بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 30 أبريل 2015

الجُزّة الذهبية



تقول الأسطورة أنه بينما كان جازون عائداً إلى بلاده لمطالبة عمه بالمُلك الذي اغتصبه من أبيه، يصادفه نهر هائج حيث يرى امرأة عجوزاً تحاول عبور النهر، فيقوم جازون بمساعدتها بطيب خاطر حاملاً إياها على كتفيه ليصل بها إلى الطرف الآخر من النهر بصعوبة بالغة. وهنا تتحول العجوز إلى صبية رائعة الجمال، وتقول لجازون أنها ليست إلا الإلهة هيرا، وتتعهد لجازون بحمايته. وعند وصوله إلى قصر الملك يوافق عمه على تخليه عن الملك بشرط أن يأتي جازون بالجُزّة الذهبية، ذلك أن عمه كان يعتقد أن هذا سيؤدي إلى هلاك ابن أخيه ويصبح الموضوع نسياً منسياً.

والجزة الذهبية هي ليست إلا فروة كبش موجودة في كولشيدا (جورجيا حالياً) يحميها ثعبان هائل لا ينام أبداً. يسافر جازون على ظهر قارب اسمه أرغو (السريع)، بصحبة مجموعة من الفرسان الأمراء من أبطال الأساطير اليونانية من بينهم والد أخيل، أحد أبطال حرب طروادة، وأورفي الموسيقي الشهير، وهيراقل. وعرف هؤلاء الفرسان بـ "الأرغوت" نسبة إلى قاربهم.

وعند وصولهم إلى كولشيدا يستقبلهم ملكها، الذي يوافق على إعطاء الجزة الذهبية لجازون ولكن بعد أن يجتاز مجموعة من الأعمال الصعبة، منها حراثة أرض بواسطة ثورين يطلقان النار من أنفيهما ومن ثم بذر الأرض بأسنان التنين التي ستتحول بمجرد بذارها إلى محاربين عتاة. يَعد جازون الملك بتحقيق كل ما طلبه. وهنا تقع ميديا الساحرة ابنة الملك بحب جازون حباً جنونياً، وتَعد جازون بمساعدته بشرط أن يتزوجها. وبفضل مساعدتها يقوم جازون بتحقيق كل طلبات أبيها الملك، وهذا ما يثير حنقه إذ كان يظن أن جازون لن يكون قادراً على تحقيق طلباته، ويقول له إذا كنت تريد الجزة فعليك الذهاب لإحضارها بنفسك.

وبالفعل يذهب جازون مع رفاقه إلى الغابة حيث كانت الجزة معلقة يحميها الثعبان. تساعده ميديا الساحرة بتنويم الثعبان، ويلتقط جازون الجزة. وتجري معارك بين جازون ورفاقه من جهة ووالد ميديا الملك الذي لا يريد أن تُنتزع الجزة من أرضه. تساعد ميديا جازون في معركته ضد أبيها وسفنه التي كانت تطارد سفينة جازون بالإمساك بأخيها وتقطيعه ورميه في البحر مما يجعل الأب يتوقف عن الملاحقة والسعي لتجميع قطع ابنه ودفنها كما يليق بالملوك.

وعند عودة جازون إلى بلاده محققاً ما طلبه عمه يفاجأ بأن عمه قد قتل أباه وأهله. يطلب جازون مساعدة ميديا على الانتقام من عمه، وتقوم ميديا بالتحايل على ذلك مع بناته لتقتله غلياً بالماء. ويتخلص جازون بذلك من عمه، ولكن ابن عمه يمنعه من الوصول إلى الحكم وينفيه مع ميديا إلى جزيرة كورينث، حيث يرزق جازون وميديا بولدين.

يقع جازون بحب ابنة ملك كورينث. وهذا ما يثير غيرة ميديا وغضبها الشديدين. ورداً على ذلك تقرر الانتقام. فتقتل الملك وابنته التي أحبها جازون بالسم الزعاف، وتقتل ولديها إمعاناً في الانتقام من جازون الذي كانت ميديا عوناً دائماً له في كل شيء، فهو لولاها لما استطاع أن يقوم بشيء من كل ما قام به، ومن أجله تركت أباها بلا جزته الذهبية وقتلت أخاها. ويموت جازون مهروساً بمؤخرة سفينته أرغو، وفي رواية أخرى ينتحر حزناً على ولديه. أما ميديا فتهرب إلى أثينا حيث تتزوج من الملك إيجه.

خلاصة ما تريد قوله هذه الإسطورة هو إن الخير لا يقابل بالخير دائماً، وإن الإيفاء بالوعد ليس طبيعة متأصلة عند البشر.

الأربعاء، 29 أبريل 2015

قصّةُ مَثَل

إعداد: سماح راغب

تزخر اللغة العربية بأمثال تتناقلها الألسن، ولكل مثلٍ منها قصةٌ تشتمل على عِبرة، أو تحمل في طياتها طُرفة. من هذه الأمثال المشهورة:

عاد بخُفَّي حُنَين
 يُضرب هذا المثل للدلالة على خيبة الأمل واليأس من بلوغ الحاجة.
يقال إن حُنيناً هذا كان اسكافياً (مصلح أحذية) من أهل الحيرة، جاءه ذات يوم أعرابي يريد أن يشتري منه خُفين، وأطال في مساومته حتى غضب منه حنين كثيراً، وخرج الأعرابي ولم يشترِ منه الخفين فازداد غضبه، وقرر حنين أن ينال منه، فذهب إلى طريق عودة الأعرابي وألقى الخفين في مكانين مختلفين، فلما مر الأعرابي بالخف الأول قال: ما أشبه هذا بخف حنين، ولو كان معه الخف الآخر لأخذته، ومضى وتركه، حتى إذا وصل إلى الخف الثاني بعد حين، ندم أن لم يكن قد أخذ الأول، فعَقَل دابته وعاد ليأخذ الخف الأول، فوثب حُنين على الدابة المحملة بالأمتعة وأخذها بما تحمل. ولما رجع الأعرابي إلى أهله سألوه ما أحضرت معك من سفرك، فقال: عُدتُ بخفي حنين… وذهبت مثلاً.

ما حك جلدك مثل ظفرك
هذا المثل مأخوذ من أبيات ٍ قالها الإمام الشافعي:
 ما حك جلدك مثل ظفرك          فتولّ أنت جميع أمـرك
وإذا قصـدت لـحاجـةٍ              فاقصد لمعترف ٍ بقدرك

 يداك أوكتا وفوك
نفخ مثلٌ عربي يُضرب لمن يقع في سوء فعله. وقصته أن رجلاً نفخ قُربة وربطها ثم نزل بها يسبح في النهر، وكانت القُربة ضعيفة الرباط، فتسرب هواؤها وأوشك الرجل أن يغرق، فاستغاث برجل كان واقفاً على الشاطئ فقال له: يداك أوكتا وفوك نفخ، يعني بذلك أنه هو الذي ربط ونفخ فلا يلومنّ إلا نفسه.

أكرم من حاتم
مثل عربي يُضرب للدلالة على شدة الكرم والجود.
وقصته أن رجلاً سأل حاتماً الطائي يوماً، فقال: يا حاتم هل غلبك أحد في الكرم؟
قال: نعم غلام يتيم من طي نزلت بفنائه وكان له عشرة رؤوس من الغنم، فعمد إلى رأس منها فذبحه، وأصلح من لحمه، وقدم إلي وكان فيما قدم لي الدماغ فتناولت منه فاستطبته.
فقلت : طيب والله، فخرج من بين يدي وجعل يذبح رأساً رأساً ويقدم لي الدماغ وأنا لا أعلم، فلما خرجت لأرحل نظرت حول بيته دماً عظيماً وإذا هو قد ذبح الغنم بأسره.
فقلت له : لم فعلت ذلك؟ فقال: يا سبحان الله تستطيب شيئاً أملكه فأبخل عليك به إن ذلك لسُبة على العرب قبيحة!
قيل يا حاتم: فما الذي عوضته؟
قال: ثلاثمئة ناقة حمراء وخمسمئة رأس من الغنم
فقيل: إذاً أنت أكرم منه
فقال: بل هو أكرم، لأنه جاء بكل ما يملك وإنما جدت بقليل من كثير.

الثلاثاء، 28 أبريل 2015

لماذا تقسم الدقيقة إلى ٦٠ ثانية والساعة إلى ٦٠ دقيقة مع أن اليوم مقسم إلى ٢٤ ساعة فقط؟

تظهر الوثائق الأثرية أن المصريين القدماء هم أول من قسَّم اليوم إلى أجزاء واستخدموا الساعات الشمسية لضبط الوقت، وأصبحت هذه الساعات الشمسية بحلول عام ١٥٠٠ ق.م معايَرَةً بحيث تقسِّم المدة الزمنية الممتدة بين شروق الشمس وغروبها إلى ١٢ جزءاً متساوياً (١٠ أقسام للنهار إضافة إلى قسم عند الفجر وآخر عند الشفق)


ساعة شمسية مصرية تعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد

أما الفترة المظلمة بين مغيب الشمس وشروقها فلم تكن تصلح الساعات الشمسية لتقسيمها، لذا استعان المصريون القدماء لضبط الوقت أثناء الليل بالنجوم وبالساعات المائية فقسموا الليل إلى ١٢ قسماً متساوياً. وعلى الرغم من أنهم تمكنوا من الحصول على ساعات متساوية تقريباً فيما بينها إلا أن طول هذه الساعات كان يتفاوت خلال العام فالساعات الصيفية طويلة والساعات الشتوية أقصر بكثير، ولم يُطرَح مفهوم الساعات الثابتة الطول إلا في العصر الهلنستي، عندما اقترح هيبارخوس (١٩٠ق.م- ١٢٠ق.م)  تقسيم اليوم إلى ٢٤ ساعة (اعتدالية) متساوية تحسب عند الاعتدالين حين يتساوى طول الليل وطول النهار غير أن اقتراحه هذا لم يطبق فعلياً إلا بعد ظهور الساعات الميكانيكية الأولى في أوروبا في القرن الرابع عشر.

استخدم هيبارخوس وغيره من علماء الفلك الاغريقيون التقنيات الفلكية التي طورها البابليون من قبل، وكان هؤلاء قد اعتمدوا في حساباتهم الفلكية على نظام العد الستيني (أساسه الرقم ٦٠) الذي ورثوه عن السومريين. ومن غير المعروف تماماً سبب اختيار الرقم ٦٠ بالذات إلا أن من الملاحظ أنه مناسب جداً للتعبير عن الكسور لأنه أصغر عدد قابل للقسمة على الأعداد الستة الأولى إضافة إلى قابلية قسمته على الأعداد ١٠ و ١٢ و ١٥ و ٢٠ و٣٠. كما أنه عدد يسهل الحصول عليه باستخدام أصابع اليدين حيث تستخدم مفاصل الأصابع في إحدى اليدين (٣ مفاصل في كل من الأصابع الأربعة ما عدا الإبهام)  ويعدها الإبهام وصولاً إلى العدد ١٢، وتكرر العملية ٥ مرات لكل أصبع في اليد الأخرى وصولاً إلى العدد ٦٠.
لم يعد النظام الستيني مستخدماً للحساب العام ولكنه لا يزال مستخدماً في قياس الزوايا والإحداثيات الجغرافية والوقت.

استخدم عالم الفلك الإغريقي إراتوستينس (٢٧٦ق.م - ١٩٤ق.م) النظام الستيني لتقسيم الدائرة إلى ٦٠ قسماً وابتكر نظاماً جغرافياً مبكراً لخطوط العرض تمر فيه الخطوط الأفقية في أماكن مشهورة على الأرض. ثم قام بطليموس بعد ذلك بتطوير نظام خطوط العرض وابتكر نظاماً لخطوط الطول تصل بين القطبين من الشمال إلى الجنوب. وقام بطليموس بعد ذلك بتقسيم درجات الطول والعرض إلى أقسام أصغر كل منها يحتوي٦٠ قسماً وسمى القسم الأول partes minutae primae الدقيقة الأولى والقسم الثاني partes minutae secundae الثانية. ولم يجر استخدام الدقائق والثواني في الحياة اليومية لعدة قرون بعد بطليموس ولم يتعامل عامة الناس مع الدقائق إلا بعد انتشار الساعات الميكانيكية التي تشير إلى الدقائق في نهايات القرن السادس عشر.

الاثنين، 27 أبريل 2015

باب المَنْدَب أو "مضيق الدموع"



يعني اسمه "مضيق التفجع" أو "مضيق الدموع"، وذلك للإشارة إلى مخاطر الملاحة فيه، واستذكاراً لأسطورة عربية تقول إن زلزالاً وقع فيه، عندما انشقت أفريقيا عن آسيا، أهلك كل من كان في تلك المنطقة.
وفي اللغة:  نَدَبَ: ( فعل )

ندَبَ يَندُب ، نَدْبًا ، فهو نادِب ، والمفعول مَنْدوب
ندَب الميِّتَ عدَّد محاسِنَه ، وبكاه كأنّه يسمعه ، رثاه

وباب المَندَب هو مضيق واقع بين إفريقيا الشرقية والطرف الغربي من شبه الجزيرة العربية يصل البحر الأحمر بخليج عدن. تحيط به اليمن وإرتيريا وجيبوتي والقرن الإفريقي.
لهذا المضيق أهمية استراتيجية، فهو يتيح الارتباط بين البحر المتوسط والمحيط الهندي عبر قناة السويس، بكل ما يعني ذلك من بضائع تمر فيه لتنتقل بين دول هاتين المنطقتين. ففيه يمثلاً يمر البترول إلى دول المتوسط، وقد بلغت نسبة البترول الذي نقلته حاملات البترول عبر هذا المضيق حوالى 7% من البترول العالمي في مطلع الألفية الحالية.
عرض المضيق نحو 30 كم، تقسمه جزيرة "بريم" إلى قسمين: مضيق إسكندر في الشرق، عرضه قرابة 3 كم، أما الجزء الغربي فيسمى "دقة المايون"، وعرضه نحو 25 كم. وعند سواحل جيبوتي يوجد مجموعة من الجزر الصغيرة تعرف باسم "الأشقاء السبعة". تدخل إلى هذا المضيق تيارات مائية سطحية ويخرج منه تيار قوي عميق.

 



ومن المرجح أن هذا المضيق شهد الهجرات الأولى للإنسان الحديث من أفريقيا باتجاه القارات الأخرى منذ حوالى 60 ألف سنة مضت، حيث كانت مياه المضيق ضحلة سمحت بمثل ذلك الانتقال.

 بدأ في عام 2009 العمل في مشروع بناء أكبر جسر معلق في العالم، وهو جسر "القرن الأفريقي" الذي سيصل اليمن بجيبوتي عبر جزيرة "بريم". طوله 29 كم. وسيفتتح عام 2020. كلفته التقديرية 20 مليار دولار. ومن المتوقع أن تعبر هذا الجسر عند استعماله 100 ألف سيارة يومياً، وحوالى 50 ألف مسافر بالقطارات.

يتضمن المشروع أيضاً بناء مدينتين توأمين "مدينة النور"، عند طرفي الجسر. الأولى في اليمن ستتسع لأربعة ملايين شخص، والثانية في جيبوتي تتسع لمليونين ونصف مليون شخص.