى) حتى للعرب أنفسهم، أشبه بلغة أجنبية؛ وستبقى العاميات سائدة دون أن تتمكن من بلوغ مستوى اللغة المعيارية، فهي منذ نشأتها وحتى اليوم بلا قواعد ولا معاجم ولا مصطلحات معيارية ولا ضوابط، الخ، أي لغات قاصرة عرجاء.

7. كانت أكبر حجج الداعين إلى العودة إلى الفصحى، وهي عودة مستحيلة كما ظهر، أن العربية هي لغة القرآن ولغة التراث. ولكننا نعلم أنه حتى المتعلمين يلقون صعوبات في فهم كل ما جاء في القرآن، مفردات وتعابير، فما بالنا بغير المتعلمين. كما أن ثلثي المسلمين لا يعرفون العربية! أما كتب التراث فهي للمختصين المؤرخين أولاً وليست لعامة الناس، ومع هذا تحتاج إلى محققين ومفسرين. والحال هذه، فهل سيؤدي تبسيط اللغة العربية وقواعدها لإضعاف فهم أي شيء كُتب في الماضي؟ وهل الماضي أهم من الحاضر والمستقبل؟

8. هذه دعوة للتفكير في مسألة جوهرية دون ادعاء بأنها تحمل "الحل". دعوة يطلقها أستاذ جامعي باختصاص تقاني واجه دائماً مسألة إيصال المعرفة إلى طلابه بلغة بسيطة سليمة، فلا الفصحى أسعفته لرطانته فيها ولا العامية أسعفته لعوزها للدقة والمصطلحات، فبقي بلا لسان ذي بيان.

الأربعاء، 16 مارس 2022

بيان راسل-أينشتاين

 

9 يوليو 1955

في الحالة المأساوية التي تواجه البشرية، نشعر بضرورة أن يجتمع العلماء في مؤتمر لتقييم المخاطر التي نشأت نتيجة تطوير أسلحة الدمار الشامل، ولمناقشة قرار بروح المشروع المرفق.

نحن نتحدث في هذه المناسبة، ليس كأعضاء في هذه الأمة أو تلك القارة أو العقيدة، ولكن بصفتنا بشراً، بانتمائنا إلى الجنس البشري، الذي لا يزال بقاؤه موضع شك. العالم مليء بالصراعات. وطغى الصراع الكبير بين الشيوعية ومعاداة الشيوعية، على جميع الصراعات الصغيرة.

تقريباً، لدى كل شخص واعٍ سياسياً مشاعر قوية حول واحدة أو أكثر من هذه القضايا. لكننا نريدكم، إذا أمكنكم، أن تنحوا هذه المشاعر جانباً وأن تنظروا إلى أنفسكم فقط كأعضاء في نوع بيولوجي له تاريخ رائع، ولا أحد منا يمكن أن يرغب في اختفائه.

سنحاول ألا نقول كلمة واحدة يمكن أن تروق لمجموعة واحدة دون أخرى. جميعنا في خطر، وإذا تم فهم الخطر، فهناك أمل في أن نتمكن جماعياً من تجنبه.

علينا أن نتعلم كيف نفكر بطريقة جديدة. علينا أن نتعلم أن نسأل أنفسنا، وليس عما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لمنح النصر العسكري لمجموعة نفضلها، لأنه لم يعد هناك مثل هذه الخطوات. السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا هو: ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لمنع مواجهة عسكرية ستكون نهايتها كارثية على جميع الأطراف؟

الناس عامة، وحتى الكثير من الرجال في مناصب السلطة، لم يدركوا ما الذي تعنيه حرب بالقنابل النووية. فعامة الناس لا تزال تظنها قضاءً على المدن. من المعروف أن القنابل الجديدة أقوى من القديمة، وأن قنبلة ذرية قديمة يمكن أن تمحو هيروشيما، ولكن قنبلة هيدروجينية واحدة يمكن أن تدمر أكبر المدن، مثل لندن ونيويورك وموسكو.

لا شك أنه في حرب القنبلة الهيدروجينية سيتم القضاء على المدن الكبرى. لكن هذه إحدى الكوارث الصغيرة التي سيتوجب مواجهتها. إذا تم إبادة الجميع في لندن ونيويورك وموسكو، فقد يتعافى العالم، في غضون بضعة قرون، من الضربة. لكننا نعلم الآن، خاصة منذ اختبار بيكيني، أن القنابل النووية يمكن أن تنشر الدمار تدريجياً على مساحة أكبر بكثير مما كان يُفترض.

من المعروف الآن جيداً أنه يمكن تصنيع قنبلة أقوى بـ 2500 مرة من تلك التي دمرت هيروشيما.

إذا انفجرت مثل هذه القنبلة بالقرب من الأرض أو تحت الماء، فسترسل جزيئات مشعة إلى الهواء العلوي. تهبط تدريجياً وتصل إلى سطح الأرض على شكل غبار أو مطر مميت. كان هذا الغبار هو الذي أصاب الصيادين اليابانيين وصيدهم للأسماك.

لا أحد يعرف مدى انتشار مثل هذه الجسيمات المشعة الفتاكة، لكن أعلم الجهات أجمعت على القول إن الحرب مع القنابل الهيدروجينية قد تضع حداً للجنس البشري. يُخشى أنه إذا تم استخدام العديد من القنابل الهيدروجينية، فسيكون هناك موت عالمي مفاجئ لأقلية فقط، أما بالنسبة للأغلبية الباقية فسيكون هناك عذاب بطيء من مرض وتفسّخ.

تم إطلاق العديد من التحذيرات من قبل رجال العلم البارزين والنافذين في الاستراتيجية العسكرية. لن يقول أي منهم أن أسوأ النتائج مؤكدة. ما يقولونه هو أن هذه النتائج ممكنة، ولا يمكن لأحد أن يتأكد من أنها لن تتحقق. لم نجد بعد أن آراء الخبراء حول هذه المسألة تعتمد بأي درجة على انتمائهم السياسي أو تحيزهم. إنهم يعتمدون فقط، بقدر ما كشفت أبحاثنا، على مدى معرفتهم. لقد وجدنا أن الرجال الذين يعرفون أكثر هم الأكثر كآبة.

وهنا تكمن المشكلة التي نقدمها لكم، صارخة ومخيفة ولا مفر منها: هل نضع حدًا للجنس البشري، أم يتخلى الجنس البشري عن الحرب؟ لن يواجه الناس هذا البديل لأنه من الصعب للغاية إلغاء الحرب.

إن إلغاء الحرب يتطلب قيوداً منافية للسيادة الوطنية. لكن ما قد يعيق فهم الوضع أكثر من أي شيء آخر هو أن مصطلح "البشرية" يبدو غامضاً ومجرّداً. نادراً ما يدرك الناس في مخيلتهم أن الخطر هو عليهم وعلى أبنائهم وأحفادهم، وليس فقط على الإنسانية بتصورها المبهم. إنهم بالكاد يستطيعون أن يدركوا أنهم وأولئك الذين يحبونهم معرضون لخطر وشيك بالهلاك الفظيع. ولذا يأملون في إمكانية السماح باستمرار الحرب بشرط حظر الأسلحة الحديثة.

هذا الأمل وهمي. مهما كانت الاتفاقات على عدم استخدام القنابل الهيدروجينية التي تم التوصل إليها في وقت السلم، فلن يتم اعتبارها ملزمة في وقت الحرب، وسيعمل المتحاربان على تصنيع القنابل الهيدروجينية بمجرد اندلاع الحرب، ذلك أنه إذا صنع أحد الطرفين القنابل دون الآخر، فسينتصر حتما.

على الرغم من أن الاتفاق على التخلي عن الأسلحة النووية كجزء من التخفيض العام للأسلحة لن يوفر حلاً نهائياً، إلا أنه قد يخدم أغراضاً مهمة معينة.

أولاً، أي اتفاق بين الشرق والغرب هو أمر جيد لأنه سيؤدي إلى خفض التوتر. ثانياً، إلغاء الأسلحة النووية الحرارية، إذا اعتقد كل طرف أن الطرف الآخر قد نفذها بصدق، سيقلل من الخوف من هجوم مفاجئ على نمط بيرل هاربور، والذي يبقي كلا الجانبين في حالة توتر عصبي حالياً. لذلك ينبغي أن نرحب بمثل هذا الاتفاق ولو أنه مجرد خطوة أولى.

معظمنا ليس محايداً في الشعور، ولكن، كبشر، علينا أن نتذكر أنه إذا كان للقضايا أن تبت بين الشرق والغرب بأي طريقة يمكن أن ترضي أي شخص، سواء كان شيوعياً أو مناهضاً للشيوعية، آسيوياً أو أوروبياً أو أمريكياً، أبيضاً أو أسوداً، فإن هذه القضايا يجب ألا تُبت بالحرب. نرجو أن يتم فهم هذا، سواء في الشرق أو في الغرب.

أمامنا، إذا اخترنا، تقدم مستمر في السعادة والمعرفة والحكمة. فهل علينا بدلاً من ذلك اختيار الموت لأننا لا نستطيع أن ننسى خلافاتنا؟ نحن كبشر نناشد البشر: تذكر إنسانيتك وانس الباقي. إذا أمكنك ذلك، فالطريق مفتوح إلى جنة جديدة. وإذا لم تتمكن، فخطر الموت الشامل أمامك.

القرار:

ندعو هذا المؤتمر، وعبره علماء العالم وعامة الناس للانضمام إلى القرار التالي:

"في ضوء حقيقة أنه سيتم بالتأكيد استخدام الأسلحة النووية في أي حرب عالمية مستقبلية، وأن هذه الأسلحة تهدد استمرار وجود البشرية، لذا فإننا نحث حكومات العالم على إدراك والاعتراف علناً بأنه لا يمكنها بلوغ مقاصدها بحرب عالمية، ونحن نحثها من ثم، على إيجاد الوسائل السلمية لتسوية جميع المسائل الخلافية بينها".

الموقعون:

ماكس بورن

بيرسي دبليو بريدجمان

البرت اينشتاين

ليوبولد إنفيلد

فريدريك جوليو كوري

هيرمان جيه مولر

لينوس بولينج

سيسيل ف. باول

جوزيف روتبلات

برتراند راسل

هيديكي يوكاوا

ملاحظات:

1. يود الأستاذ جوليو كوري أن يضيف عبارة: "كوسيلة لتسوية الخلافات بين الدول".

2. يود الأستاذ جوليو كوري أن يضيف أن هذه القيود يجب أن يتفق عليها الجميع وأن تخدم مصالح الجميع.

3. تحفظ البروفيسور مولر بأن هذا يعني "التخفيض المتوازن المصاحب لجميع الأسلحة".