بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 30 ديسمبر 2016

مليارديرات العالم... تتزايد ثرواتهم



الثراء يجر الثراء والفقر يجر الفقر. هذا القول شائع في العالم كله أو جلّه. وهو أمر صحيح من حيث المبدأ، وإن كان لفقير ما أن يصبح عنياً في ظروف ولأسباب مختلفة، كما أن لغني أن يصبح فقيراً في ظروف ولأسباب مختلفة. وفي العام المنصرم زادت ثروات أصحاب الثروات الكبيرة بنسبة لا تقل عن 5%.

وارنر بوفيت
فبحسب دراسة قامت بها مجموعة بلومبرغ الأمريكية، فقد زادت ثروة المليارديرات الخمسمائة الأولى في العالم خلال عام  2016 بمقدار 237، أي بواقع نصف مليار دولار تقريباً وسطياً لكل منهم. طبعاً الأمر لم يكن بالتساوي ولم يكونوا كلهم رابحين. البعض ربح والبعض الآخر خسر. كان أكثرهم ربحاً هو الملياردير الأمريكي وارن بوفيت الذي جنى في عام 2016 مبلغ 11.8 مليار دولار، تبعه في ذلك أيضاً الأمريكي الشهير بيل غيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، بمبلغ يقل قليلاً عن عشرة مليارات، وهو لا يزال المتربع على عرش المليارديرات بثروة قدرها 91.5 مليار دولار. أما ثالث الفائزين في تحقيق الأرباح فهو الفرنسي برنار أرنولت الذي كسب في هذا العام 7 مليارات دولار، ولكن ثروته لا تزال دون نصف ثروة بيل غيتس. أكبر الخاسرين هو الملياردير الصيني وانغ جيانلان، فقد خسر 11 مليار دولار في هذا العام، لكن ذلك لا يمثل إلا ثلث ثروته!

أسباب هذه الأرباح والخسائر هي التغيرات في أسعار الأسهم عقب الأحداث السياسية التي شهدها العالم، من أهمها كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي وانتخاب رونالد ترامب رئيساً لأمريكا والاستفتاء الإيطالي، التي أدت إلى ارتفاع مؤشر الداوجونز نسبة 14%.

وبحسب إحصاءات مطلع عام 2016، فيوجد في العالم 1810 ملياردير. تقدر ثروتهم بمبلغ 6480 مليار دولار، أي أن الثروة الوسطية لكل منهم هي 3.6 مليار دولار. ومن بين هؤلاء فهناك 540 ملياردير أمريكي و 251 صيني و120 ألماني. وإذا نظرنا إلى العشرين ملياردير الأول في العالم فنجدهم مؤلفين من  13 أمريكي، وفرنسيان، وإسباني ومكسيكي وصيني وبرازيلي وآخر من هونغ كونغ. الأول في اللائحة هو الأمريكي بيل غيتس، ولا يزال للعام 2017، وآخر اللائحة مليارديرهونغ كونغ بثروة وصلت إلى 27.1 مليار دولار.

بقي أن نقول إنه من الصعب تخيّل كيف لأصحاب مثل هذه الثروات أن يفكروا في إنفاقها أو الاستفادة شخصياً منها. بيل غيتس ووارن بوفيت أوصيا بوضع معظم ثروتهما بتصرف صندوق بيل وميلندا غيتس الخيري... بوفيت لم يوص لأي من أولاده الثلاثة بشيء فيما يقال. وهو كسب ثروته من لا شيء، فقط كان يقوم بشراء الأسهم وبيعها بدراية فائقة، سمحت له هذه الدراية أن يقفز إلى المرتبة الثانية على لائحة المليارديرات لعام 2017.... نتمنى لكم أن تكونوا من بين أصحاب المليارات في يوم ما.

الخميس، 29 ديسمبر 2016

الديموقراطيات الأولى



مع نشوء المدينة كان من الضروري سياستها، أي إدارتها بتناغم بين أفرادها وضمان استقرارها وتطورها. معظم مدن التاريخ الأولى عرفت نوعاً شبه وحيد من أنظمة الحكم تتجمع فيه السلطة التنفيذية والتشريعية أحياناً بيد شخص ملك يرتبط بصلات ما مع الآلهة، وهذه السلطة ضمنت شرعية حكمه، وإن كان إلى حين. هكذا كان الأمر في مصر الفرعونية وفي سومر والصين وغيرها من الحضارات. 

لكن المدينة ونشاطها الاقتصادي وتمايز أبنائها مع مرور الوقت بين طبقات أدت إلى نزاعات من طبيعة اقتصادية واجتماعية. هذه النزاعات أدت إلى صياغة أنظمة تضمن استمرار حياة مقبولة في المدينة. عرفت ذلك على نحو خاص مدن الإغريق القديمة وخاصة أثينا. أثينا التي عرفت حكماً ملكياً انتهى إلى الاستبداد، ولم يكن قادراً على حل النزاعات بين طبقة النبلاء والأثرياء وطبقة بقية الناس من فلاحين وحرفيين وغير ذلك.

كليثنيس الملقب بأبي الديموقراطية
ففي نحو عام 508 قبل الميلاد قام أحد نبلاء أثينا، وهو كليثنيس بصياغة نظام حكم سمي بالحكم الديموقراطي، أي حكم الشعب (demos التي تعني الشعب، وkratos التي تعني حكم). كان لهذا النظام سمتان: الأولى هي الانتقاء العشوائي حيث لكل مواطن عادي أن يشغل الوظائف الحكومية القليلة. والثانية هي المجالس التشريعية. حيث كان لكل مواطن أثيني أن يتحدث ويصوت في المجالس التي تسنّ القوانين. يمكن لكل مواطن أثيني أن يشارك في هذه المجالس عدا: النساء، والعبيد، والأجانب، ومن لا يملك أرضاً، ومن ينقص عمره عن العشرين سنة. وهذا يعني أن من كان يحق له التصويت في المجالس لا يزيد عن سدس السكان في أحسن الأحوال. وهذه المجالس مؤلفة من مجلسين رئيسيين: الأول وهو الأكبر ويضم 6000 عضواً، يقوم بالتصويت على القوانين. والتصويت هو بأغلبية عدد الأصوات، الذي كان يتم برفع الأيدي للموافقة. والثاني يضم 500 عضواً يحضر ويصوغ مشاريع القوانين، يختار أفراده من القبائل العشرة التي كانت تعيش في أثينا. مدة كل مجلس هي سنة واحدة، يكون الانتخاب لدخولهما بالقرعة، ولا يمكن لأي شخص أن يكون في المجلس أكثر من مرتين غير متعاقبتين. يسمى هذا النظام بالديموقراطية المباشرة. إضافة إلى هذين المجلسين كان هناك المجلس القضائي الذي كانت مهمته السهر على تنفيذ القوانين، وله اختصاصات مختلفة في كل جوانب الحياة في المدينة، من الاقتصادية إلى العسكرية.

بقي أن نقول إن الهند عرفت عدة دول بنظام ديموقراطي في القرن السادس قبل الميلاد منها دولة فيشالي. وكذلك جمهورية روما في القرن السادس قبل الميلاد. كما كان لسبارطة قبل أثينا منذ القرن السابع قبل الميلاد نظاماً ديموقراطياً يتح لكل اسبارطي ذكر بلغ الثلاثين من العمر التصويت المباشر في مجلس يجتمع مرة كل شهر. كما أن مدن السومريين الأولى عرفت الأشكال الأولى للديموقراطية، ولكنها تحولت مع الزمن إلى أنظمة ملكية تستمد سلطاتها من الآلهة.

الأربعاء، 28 ديسمبر 2016

الجمهورية... المعنى والتاريخ


استعملت الكلمة أول مرة، فيما نعرف، في روما، التي شهدت انقلاباً على الملكية عام 509 قبل الميلاد، وأحلت محلها حكماً جمهورياً دام قرابة خمسة قرون. انتهت هذه الجمهورية بقتل يوليوس قيصر عام 40 قبل الميلاد، الذي حل محله أوكتافيوس، الذي أصبح لاحقاً إمبراطوراً باسم أوغسطس، ومن وقتها أصبح الحكم وراثياً ثم بأيدي قادة الجيش. عرفت هذه الجمهورية باسم "جمهورية روما".

كلمة جمهورية مشتقة من كلمتين في اللغة اللاتينية هما: res و publica، بمعنى "الشيء العمومي"، على نقيض الشي الخاص res privata. أي أن حكم المدينة هو شأن عمومي وجماعي. كان شعار جمهورية روما "مجلس الشيوخ والشعب الروماني"، وذلك للدلالة على وحدة مجلس شيوخ روما مع مجمل مواطني روما. أما مجلس الشيوخ فكان مؤلفاً من الأعيان الأثرياء الذين شكلوا الطبقة الحاكمة. وأما باقي الشعب فكان جماهير الفلاحين والحرفيين، الذين شكلوا الطبقة الثانية المحكومة.

لا تتوفر الكثير من المعلومات التاريخية الدقيقة عن هذه الجمهورية وأسباب قيامها، فقد أتلف الزمن معظم الكتابات المعاصرة لهذه الجمهورية، وما يتوفر هو في معظمه ما كتب عن هذه الجمهورية في القرن الأول قبل الميلاد. ومن بين ذلك أن آخر ملوك روما، واسمه تاركان، استبد بالحكم وبالقرار دون العودة إلى مجلس الشيوخ، فما كان من ابن شقيقته إلا أن انقلب عليه وقاد حملة إقصائه عن العرش. ولكن الحادث الذي أطلق الشرارة فيما يبدو هو قيام ابن تاركان باغتصاب زوجة أحد الأعيان. أي أن الجمهورية لم تأت نتيجة ثورة شعب وإنما نتيجة ضيق الطبقة الحاكمة بالملك، فأقصته وبقيت طبقة الأعيان هي الحاكمة عبر مجلس الشيوخ. كما أن الجمهورية لم تقم بسهولة، إذ أعقب الانقلاب على الملك معارك بين أنصاره وأنصار الجمهورية راح ضحيتها الكثير من الطرفين.

توسع الجمهورية الرومانية بين عامي 510 و 40 قبل الميلاد
وفي كل سنة كان مجلس الشيوخ  ينتخب قنصلين اثنين، من الأعيان طبعاً، لإدارة الشؤون اليومية للدولة الرومانية، لهما صلاحيات الملك سابقاً. كان لكليهما الصلاحيات نفسها، ولكن بقيدين اثنين: لكل منهما حق الفيتو على الآخر، وفترة وصايتهما كانت محدودة بسنة واحدة فقط. وهذا من شأنه أن يحد من صلاحياتهما ويخفف من إمكانية فساد الحاكم ويضعف احتمال تحول الحكم إلى استبداد.

 كان القانون الروماني يعترف بالكيان الاجتماعي لعائلات الأعيان، أما عائلات الفلاحين والحرفيين (الشعب كما كانوا يسمون وقتها) فكان عليهم الالتحاق بعائلة من الطبقة العليا. أما سكان المدن التي كانت تحتلها روما فكانوا يستمرون في حياتهم وبعضهم كان يأتي إلى روما للحياة والعمل، حيث كانوا يصبحون تابعين للملك. ومن هؤلاء وأفراد الشعب كان يجري تشكيل الجيش لمتابعة الفتوحات! 

بقي أن نقول إن جمهورية روما كانت جمهورية لأصحاب النفوذ، ولكن ذلك لم يخلو من أزمات بين طبقة الأعيان والشعب، اضطر فيها الطرفان لتقديم التنازلات. مثلت نموذج حكم استمر لمدة خمسة قرون، حققت الكثير من الإنجازات عبر جمهوريتها، وهي الأصل للجمهوريات اللاحقة في التاريخ، وعند تحولها إلى إمبراطورية بدأ أفولها، بالرغم من فترات ازدهار هنا وهناك... وللحديث تتمة.