بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 30 يونيو 2018

اللجنة الدولية للأولمبياد... الرياضة والفساد

أنشأ هذه اللجنة البارون الفرنسي بيير دو كوبرتان عام 1894 بهدف إحياء الألعاب الأولمبية الإغريقية وتنظيم هذه الألعاب مرة كل أربع سنوات. والتي أصبحت بعد مائة عام من إنشائها تنظّم كل سنتين بالتناوب بين الألعاب الصيفية والشتوية. وأصبحت هذه اللجنة منظمة غير ربحية منذ عام 1981 مقرها مدينة لوزان السويسرية. تتألف هذه اللجنة بهيئتها العامة من 115 عضواً منتخبين من لاعبين أولمبيين حاليين أو سابقين ومن شخصيات منتقين من هيئات ومنظمات رياضية دولية. تنتخب هذه اللجنة رئيساً لمدة ثمان سنوات قابلة للتجديد. أما تمويل المنظمة واللجنة فيأتي عن طريق ريع منح حق بث الألعاب الأولمبية لقنوات التلفاز وكذلك من الشراكات التي تعقدها مع شركات عالمية معروفة مقابل الدعاية لها ضمن فعاليات الألعاب الأولمبية.

من أهم وظائف هذه المنظمة اختيار المدينة المضيفة للألعاب الأولمبية الصيفية والشتوية بالأغلبية المطلقة للأصوات وفق نظام انتقاء محدد وبالتصويت السري. كما أن على اللجنة تنظيم الألعاب الأولمبية. ومنذ عام 2001 أصبح لهذه المنظمة وكالة بث للألعاب الأولمبية تابعة لها ومقرها في مدريد عاصمة إسبانيا لتجني بذلك عائدات البث دون تقاسم الأرباح مع أي وسيط.

كان هدف كوبرتان الأول هو جعل الأولمبية دينٌ حقيقي من غير الأديان المعروفة يجمع الناس أينما كانوا على التباري بمودة وسلام. لذا وضع له رموزه بدءاً من العلم بحلقاته الخمس المتداخلة والتي تشير إلى القارات الخمس على خلفية بيضاء. ووضع له شعاره: الأسرع (رياضياً) والأقوى (فكرياً) والأسمى (روحياً). ووضع القَسَم الأولمبي والشعلة الأولمبية والنشيد الأولمبي والعقيدة الأولمبية. وفحوى هذه العقيدة هو أن "الأكثر أهمية في الألعاب الأولمبية هو ليس الربح وإنما المشاركة، ذلك أن الأكثر أهمية في الحياة هو ليس الفوز وإنما الكفاح؛ والمهم هو ليس الانتصار وإنما بذل قصارى الجهد".

وبالرغم من النوايا الحسنة لمؤسس هذه الألعاب إلا أن الأمور لم تجر وفق ما أريد لها. فاختيار أعضاء الهيئة العامة يشوبه الكثير من التساؤلات. فأحد رؤساء هذه اللجنة مشتبه بتعاطفه مع النازية قبل الحرب العالمية الثانية التي تناقض في مواقفها ما دعا إليه كوبرتان، كما أن رئيسها الأسبق كان وزيراً للرياضة لدى الجنرال فرانكو. واختيار المدن التي ستحتضن الألعاب الأولمبية ليس بالشفاف تماماً. فبعض الأعضاء صوتوا لمدن مقابل تلقيهم أموالاً، والتصويت كما أشرنا هو تصويت سري. واختيار بعض المدن أدى بهذه المدن إلى طرد فقراء أو مهاجرين من أماكن ملاعب وحلبات الأولمبياد كما حصل في بكين عام 2008. أما إدارة أموال المنظمة فيشمله بعض الغموض. فقد تلقت المنظمة عن الفترة 2001 و 2004 نحو أربع مليارات دولار من عائدات البث والشركات التي تشتري حق الدعاية. ولا يعرف كيف تنفق مثل هذه الأموال. في الوقت الذي تخسر بعض المدن المستضيفة في استضافتها للألعاب نتيجة ارتفاع كلف إقامة مستلزمات الألعاب الأولمبية، مما يجعل دافعي الضرائب من سكان هذه المدن يتحملون الخسارة على مدد تزيد عن العشرين عاماً كما حصل في مدينتي مونتريال الكندية وغرنوبل الفرنسية.

وغير ذلك فإن المتباريين لا يسعون إلا للفوز ولو اضطرهم ذلك للغش باستخدام المنشطات الممنوعة. فلقد أصبح الفوز وتحطيم الأرقام القياسية هو الأهم وليس المشاركة بحسب عقيدة الألعاب الأولمبية. والدول تتباهى بعدد الجوائز التي تحصدها في الأولمبيادات وليس في عدد المباريات التي شاركت فيها وأبلت بلاء حستاً!!...أراد كوبرتان أن يقيم ديناً جديداً عبر الألعاب الأولمبية، ولكنه كباقي الأديان التي تغيرت أهدافها وفق مصالح دعاتها، ... مصالح لا تطابق بالضرورة مع ما أراد لها أنبياؤها.


الأربعاء، 27 يونيو 2018

قريش والقبائل الأخرى... د. محمد محفل

محاضرات في التاريخ الإسلامي والعربي: الجزيرة العربية وجيرانها قبل البعثة النبوية للدكتور محمد محفل. 

فيما يلي المحاضرة الثامنة بعنوان

قريش والقبائل الأخرى


ويمكن الاستماع إلى المحاضرات السابقة على هذا الرابط






الجمعة، 22 يونيو 2018

الحفاظ على البيئة والحياة يبدأ من المدرسة

مع ظهور الآثار السلبية للعديد من التكنولوجيات، من النقل إلى الاتصالات والحواسيب مروراً بالمبيدات الحشرية والأسمدة الزراعية والصناعات المختلفة الحديثة إلى البلاستيك وغيره. وهي آثار تظهر في التغيرات المناخية والبيئية والصحية. وهذه التكنولوجيات بنيت على قاعدة الاستدامة ولكنها استدامة منقوصة بالتأكيد. فالموارد الطبيعية محدودة في كل شيء من المياه إلى المعادن إلى الأراضي القابلة للزراعة إلى مصادر الطاقة، حتى تلك التي تسمى طاقات متجددة فهي محدودة في وسائل حصولنا عليها. وإزاء كل هذا لا بد للبشرية من وقفة مراجعة أمام الذات وأمام أبناء المستقبل.


ظهرت منظمات عالمية الطابع  منذ نحو أربعة عقود للتنبيه إلى محدودية المصادر وإلى الآثار السلبية في تحميل الطبيعة ما لا تستطيع وتقدر، بدءاً من الغازات المنطلقة في الجو مثل ثاني أوكسيد الكربون، والتي تؤدي إلى الاحتباس الحراري وكل ما ينجم عنه من كوارث بيئة تهدد التوازن البيئي على الأرض. وتجسدت جهود هذه المنظمات بعقد مؤتمرات قمة عالمية ومعاهدات وقرارات دولية. ووصل الأمر إلى إقامة أحزاب سياسية (الأحزاب الخضراء) بمطالب بيئية وحماية للطبيعة. ترافق كل هذا مع حملات توعية وتنبيه استخدمت فيها كل وسائط التواصل وساهمت فيها شخصيات عالمية معروفة، سياسية أو اجتماعية. وبنتيجة كل هذا عرفت بلدان كثيرة تغيرات كبيرة في تعاملها مع البيئة وفي الحفاظ عليها، ولكن كل هذا لا يبدو كافياً حتى الآن وإن كان واعداً.

ومثل هذه المسألة يمكن البدء، بل يجب، بمواجهتها منذ سنوات المدرسة الابتدائية، على قاعدة "التعلم في الصغر كالنقش في الحجر". فتلاميذ المدرسة هم أهل المستقبل ووعيهم لهذه المسألة وتدريبهم على التعامل معها سيكون صاحب الأثر الأكبر والأفضل. فالنفايات هي نفايات البشر، وعليهم التعامل معها بما لا يضر البيئة.

وبالفعل فقد أخذت مدارس كثيرة، إن لم يكن كلها، في الدول المتقدمة في التعامل مع هذه القضية. فغير أفلام الفيديو المشوقة التي تعرض في المدارس بصحبة مختص يدور حولها نقاش بين التلاميذ والمختصين، تقوم المدارس بالتعاون مثلاً مع البلديات على تنظيم أسبوع بيئة. تجري خلاله أنشطة توعية وممارسة تفيد في شد انتباه التلاميذ إلى قضايا البيئة وكيفية الحفاظ عليها. فينظم مثلاً خلال أسبوع محدد بعض الحصص للحديث مثلاً عن عمليات إعادة التدوير للمخلفات من ورق أو زجاج أو علب معدنية أو بلاستيكية، وكيف تجري هذه العمليات، وكيف علينا فصل المخلفات ووضع كل منها في حاوية مخصصة لها. يجري كل هذا بواسطة فيديوهات جذابة معدة للتلاميذ وتتمحور حول غرض محدد معروف مثل بنطال الجينز وكل مراحل إنتاجه وآثارها البيئية. يعقب ذلك في يوم آخر قيام التلاميذ بالمساهمة في حملة نظافة للحي الذي تقع فيه المدرسة. طبعاً يزوّد التلاميذ بكل أدوات الوقاية للتعامل مع ما يجدونه هنا وهناك من علب فارغة أو زجاجات أو مخلفات أخرى، ويقومون بوضعها في الحاويات المناسبة... يمكن تطوير ذلك إلى التدريب على أفضل الممارسات بخصوص استخدام المياه والحفاظ عليها والإقلال من هدر الطاقة والنظافة العامة...وهذه العملية قد تتكرر في كل سنة دراسية ولكن من زاوية مختلفة مثل الزراعة بدون مبيدات أو أسمدة كيمائية وغير ذلك مما يتعلق بالتوازن البيئي.... قد نرى ذلك في مدارس بلادنا في يوم قريب.


الأربعاء، 20 يونيو 2018

التنظيم السياسي في مكة قبل الإسلام وبعده... محمد محفل

محاضرات في التاريخ الإسلامي والعربي: الجزيرة العربية وجيرانها قبل البعثة النبوية للدكتور محمد محفل. 


فيما يلي المحاضرة السابعة بعنوان:  

التنظيم السياسي في مكة قبل الإسلام وبعده
ويمكن الاستماع إلى المحاضرات السابقة على هذا الرابط



الثلاثاء، 19 يونيو 2018

عيد الموسيقى.... على طريق العالمية


لكل شعب من شعوب الأرض موسيقاه الخاصة به وأدواته الموسيقية التي تميزه عن أدوات الشعوب الأخرى. ولكن الموسيقى أينما كانت تثير في نفوس أهلها مشاعر تشدهم إلى الإنصات والاستمتاع مثيرة البهجة والشجون. وليس من بلد في الأرض تقريباً إلا ولها مغنيها وموسيقييها يحظون بنجومية تدوم أحياناً عقوداً وعقود وتجعلهم أكثر شهرة من سياسييها أو شخصياتها التي شغلت في وقت من الأوقات مكانة ما أو كان لها دور هام في مجتمعاتها. فموزارت أشهر النمساويين قاطبة، وبيتهوفن من أشهر الألمان ولم يحظ أحد من عصره من سياسيين أو قادة بما يحوز عليه حتى اليوم من شهرة، وأم كلثوم أشهر من كل رؤساء وزارات مصر ومن أشهر الشخصيات العربية في القرن العشرين. وبعض مغني فرنسا في القرن العشرين لا تزال ذكراهم حاضرة في وجدان الفرنسيين في حين اختفت أسماء رؤساء جمهوريات وحكومات ولم يبق منها سوى عدد محدود.

وفرنسا هذه قررت وزارة ثقافتها عام 1982 الاحتفال بالموسيقى وذلك بتخصيص يوم في السنة لهذا الاحتفال. هذا اليوم هو الانقلاب الصيفي (21 حزيران)، وهو اليوم الذي يكون فيه النهار الأطول في نصف الكرة الأرضية الشمالي، وهو عيد في الثقافات الإغريقية والرومانية والمسيحية مرتبط بالزراعة والحصاد. وهذا العيد يمتد على طول اليوم، نهاراً وليلاً، وإن كان يبدأ فعلياً من عصر اليوم ويمتد حتى ساعات الصباح الأولى. وهو متاح لكل من يريد أن يقدم عروض عزف أو غناء أو رقص أن يفعل ذلك في أي مكان من ساحات المدينة أو شوارعها بما لا يعيق الحركة. وبهذا يمكن لكل هاوٍ أن يعرض ما لديه وكذلك لكل الثقافات أن تعرّف بنفسها موسيقياً. فترى في هذا اليوم هواة من غناء وموسيقى الوقت الراهن، أو الأوقات الماضية في محاولة لإحياء الإرث الفني، وكذلك مجموعات من ثقافات غير فرنسية، أفريقية خاصة، تعرض ما لديها. وهذه العروض قد تدوم دقائق أو أكثر بحسب ما تجتذب من جمهور. وهي في كل الأحوال مجانية. مجانية الاستماع ومجانية العروض، فلا العارضون يطالبون الجمهور أجراً ولا البلديات تطالب العارضين بأجور مقابل الأماكن التي يشغلونها.

وهذا العيد كان في الواقع فكرة قدمها المغني الأمريكي جويل كوهين الذي كان يعمل مع الإذاعة الفرنسية "فرنسا الموسيقى" عام 1976، ونفذت الفكرة على نطاق محدود في باريس في العام نفسه، إلى أن اعتمدتها وزارة الثقافة الفرنسية لتعمم في كل المدن الفرنسية. وانتشرت بعد ذلك في نحو 120 دولة وأكثر من 700 مدينة (فرنسية وألمانية وبريطانية في غالبيتها) في العالم تقوم بتنظيم هذا اليوم في مدنها على أساس مجانية العروض ومجانية الفضاء وذلك بهدف ثقافة موسيقية عالمية.

وهذا اليوم لا يخلو من اعتراضات، من الفرنسيين أولاً. أول هذه الاعتراضات اختيار يوم الواحد والعشرين من حزيران، الذي قد يكون يوم عمل للناس بما يمنعهم عن مشاهدة العروض الفنية والاستمتاع بهذا العيد. وللاعتبار نفسه فإن الموسيقى التي تصدح حتى ساعات متأخرة في الليل تسبب الإزعاج لمن لديه عمل في اليوم التالي وتمنعه من النوم. لذا يقولون بأنه من الأفضل أن يكون هذا العيد في أول يوم سبت بعد الواحد والعشرين من حزيران. كما أن هذا اليوم أصبح يوماً تسوده الفوضى عموماً. فالشبان، وهم أكثر المشاركين في هذا العيد، يقبلون على الشراب بكل ما لهذا من عواقب، كما أن المقاهي والبارات والمطاعم تبقى فاتحة أبوابها لأطول مما هو مسموح بكل ما في ذلك من مضايقات للناس. لذا أخذت البلديات بالإشراف على تنظيم هذا اليوم بما لا يخل بالهدف منه وبما يخفف من مضايقاته إلى الحد الأدنى.

لم تبدي اليونسكو حتى اليوم موقفاً من هذا العيد أو تنظيمه وهي المسؤولة عن الثقافة عالمياً، وإن كانت تشير إليه عبر فعالياتها الموسيقية في العالم.



الاثنين، 18 يونيو 2018

صندوق الكتب... مشاركة متعة القراءة


تحض المجتمعات على اختلافها على القراءة، ذلك أن القراءة مصدر للمعرفة والمعلومات والتسلية أيضاً. ولكن العالم لا تتساوى مجتمعاته من حيث القراءة، فبعض المجتمعات تقرأ أكثر من غيرها، وبعضها يقرأ كثيراً في حين أن مجتمعات أخرى تقرأ بالكاد. أسباب ذلك متعددة، منها الوعي بأهمية القراءة والاعتياد عليها ومواظبتها لما تجلب من متعة وفائدة. كما أن هناك لحظات تاريخية تطرأ في المجتمعات تسرّع السعي إلى القراءة كما حصل في دول غرب أوروبا مع انتشار مطبعةغوتنبرغ (القرن الخامس عشر) التي حدثت في فترة تحولات اجتماعية وسياسية كبيرة احتاجت الكتيبات والمنشورات، في حين أن مجتمعات أخرى عارضت دخول هذه المطبعة لأسباب ذات خلفية دينية مثل روسيا التي لم تدخلها المطبعة إلا مع بطرس الأكبر وكذلك الدولة العثمانية التي لم تدخلها المطبعة إلا في القرن الثامن عشر وعلى نطاق محدود في مواضيع الكتب. ومن بين الأسباب الأخرى توفر كتب تهم الناس وتناقش أمور حياتهم بأي فن من فنون الكتابة: الرواية أو المسرحية أو الكتابة الفكرية والدراسات وغيرها، وهو أمر يتطلب توفر قدر معقول من الحرية الفكرية تشجع على ولادة الكتّاب والمفكرين والمبدعين. كما أن للحالة المادية دور وإن كان من الممكن التغلب عليه عبر توفر المكتبات العامة، وطبعاً لمستوى الأميّة دور وإن كان هذا في تراجع مع تراجع الأمية في مختلف المجتمعات. ومن الطبيعي اليوم أن نجد أن الدول المتقدمة هي دول يحتل فيها سوق الكتب مكانة هامة.


وهذه الدول المتقدمة تؤمن للجميع إمكانية القراءة في مكبات عامة تنتشر بوفرة في المدن الكبيرة والصغيرة يمكن الذهاب إليها لقراء المجلات والدوريات أو الاطلاع على جديد الكتب واستعارة بعضها لمدة معلومة. يكون الأمر مجاناً أحياناً يتحمل دافعو الضرائب كلفته على أساس أن ذلك ضرورة لبناء مجتمع سليم، وبعض الدول تعرض ذلك مقابل رسم اشتراك سنوي بسيط يمكن للمكتبة أن تطور مقتنياتها بما تحصل عليه من اشتراكات. وهذه المكتبات تتسم بالسعة وتوفير ما يلزم من الراحة والهدوء للقارئ مع كل خدمات البحث والتصوير والاستعارة من مكتبات أخرى في المدينة نفسها أو ربما في البلد نفسه.

وغير المكتبات العامرة التي توفرها مدن تلك الدول فهي تقوم عبر وسائل إعلامها بعرض الكتب ومناقشتها مع مؤلفيها عبر الإذاعات والتلفاز والصحف وما إلى ذلك. وكذلك إقامة معارض سنوية يشارك فيها مؤلفو الكتب المعروضة ويقدمون محاضرات في قاعات جانبية عن كتبهم أو تجربتهم في الكتابة بما يجعل هذه المعارض فرصة سنوية ينتظرها القراء بشغف.


وغير ذلك فقد قامت مؤسسات مدنية بالتعاون مع البلديات في الولايات المتحدة بإقامة ما أسموه "صناديق الكتب" على شاكلة صناديق البريد. وفي هذه الصناديق يمكن لمن يريد أن يضع فيها كتباً قرأها وأعجبته ليقوم شخص آخر بأخذها وقراءتها وإعادتها إلى الصندوق أو لا أو وضع كتاب أو كتب لديه بما يتيح للناس بشكل دائم إمكانية العثور على كتاب للقراءة المجانية. لاقت هذه الفكرة رواجاً وشعبية جعلت الكثير من الدول الأوروبية تحذو حذوها. وهذه بدورها تلاقي نجاحاً طيباً. البعض يضع ما لديه من روايات قرأها ولن يعيد قراءتها، والبعض الآخر يضع كتباً قيّمة يتمنى أن يستفيد منها الآخرون، والبعض يهب ما لديه من كتب بسبب تركه للمدينة إلى مدينة أخرى ولا يريد حمل أثقالاً من الكتب، والبعض الآخر يضع كتباً رافقته في صغره... التجربة فريدة ورائعة علّها تنتشر يوماً في بلادنا.


الجمعة، 15 يونيو 2018

الماء في العالم... الحاجة إلى الترشيد

لا حياة بلا ماء... وجعلنا من الماء كل شيء حي... إذن لا مستقبل بلا ماء. وفي بحثنا عن كواكب تحتمل الحياة فإنما نبحث أولاً عن وجود الماء فيها، وفي حال عدم وجوده نتوقف عن الاهتمام بالكوكب المعني. هل يوجد على الأرض ما يكفي من ماء؟ علماً بأن كمية الماء على الأرض لا تزيد ولا تنقص، أي أنها محدودة. فالماء لا يغادر الأرض أو جوها، كما أنه لا تخلق كميات إضافية من الماء.


صحيح أن 70% من سطح الكرة الأرضية مغطى بالماء، ولكن هذا الماء لا يساوى سوى 0.023% من كتلة الأرض، أي أن المحيطات والبحار ليست أكثر من سراب في حجمها النهائي مقارنة بالأرض. أضف إلى ذلك أن مياه البحار والمحيطات هي مياه مالحة، ولا تشكل المياه العذبة سوى 2.6% من مياه الأرض، 68% منها على شكل جليد في القطبين و30% منها موجود في طبقات الأرض الجوفية، والباقي، 2%، في الأنهار والبحيرات وبخار ماء في الغلاف الجوي. والماء المتاح للإنسان للاستعمالات المختلفة في النهاية هو 1% من المياه العذبة. أي أن المياه العذبة هي قطع نادر. وبالفعل فنحو 10% من سكان الأرض لم يتوفر ماء الشرب لديهم في عام 2015. وليس السبب في ذلك الزيادة السكانية فقط. فقد زاد عدد سكان الأرض بين عامي 1900 و 1995 بنسبة 3.4% ولكن استهلاك الماء ازداد بنسبة ستة أضعاف. وهذا الاستهلاك ليس متساوٍ في كل أصقاع الأرض. فنسبة استهلاك الماء للفرد في فرنسا هي 13 مرة أكثر منها في الصحراء الأفريقية. ونسبة الاستهلاك في أمريكا هي نحو ضعف الاستهلاك في فرنسا.

واستهلاك المياه العذبة لا يكون من قبل الأفراد أو في المنازل. فنحو 70% من المياه العذبة تستخدم في الزراعة، وهو استخدام متزايد. فبين عامي 1961 و 2009 لم تزد مساحة الأرض المزروعة في العالم إلا بنسبة 12% فقط ولكن الأراضي المروية زادت نسبتها بمقدار 117%. المستخدم الثاني الأكبر للمياه العذبة هو الصناعة التي تستهلك نحو 20% وخاصة في تبريد المحطات الكهربائية الحرارية. وكمية المياه الباقية للاستخدام الفردي هي نحو 10%. وهذه المياه لا تتوفر في كل مناطق الأرض بما يكفي لقاطني هذه المناطق. لذا نشأت صناعة تحلية مياه البحار. وهي صناعة يتزايد الطلب عليها، إذ بلغ عدد منشآتها حتى عام 2014 نحو 17 ألف منشأة جلها في الشرق الأوسط، بلغت قيمة إنتاجها في ذاك العام نحو 8 مليار دولار وذلك للاستجابة لحاجات نحو 300 مليون شخص، وهذه سوق تتزايد بنسبة 10% سنوياً. وغير تحلية مياه البحار يجري استخراج المياه الجوفية، وهذه المياه لا يجري تعويضها من مياه الأمطار أو غيرها إلا بعد ملايين السنين. أي أن هذه المياه ستنضب كما البترول. ونضوبها يهدد بتغيرات في القشرة الأرضية لها أن تحدث خطر انهيارات كما هو الأمر حالياً في ولاية كاليفورنيا.

والمياه المستخدمة في الزراعة والصناعة يصعب تنقيتها بسبب تلوثها بالمبيدات
مناطق النزاع على المياه
والأسمدة الكيمائية والمواد الصناعية. فنحو 80% من هذه المياه لا يمكن إعادة استخدامها أو تنقيتها إلا بكلف عالية. كما أن تحلية مياه البحار عالية الكلفة بما لا يمكن استخدامها في الزراعة والصناعة. فما الحل؟ مرة أخرى يجب العودة إلى الأصول، أي العودة إلى إدارة شؤون الأرض على نحو عاقل. فزراعة القطن التي تستهلك 22500 لتراً من الماء في الهند لإنتاج كيلو واحد من القطن تستوجب إعادة النظر، وكذلك استخدام الأسمدة الكيمائية والمبيدات الحشرية لزيادة الإنتاج تحتاج إلى إعادة نظر وتغيير في تقنيات الزراعة. كذلك الصناعات العالية الاستهلاك للمياه، وهنا يتوجب على البشرية تعلم التوفير المكثف في الطاقة. صناعات أخرى تحتاج إلى إعادة نظر، فمثلاً صناعة شراب الكوكا تحتاج إلى لترين من الماء لإنتاج لتر واحد من الكوكا، كما أن الاستهلاك الفردي في مختلف الدول ينقصه الترشيد.... تحتاج إدارة مصادر المياه واستعمالاتها إلى أن تكون في صدارة أولويات الدول... الذهب الأزرق سيهدد نقصه دولاً قد تدخل في حروب قاتلة من أجله، فقد عرف التاريخ حرباً في الألف الثالثة قبل الميلاد بين مدينتي-دولتي لكش وأومّا السومريتين من أجل الماء ... لذا يجب التفكير ملياً في الأمر والتصرف ... البعض يقول بأننا قد دخلنا في مرحلة اللاعودة وأن السيف قبل سبق العذل.

الأربعاء، 13 يونيو 2018

المجتمع المكي... محمد محفل

محاضرات في التاريخ الإسلامي والعربي: الجزيرة العربية وجيرانها قبل البعثة النبوية للدكتور محمد محفل. 


فيما يلي المحاضرة السادسة بعنوان:  
المجتمع المكي

ويمكن الاستماع إلى المحاضرات السابقة على هذا الرابط




الثلاثاء، 12 يونيو 2018

المجتمع المدني ... ومسير التنزه

تضع المجتمعات لأنفسها قواعد للعيش المشترك قائم على عدم الإيذاء أولاً، وتأتي السياسة والدولة لتعمل على أن يكون هذا العيش بأفضل ما يمكن ضمن ما هو متاح. ولكن الدولة بمؤسساتها لا تستطيع أن تتدبر كل الأمور بصغيرها وكبيرها، إذ أن هذا يتطلب جهداً فوق طاقتها. لذا أقامت المجتمعات الحديثة ما يسمى بالمجتمع المدني. وهذا المجتمع يقوم على جمعيّات محددة الأهداف تسعى لتحقيقها على أساس غير ربحي وعلى أساس أن العاملين فيها متطوعون. ومثل هذه الجمعيات منتشرة بكثرة في الغرب، بعضها للقيام بمساهمة محددة مثل مطاعم المحبة، وبعضها الآخر للتوعية والتعريف بقضايا هامة في العموم مثل مشاكل البيئة أو الصحة عبر توسيع نشاطها ليشمل بعض دول العالم التي تعاني من نقص في الأطباء أو البنية الأساسية الصحية.

ومن الجمعيات التي لا تخطر على بال جمعيات تنشط في أيام نهاية الأسبوع، هدفها مساعدة الناس في المنطقة التي تنشط فيها على القيام بنزهات في الطبيعة سيراً على الأقدام. ومساعدة هذه الجمعيات للناس تتمثل في رسم مسارات التنزه والخيارات الممكنة ووضع ذلك في خرائط توزع على المتنزهين مع معلومات أخرى تفيد المتنزه في التعرف على المنطقة بتفاصيلها وأسماء وديانها وجبالها وربما بعض المعلومات الجيوليوجية، وطبعاً المعلومات الزمنية عن المدة الوسطية لكل مسار. وغير رسم الطرق فهي تقوم بوضع علاّمات على الطرق تشير للمتنزه طريقه، وبعض العلامات تشير إلى المسافة المتبقية للعودة إلى نقطة الانطلاق أو وجهات أخرى.

وغير خدمات المعلومات هذه فهي تقدم خدمات على مسارات السير مثل أماكن للاستراحة وتناول بعض الطعام الذي يكون بحوزة المتنزه. وفي هذه الأماكن يتوفر الظل والماء العذب وربما قطعاً صغيرة من الحلوى لتمد المتنزه ببعض الطاقة أو، وهو الأهم، لجعل الناس تتوقف وتتحادث وتتعرف إلى بعضها، حول فنجان قهوة أو كأس شاي يقدمها القائمون على الاستراحة المتطوعون. وفي بعض الأماكن يمكن أن تتوفر بعض المساعدات الصحية مثل ضمادات أولية لمن بدأت أقدامهم تتقرح نتيجة السير المديد. طبعاً يمكن القيام بإجراءات مختلفة لمساعدة المتنزهين وحمايتهم بحسب كل منطقة وطبيعتها وتجربة الجمعية وخبرتها التي راكمتها عبر سنوات تجربتها.

هذه الجمعيات بعملها هذا فإنما تعفي الدولة من أمور كثيرة تتعلق برغبات الناس المتغيرة والتي لا يمكن للدولة أن تخصص موظفين للقيام بمثل هذه الأعمال المفيدة وضوحاً للمجتمع في تحسين الحياة لما هو أفضل، وهو هدف السياسة كما ذكرنا. وفي هذه الجمعيات ينبه المتطوعون فيها إلى احترام المتنزهين للبيئة وعدم إشعال النار في الغابات أو ما شابه ويراقبون ذلك. والجمعيات التي تقوم بهذه الأعمال تطلب من المتنزهين مساهمة مالية صغيرة لتغطية الكلف المادية لأماكن استراحة المتنزهين وما يقدم فيها. وبالطبع لا أحد من العاملين يتقاضى أي شيء كأجر على مساهمته في هذه الجمعيات التي تخضع لمراقبة مالية صارمة من البلديات التابعة لها.


الاثنين، 11 يونيو 2018

البلاستيك... المفيد الضار

اكتشف البلاستيك في ستينيات القرن الماضي عبر ما يسمى بكيمياء البترول. وفي عام 1963 منحت جائزة نوبل لكيمياء البلاستيك للإيطالي جيوليو ناتا والألماني كارل زيكلر لأعمالهما في مجال البوليمرات. التي أدت إلى البلاستيك المستخدم على نطاق كبير اليوم في التعليب والتغليف وأكياس حمل المشتريات وذلك من بين استخدامات كثيرة أخرى. وأصبحت صناعة البلاستيك من بين أكبر الصناعات في العالم، خاصة في الغرب حيث يبلغ عدد العاملين في هذه الصناعة نحو 1.5 مليون شخص في أوروبا الغربية لوحدها.


أحدث البلاستيك ثورة في الحياة اليومية وفي كل القطاعات من البناء إلى السيارات والإلكترونيات والطيران والأغذية. وفي هذه الأخيرة يستخدم للتعليب باعتباره مادة خفيفة ورخيصة، وهو يساعد في وقايتها من المؤثرات الخارجية الكيمائية والميكروبات وبالتالي يساعد على حفظ الأطعمة والإقلال من الهدر.

ولكن إنتاج البلاستيك لم يتوقف عن الزيادة في الخمسين سنة الماضية وهو في تزايد مستمر. ويقدر الإنتاج العالمي حالياً بنحو 300 مليون طن سنوياً، وتنتج أوروبا لوحدها خمس هذه الكمية. بعض هذا البلاستيك مخصص للعيش مدة طويلة وآخر لمدة قصيرة في الاستخدام مثل هذا المستخدم في حفظ الساندويتش أو أكياس تعبئة المشتريات اليومية. وهذا الأخير هو الذي تمتلئ به صناديق نفايتنا. 

يتحول هذا البلاستيك اليوم إلى قنبلة موقوتة في حياتنا. فقد بدأنا في العقدين الأخيرين في اكتشاف سيئاته الصحية والبيئية. فهو يحتاج إلى ما بين 100 و 200 سنة للتفكك في جزيئات متناهية في الصغر (نانوية). وعندما يصل إلى هذا الحجم، وهو أمر متوقع مع نهاية القرن الواحد والعشرين، ستنتشر هذه الجزيئات حينها في كل البيئة المحيطة بنا وكذلك في كل العضويات الحيّة. ولهذه الجزيئات النانوية القدرة على اجتياز كل العوائق النسجية للتراكم في أعضائنا، مثل الكبد، والتأثر في وظائفها. وهذه الجزيئات اللامرئية ستكون حاضرة في مجمل غذائنا بكل ما لذلك من آثار ليست معروفة تماماً اليوم، وهي على الأقل ستكون حاملة للملوثات العضوية التي ستصادفها في طريقها. وهذه الجزيئات النانوية بدأنا بمشاهدتها في المياه والملح والعسل ومنتجات البحار وقيعان المحيطات التي يلقى إليها سنوياً بنحو 8 مليون طن. وبحسب تقرير للصندوق العالمي للطبيعة فإن البحر المتوسط هو من أكثر البحار تلوثاً بالبلاستيك وبنسبة أربع مرات أكثر من البحار الأخرى، وفي هذا تهديد للحياة الطبيعية في هذا البحر.

وفي الواقع فإننا نستهلك من البلاستيك سنوياً ما يساوي وزننا: 40 كيلوغرام وسطياً سنوياً، وتصل هذه الكمية في أوروبا إلى 63 كيلو غرام. والنسبة الأكبر من هذا البلاستيك هي من النوع الذي يبقي طويلاً بعد الانتهاء من استخدامه مثل ذلك المستخدم في السيارات أو الأجهزة المنزلية. وتقدر الكمية التي تلقى في البيئة عشوائياً بنحو 30-50% من البلاستيك المنتج، وجزء كبير يدفن في الأرض ومنها سينتقل عند تفككه إلى التربة والمياه والمحيطات. وفي الواقع فإن ما يعاد استخدامه أو تفكيكه بطريقة مسيطر عليها لا يتجاوز الربع. وهذا الذي يتم تفكيكه سيعود جزء كبير منه إلى الهواء بطريقة أو أخرى.


أما إعادة تدوير البلاستيك الفعلية فهي على ما يبدو محدودة للغاية وهي بنحو 2% من البلاستيك المنتج سنوياً. وإعادة التدوير هذه قابلة للتكرار لأكثر من مرة. هناك جزء يسير آخر، أقل من 6%، يمكن إعادة تدويره لمرة واحدة نظراً لمزجه بمواد أخرى يصعب التخلص منها في عملية تدوير ثانية. ويجب أن يبقى في البال أن عملية التدوير هذه تستهلك طاقة لا يخلو إنتاجها من تلويث للبيئة. وعليه يمكن القول إن عملية إعادة التدوير لا تفي بالغرض إلا في جزء يسير منها.

ما الحل إذن؟ أول الخطوات هي عدم إلقاء نفايات البلاستيك أينما اتفق، وخاصة أكياس البلاستيك التي نراها على الأسلاك الشائكة. وجمع هذه النفايات في أماكن محصورة تعالج فيها بما يضمن التخفيف من ضررها المقبل. وتبقى أهم الخطوات في الإقلال من استخدام البلاستيك الخاص بالاستخدام المباشر والاستعاضة عنه ببدائل قابلة للانحلال بيولوجيا أو يمكن استخدامها لفترة طويلة ودونما أثر بيئي، مثل أكياس القماش أو الورق أو عبوات الزجاج. وهذه البدائل يمكن توسيعها لتشمل مجالات كثيرة يستخدم فيها البلاستيك ... هذا بانتظار وصول مخابر البحث والتطوير لاكتشاف مواد شبه بلاستيكية ولكنه قابلة للتفكك عضوياً دون أن تترك أثاراً كارثية كما هو حال البلاستيك حالياً... لقد قدمت التكنولوجيا الكثير من الحلول الجذابة على المدى القصير، ولكنها حلول قاتلة على المدى البعيد... وكأن الإنسان يسير على طريق ملء الأرض بنفاياته، عله يصحو قبل فوات الأوان.

معطيات هذه الورقة مستمدة من مقال فرنسي موجود على هذا الرابط.

الأحد، 10 يونيو 2018

للعيش هنا... بول إيلوار




صنعتُ ناراً، فالأزرق كان قد فارقني،
ناراً كي أصبح صديقها،
ناراً كي ألج إلى ليل الشتاء
ناراً للعيش على نحو أفضل.

أعطيتها ما أعطاني النهار:
الغابات والأدغال وحقول القمح والكروم،
أعشاش الطيور والبيوت ومفاتيحها،
الحشرات والورود والفرو والأعياد.

عشت على أصوات الشعل وطقطقاتها،
بعطر حرارتها فقط؛
كنت مثل قارب يغرق في مياه مغلقة،
مثل الميّت لم يكن لديّ إلا عنصراً وحيداً.

الجمعة، 8 يونيو 2018

اللحوم... والأرض ومن عليها

يعتمد الإنسان على اللحوم في غذائه؛ لحوم الأبقار أو الغنم أو الدجاج والطيور أو السمك. وهذه اللحوم تمده بالبروتينات الضرورية لبناء جسمه في كل مكوناته والحفاظ على هذا البناء متجدداً، وكذلك المكونات الحيوية مثل الإنزيمات والهرمونات وغيرها. ومن طرف آخر، وإن كان بنسبة أقل، لحصوله على الطاقة التي يحتاجها جسمه في وظائفه الداخلية أو الخارجية لقيامه بأعماله اليومية. والطلب على اللحوم في تزايد مستمر مع تزايد عدد سكان الأرض. ولكن هذا التزايد في الطلب على اللحوم ليس مجاناً وإنما له آثاره السيئة وعلى أكثر من صعيد.

أنتج العالم في عام 2015 نحو 320 مليون طن أتت من نحو 66 مليار رأس ماشية أو طير تجري تربيتها في كل عام. وفي عام 2013 كان لحم الدجاج والبقر والخنزير والحليب من أكثر أنواع الغذاء المباعة في العالم، قدرت قيمتها بنحو 680 مليار دولار في العام 2013. والزيادة في الطلب لا تأتي فقط من الزيادة في عدد السكان وإنما من زيادة الطلب على اللحوم بحد ذاتها. فقد كان متوسط استهلاك اللحوم في العالم في عام 1970 بنحو 29 كيلو للفرد سنوياً، وزاد في العام 2014 ليصل إلى 43 كيلو للفرد الواحد. وهذا الوسطي هو وسطي متباين جداً بين دول الشمال ودول الجنوب. فإذا كان متوسط استهلاك اللحوم هو 76 كيلوغرام للفرد سنوياً في الدوال المتقدمة فإنه ينخفض إلى دون النصف في الدول النامية حيث يبلغ نحو 34 كيلوغرام وسطياً سنوياً. وهو استهلاك كبير في كل الأحوال. 

ولهذا الاستهلاك ثمن باهظ من ثاني أكسيد الكربون يصل إلى 7 مليار طن سنوياً نتيجة تربية الماشية. وهذا يشكل 14.5% من الغازات المسببة للاحتباس الحراري الناتجة عن مختلف الأنشطة البشرية. وهذه لوحدها أكثر من الغازات المنطلقة بسبب وسائل النقل من سيارات وطيارات وسفن. وللأبقار قصب السبق في هذا المجال، فهي لوحدها مسؤولة عن 80% من الغازات التي تسببها الماشية عموماً في عملية إنتاج الحليب واللحم. علماً بأن لحم البقر لا يمثل أكثر من 29% من اللحم الذي يتناوله الإنسان. إضافة إلى أن أكل لحم البقر ليس بالمجدي اقتصادياً، ذلك أن 5% من بروتينه تجد طريقها إلى موائدنا خلال فترة حياتها، ولحم البقر ليس الأفضل بين اللحوم، كما أن اللحوم عموماً ليست بدون نتائج سلبية على الصحة من سكري وسرطان أمعاء وأمراض قلب. والبروتين الناتج عن اللحم لا يمثل أكثر من 18% من حاجة الإنسان. وغير هذا فإن تربية الماشية تحتاج إلى أمكنة مخصصة لها وهي تحتاج إلى المراعي. فنحو 75% من الأراضي الزراعية على الأرض مخصصة لعلف الماشية. وهذا غير حاجة الماشية إلى الماء. إذ إن إنتاج كيلو واحد من لحم البقر يتطلب 15.5 متراً مكعباً من المياه، سواء للحاجة المباشرة أو لإنتاج العلف، وكمية الماء اللازمة عالمياً تساوي 8% من الاستهلاك العالمي للمياه. 

وعدا عن كل هذا فإن للماشية بقايا ونفايات تتغلغل في الأرض بما فيها من مواد ضارة، النترات مثلاً،  وهذا ما يسبب في تلوث الأرض والمياه الجوفية. وهذه الماشية تصاب بالأمراض التي يمكن أن تنتقل إلى الإنسان. وهذا يستدعى حقن الماشية بالمضادات الحيوية، وهو أمر يضمن الوقاية في ثلاث حالات من أربع، وهذا يعني أن بعض الفيروسات ستكتسب مناعة وستكون مقاومتنا لها أصعب.

اصبح إنتاج اللحوم صناعة بحالها منذ أكثر من قرن من الزمان، ولكن هذه الصناعة اليوم تقضم الأرض شيئاً فشيئاً. لقد حان الوقت لمراجعة أشياء كثير تتعلق بغذائنا. فالبروتين يمكن حصول الإنسان عليه من مصادر أقل ضرراً وخاصة المصادر النباتية، من فول الصويا إلى البازلاء والعدس والفول وغيرها. لقد انسقنا وراء تلبية سريعة لحاجاتنا الغذائية دون التفكير كثيراً في نتائجها على الطبيعة وتوازنها... فقدان الطبيعة لهذا التوازن قد يضيع كل شيء... يمكن القول الآن بأن أبا العلاء المعري كان محقاً في نباتيته، وإن كانت أسبابه غير بيئية.

بنيّت هذه الورقة في معظمها على محتويات من فيديو فرنسي موجود على الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=KriTQ0aTrtw



الخميس، 7 يونيو 2018

مكة والكعبة... محمد محفل

محاضرات في التاريخ الإسلامي والعربي: الجزيرة العربية وجيرانها قبل البعثة النبوية للدكتور محمد محفل. 


فيما يلي المحاضرة الخامسة بعنوان:  
مكة والكعبة


ويمكن الاستماع إلى المحاضرات السابقة على هذا الرابط


الثلاثاء، 5 يونيو 2018

رحلة بنطال الجينز... من المزارع إلى المزارع

وهو أشهر بنطال ارتداه الإنسان، القديم والمعاصر وأكثرها شعبية. يباع منه في الوقت الحاضر نحو 2.3 مليار بنطال سنوياً في مختلف أرجاء العالم. بدأت قصته مع التاجر الأمريكي ليفي ستراوس والخياط جاكوب ديفيس. إذ خاط هذا الأخير بنطالاً من قماش أزرقاً مقوى بمسامير نحاسية في الأماكن الحساسة التي يمكن أن تتعرض للتمزق بأكثر من غيرها. ولمّا لم يكن لهذا الأخير إمكانية تسجيل بنطاله كاختراع باسمه، عرض على ليفي الاشتراك معه وتمويل تسجيل الاختراع على أن تكون أرباح تجارة هذا البنطال مناصفة بينهما. وكان ذلك في عام 1873.

ولكن قصة قماش الجينز تعود إلى أبعد من ذلك، وإلى القرن السابع عشر عندما بدأت مدينة جنوا (ومنه اسم الجينز) الإيطالية بصناعة قماش من خيطان القطن والقنب وبحياكة تكسب القماش سماكة ومتانة، وصبغته باللون الأزرق. وانتشر في أوروبا، وحاولت شركة فرنسية في مدينة نيم تقليد هذا القماش ولم تفلح. ولكنها قامت بحياكة مختلفة قوية وبسيطة وذات ملمس أملس، إذا كان قماش جنوا مخملي الملمس. وصبغت قماشها هذا باللون الأزرق أيضاً، وسمي بقماش "دونيم"، وهي تسمية متداولة حتى اليوم. وعاد أهل جنوا واعتمدوا الحياكة الجديدة. واشتهر هذا النسيج في صنع الملابس والخيام والأغطية. لكن شهرته الكبيرة تعود إلى استخدام جاكوب ديفيس لهذا القماش.
وهذا القماش يستخدم فيه حالياً القطن بشكل رئيسي، قطن يزرع في الأمريكيتين وأفريقيا والصين والهند. ثم يغزل في باكستان وإيطاليا وتركيا وغيرها، ثم يصبغ بالأزرق. بعدها يحوّل نسيجاً في مناطق مختلفة أشهرها الصين. وخياطته تكون في الصين نفسها أو بنغلادش أو تونس وغيرها لأسباب انخفاض كلفة اليد العاملة. وفي كل الأحوال فإن عدد الدول التي تساهم في صناعة بنطال الجينز لا تقل عن عشر دول. دولة يزرع فيها القطن وأخرى يغزل فيها خيوط القطن وأخرى يصنع فيها النسيج ودولة يصنع فيها اللون الأزرق، وأخرى يصنع فيها المسامير النحاسية وأخرى يصنع فيها خيوط الخياطة وأخرى يصنع في سحّاب البنطال وأخرى يكون فيها التصميم ودولة أخيرة يكون فيها التصنيع الذي يكون لصالح شركة موجودة في دولة أخرى يباع البنطال على أنه من صادراتها. ومجمل هذه العمليات تجعل المسافات التي قطعها القطن من منشأه إلى أن يصل إلى المستهلك كبنطال تزيد وسطياً عن محيط الأرض! البنطال إذن  كمنتج نهائي مثال عن عولمة الضرورة.

وهي عولمة مؤذية في معظمها. فزراعة القطن تحتاج إلى الكثير الكثير من المياه. فإنتاج كيلو من القطن يحتاج على الأقل إلى خمسة آلاف لتر من الماء في الأحوال التقليدية، وبما أنه من المطلوب الوصول إلى أقل الكلف لذا يجب زيادة الإنتاج. وزيادة إنتاج القطن تحتاج إلى أسمدة ومياه أكثر تصل إلى 25000 لتراً للكيلو الواحد من القطن. وهذه الزراعة تستهلك الكثير من المبيدات الحشرية والفطرية، وهي لوحدها حالياً تستهلك ربع المبيدات المستعلمة في العالم. وغير ضررها للتربة فهي غالباً ما تستعمل في الدول النامية بدون أية إجراءات حماية أو وقاية بكل ما ينجم عن ذلك من إصابات مؤذية للمزارعين. وغير ذلك فهذا القطن يتطلب نقله بالسيارات والسفن وفي هذا استهلاك للوقود وطرح لثاني أوكسيد الكربون في الجو. وصناعة البنطال في مراحلها المختلفة تستهلك كمية لا بأس بها من الماء والمواد الكيمائية الضارة بالبيئة. أي أن هذا البنطال الجميل والعملي هو في الحقيقة من أكثر الملابس الملوثة للطبيعة. أما الدول التي تصنّع فيها هذه البناطيل فإنما اختيرت لرخص أجر اليد العاملة فيها وهي لا تزيد عن 200 دولار شهرياً، وهذا يعادل ثمن بنطالين أو ثلاثة في أحسن الأحوال في الدول الغربية.


كلمة أخيرة: تعود ملابس الجينز التي لم تستهلك في أوروبا ولكن أصحابها يتخلون عنها لأسباب مختلفة، إلى الأفارقة يشترونها بأسعار رخيصة (بالة)... وهم الذين زرعوها قطناً!... ويسألونك عن الإنصاف!

الاثنين، 4 يونيو 2018

خاتمة مخاضرات التاريخ العربي الحديث... د. خيرية قاسمية

فيما يلي المحاضرة الخامسة والعشرون في التاريخ العربي الحديث للدكتورة المرحومة خيرية قاسمية وهي بعنوان 

"خاتمة". 


وهي خاتمة لكل المحاضرات السابقة التي يمكن الاستماع إلى المحاضرات السابقة على هذا الرابط.

البكاء والبكاءات


البكاء ظاهرة طبيعية لدى الإنسان تتمثل في تساقط قطرات الدموع من العينين. السبب الكامن وراءها أحدها فيزيائي وآخر نفسي. وهي تخص الإنسان دون غيره من المخلوقات. فالإنسان يبكي حزناً ويبكي فرحاً، يبكي من الألم أو من الخوف ويبكي ابتهالاً وتقرباً، يبكي ذكريات خطرت ويبكي حنيناً طارئاً، يبكي اهتزازاً بلحن أو أغنية أو نشيد أو جملة ذات صدى في النفس، كما يبكي لمشهد مؤثر وجدانياً... وهكذا فاللائحة طويلة في جانبها النفسي وقصيرة جداً في جانبها الفيزيائي.

وفي جانبها الفيزيائي فالبكاء تساقط الدموع. وهو تساقط لا يختص به الإنسان لوحده وإنما كائنات أخرى. وهناك نمطان من تساقط الدموع: الأول إفراز أساسي دائم تقوم به الغدد الموجودة في الجفون، بين الرموش، التي تصدر دموعاً عبارة عن دهون ومخاط وماء. وهذه الدموع الدائمة تسمح بترطيب وتغذية القرنية، وبدونها ستفقد القرنية شفافيتها. أما المخاط فيشكل جزيئات حماية من أشياء مثل الغبار. أما النمط الثاني فهو إفراز ارتدادي يعتمد مباشرة على الغدة الدمعية الموجودة في الزاوية العليا للعين، وهي دموع رداً على مؤثر خارجي يجعل الدموع تجري خارج العين. وهي تتألف في أغلبها من الماء وبعض المواد المضادة للبكتيريا. وقد يكون سببها إما فيزيائي مثل وضع الإصبع في العين، أو تقطيع البصل. أو نفسي كرد فعل انفعالي من حزن أو فرح أو ما شابههما. وهذه تقف خلفها شبكة من العصبونات لا نعرف بالضبط آلية عملها وإنما هي من يصدر الأمر لهذه الغدة بالإدماع. ولكن نعرف أن لبعض الهرمونات تأثير في الإدماع أو البكاء، مما يجعل بكاء النساء أكثر من بكاء الرجال بأربع مرات. وفي الأسباب النفسية فهي جزء من آليات الإنباء بالخطر أو بالإجهاد النفسي مثل القلب الذي تتسارع نبضاته أو تغير لون البشرة من شحوب أو احمرار، وكلها لشد الانتباه إلى النفس ذاتها.

والبكاء لغة بحالها عند الأطفال للإنباء بأنهم جوعى أو أنهم يتألمون أو أنهم غير راضين. وفي كل مرة تختلف شدة البكاء وإيقاعه. كما أن البكاء عند الكبار مفيد إذ إنه يساعد على التخلص من حالة انفعالية مرهقة لا يمكن التعبير عنها لغوياً أحياناً... وقد يكون مضللاً كما في حالة دموع التماسيح.

والبكاء دليل على الحزن بأكثر منه أي شيء آخر، كما هو شائع عموماً لدى الناس وفي معظم الثقافات. والبكاء على ميت قريب أمر طبيعي. وفي بعض المجتمعات يؤتى بنساء مهمتهن البكاء (البكاءات) للتعبير عن قيمة الفقيد ومكانته عند أهله. ولكن البكاءات أيضاً عرفن في أساطير أوروبا الشمالية في القرون الوسطى باسم "الباشني" يأتين من العالم الآخر للإنباء بالموت، موت أحد في منطقة ظهورهن، وهن في حالة أنين واختلاج أو بمظاهر أخرى.... ولكنهن إناث وليسوا ذكوراً... قد يكون ذلك مجرد صدفة أو لأن النساء، كما ذكرنا، سخيّات دمع لا يكفكف... أو لأن الرجل يبحث عن تحمليهن كل المآسي!... وفي كل الأحوال فإن منظرهن يثير الرغبة بالبكاء كما تظهر صورهن المفزعة.


السبت، 2 يونيو 2018

الإنترنت واستهلاك الطاقة الكهربائية

يتزايد الطلب على المعلومات عبر الإنترنت، وهذا التزايد هو في العدد وفي كمية المعلومات التي تتضمنها الإجابات الممكنة. فمن حيث العدد مثلا يزيد عدد طلبات البحث التي يتلقاها محرك غوغل بأكثر من عشر مليارات في الساعة الواحدة، وهو ليس محرك البحث الوحيد. وهو يجيب على كل طلب بعشرات ألوف الأجوبة الممكنة، بعضها قد يكون فيديوياً، ومجرد محاولة الكشف عن محتوى الفيديو الذي قد يتضمن الجواب هو أمر يستدعي إرسال غوغل للطالب بكمية كبيرة من المعلومات الإثنانية التي ستعالج في هاتفنا الذكي أو حاسوبنا للتمكن من مشاهدته.

إحدى قاعات غوغل للبيانات
عملية الطلب هذه المرسلة إلى غوغل وتلقي احتمالات الأجوبة مرتبة وفقاً لأرجحيتها تتطلب طاقة كهربائية. وهذا يبدأ من الحاسوب أو الهاتف الذكي الذي نستخدمه لتشكيل موضوع الطلب، والذي سيقوم بمعالجة هذا الطلب وإرساله إلى مزود خدمة الإنترنت المتصلين به، وفي هذا استهلاك للطاقة الكهربائية. سيقوم بعد ذلك مركز مزود الخدمة باستلام الطلب ومعالجته وتحويله للجهة المطلوبة (غوغل في حالتنا)، وفي هذا استهلاك للطاقة قد يكون كبيراً جداً. إذ إن كثرة من مزودي خدمة الإنترنت أصبحت مراكز للحوسبة السحابية (مركز تخزين وحماية وصيانة للمعطيات الكبيرة الخاصة بالشركات والمصارف مثلاً مما يعفيها من هذه المهمة وتبعاتها الفنية وذلك لقاء أجر بالطبع) . وهذه المراكز تستهلك كمية كبيرة من الطاقة. ومتوسط ما يستهلك المركز الواحد منها في أوروبا يكافئ استهلاك مدينة صغيرة (30000 نسمة) من الطاقة الكهربائية منزلياً. جزء كبير (40%) من الطاقة المستخدمة في هذه المركز هو لتكييف هواء قاعاتها.

وبعد أن يصل الطلب إلى غوغل الذي ستبحث حواسيبه عن الإجابات الممكنة على السؤال موضوع البحث، وفي هذا استهلاك للطاقة أيضاً. بعدها ستبدأ العملية المعاكسة. حيث سترسل مخدمات غوغل من مراكزها في أمريكا الجواب إلى مزود الخدمة الذي تلقي الطلب. وسيقوم مزود الخدمة هذا بتوجيه الجواب إلى صاحب الطلب. وفي هذا استهلاك للطاقة أيضاً. وصاحب الطلب سيصرف حاسوبه أو هاتفه الشخصي طاقة كهربائية للاطلاع على الإجابة. وعند اختيار إحدى الإجابات ستعاد العملية السابقة. وقد يكون استهلاك الطاقة لا بأس به عند المتلقي إذا كانت الإجابة المشاهدة فيديو يستغرق بضعة دقائق. وفي كل مرحلة من المراحل السابقة يجب احتساب الطاقة المستهلكة عبر الكلابلات، الأرضية والبحرية، التي ينقل عبرها كل ذلك، أو شبكات الاتصال الجوال في حالة الهاتف الذكي، أو شبكات الوي-في في حالة الحاسوب أو الهاتف الذكي للاتصال بالإنترنت.

 كل هذه العمليات السابقة تجعل من الإنترنت، وكل الأجهزة الداخلة في الاستفادة منها، من أكبر مستهلكي الطاقة الكهربائية في العالم، والكمية المستهلكة اليوم تزيد عن 10% من الطاقة الكهربائية المنتجة في العالم. أي أنها تستهلك بقدر ما تنتج اليابان وألمانيا مجتمعتين من الكهرباء. وللوقوف على ذلك يقدم تقرير أمريكي (جزء من مادة هذا المقال مستقاة من ذاك التقرير) مثال استعمال الحاسوب أو الهاتف الشخصي لمشاهدة فيديو مدته ساعة واحد أسبوعياً. فعلى مدار السنة سيكافئ مجمل الطاقة الكهربائية المستهلكة في كل المراحل السابقة بمقدار ما يحتاج برادان منزليان جديدان على مدار سنة.

والطاقة الكهربائية المنتجة ليست من أصول طاقات متجددة كلها، إذ لا يزال، وسيبقى على المنظور القريب على الأقل (20 سنة قادمة) الفحم هو صاحب النصيب الأول (50%) في الطاقة الكهربائية، يليه الغاز، ثم المصادر الهيدروليكية ثم النووية ثم الطاقات المتجددة... طبعاً يمكن للبعض أن يجادل بأن الطاقة الكهربائية التي تستخدمها الإنترنت بمختلف مكوناتها وفرت أشياء كثيرة كانت تستهلك طاقة كبيرة أيضاً وأن المحصلة الإجمالية قد تكون لصالح الإنترنت بيئياً. قد يكون الجواب المباشر هذا صحيحاً، لكن الحسم في هذا السؤال معقد للغاية. إذ يجب حينئذ إدخال عملية إنتاج الأجهزة الإلكترونية المختلفة المستخدمة في الإنترنت والمشاكل البيئية المحيطة بالتخلص من التالف منها أو القديم الخ.

وفي كل الأحوال فإن أموراً يجب تعليم المستخدمين على التقيد بها للحد من استهلاك الإنترنت للطاقة الكهربائية، منها:
1.       إرسال النصوص والصور المضغوطة في ملحقات الرسائل الإلكترونية.
2.       عند الإجابة، حذف المرفقات، فهي موجودة لدى المرسل.
3.       التخلص من محتويات البريد الإلكتروني الخاص غير الضرورية واستخدام مضادات رسائل الحشو والدعاية (سبام).
4.       الاحتفاظ بقائمة المواقع المفضلة وتلك التي نحتاجها الأكثر، وذلك بقصد التخفيف من عمليات البحث.
5.       توخي الدقة في البحث للوصول إلى النتيجة المطلوبة من المحاولة الأولى إن أمكن.
6.       مشاهدة الفيديو الضروري فعلاً والأقصر زمناً.
7.       استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الحدود الدنيا اللازمة.
8.       التقنين في إرسال الفيديوهات أو الصور عبر وسائل الاتصال الصوتي ، مثل واتساب وسكايبي، إلى في الحدود الدنيا.
9.       وغير ذلك من سلوكيات تحد من استخدام الإنترنت وفقاً لحالة كل مستخدم.