بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 31 يناير 2017

المزاب... العزّاب أو المُصاب

وهي منطقة في شمالي الصحراء الجزائرية في ولاية غرداية، تبعد قرابة 600 كيلو متر عن العاصمة الجزائر. وهي هضبة يعبرها واد يحمل الاسم نفسه، يترواح ارتفاعها عن سطح البحر بين 300 و 800 متراً. أمطارها قليلة، وصيفها حار جداً. وبحسب ابن خلدون فإن اسمها يأتي من العزّاب، لكثرة غير المتزوجين فيها ربما، في حين أن آخرين قالوا بأن اسمها مشتق من كلمة "المُصاب"، ربما لما لاقاه أهلها في حياتهم.

وأهلها إنما جاءوا في القرن العاشر إليها بعد سقوط دولتهم الرستمية التي كانت تشغل سواحل المغرب العربي حتى الشاطئ الغربي من لبيا اليوم، وكان هذا السقوط على يد الفاطميين. فما كان من قادة الدولة الرستمية إلا أن قادوا أتباعهم إلى منطقة المزاب بعيداً عن الأعين وعن الصدام. وهم كانوا من أتباع أحد مذاهب الخوارج وهو المذهب الإباضي، ولا يزالون. والإباضيون اليوم موجودون اليوم في سلطنة عُمان أساساً وبعض المناطق الأخرى ومنها المزاب. اشتهرت هذه المنطقة في القرن الثامن عشر باعتبارها تقاطع تجاري للقوافل بين مناطق الصحراء الإفريقية، حيث كان يٌباع الصوف والتمور والملح والفحم والسلاح والعبيد أيضاً.
مدينة غرداية ومئذنتها الكبيرة

تشتهر هذه المنطقة بمدينها الفريدة والجميلة في قلب الصحراء وبيوتها المقاومة للحر حيث يحلو المقام فيها في الصيف كما في الشتاء. كل مدينة تمثل واحة معزولة. من أشهر المدن مدينة غرداية وهي عاصمة منطقة المزاب. اعتبرت اليونسكو هذه المدينة من مدن التراث الإنساني لهندستها وتاريخها، بجامعها الكبير ومئذنته المخروطية الكبيرة التي تشرف على المنطقة بأكملها، والتي تظهر التأثير الإفريقي في العمارة. مدينة أخرى هي مدينة "العطف"، هي أقدم مدن المزاب إذا بنيت عام 1012، وكانت العاصمة لوهلة ولكن نجمها أفل اليوم.
مدينة العطف... أولى مدن المزاب


يقطن المنطقة اليوم جماعات من شعوب وديانات مختلفة. فمنهم المزابيون، ومنهم الأفارقة السود، ومنهم العرب، ومنهم اليهود الذين تركوا الأندلس بعد سيطرة الإسبان عليها ومطاردتهم لليهود. عاشوا عموماً بسلام، لكن أحداثاً طرأت بين المزابيين والعرب عقب خلاف على عقارات وأرض فاقتتلوا فيما بينهم بين عامي 1984 و 1991 راح ضحيتها عشرات من الطرفين...ولا يزال الناس يقتتلون على حجارة... حجارة.

الاثنين، 30 يناير 2017

تعليم المعلوماتية... للأطفال وللجميع

مع التطور الهائل الحاصل في تقانة المعلومات والاتصالات، درجت كثير من الدول على تعليم مواطنيها كيفية استخدام منتجات هذه التقانة وخاصة استخدام الحاسوب. أعد لذلك برامج خاصة، بعضها اتصف بالوطنية باعتبارها أمراً يهم كل المواطنين. كما أعد لذلك شهادات وطنية وعالمية، منها شهادة الرخصة الدولية لقيادة الحاسوب، على شاكلة رخصة قيادة السيارة، التي يتعلم عبرها المرء أسس استخدام الحاسوب وأشهر تطبيقاته. لكن هذا الأمر اليوم أصبح من منسيات الماضي، فالأطفال يتعلمون استخدام الحاسوب عبر هواتفهم الذكية أو حواسيبهم اللوحية، وتآلفهم مع ذلك لم يعد يحتاج إلى مدرسة لتعلمهم إياه، مثلما أن المدرسة لم تعلم الأطفال يوماً كيف يلعبون!

ولكن المدرسة والعائلة علما الأطفال كيف يتصرفون على نحو لائق، وكيف يمكن أن يكون اللعب مفيداً، وعلمتاهم أيضاً ضرورة وكيفية ألا يؤذون بعضهم البعض. وربما على المدرسة اليوم أن تقوم بمثل هذا الدور إزاء منتجات تقانة المعلومات والاتصالات التي احتلت مساحة كبيرة في حياة الجميع وخاصة الصغار.

تقول التوقعات بأن 90% من سكان العالم سيكونون موصولين إلى الإنترنت في غضون عقد من الزمن. كما تشير الدراسات إلى أن الأطفال يمضون وسطياً سبع ساعات مع منتجات تقانة المعلومات والاتصالات، من تلفزيون وحاسوب وهواتف جوالة أو ذكية وأدوات رقمية أخرى. وهذا أكثر مما يمضونه في المدرسة أو مع أهلهم. ولهذا من ثم الأثر الأكبر على صحتهم بالمعنى الواسع للكلمة. فماذا يشاهدون ومع من يتصلون ويتواصلون، وأية أنشطة يمارسون عبر الأدوات الرقمية، كل هذا سيؤثر على نموهم الإجمالي.

صحيح أن العالم الرقمي مليء بما يمكن التعلم منه والترفه به، ولكنه أيضاً يتضمن مخاطر، مثل الإدمان على هذه الأدوات أولاً، والنفاذ إلى محتوى مؤذ مثل ذلك الذي يتضمن العنف أو غير اللائق والشاذ، أو الذي يقود إلى التطرف، أو التحايل، وأقله سرقة المعلومات. ونظراً للفجوة الرقمية بين جيل الأولاد والآباء أو المدرسة، فإن هؤلاء لا يستطيعون في الأغلب مد يد العون للأبناء لتجنيبهم المخاطر.

وعلى هذا فمن الضروري تحضير الطلاب للتعامل مع العصر الرقمي عبر ما أخذ يُعرف باسم "الذكاء الرقمي" المتمثل في مجموعة من القدرات المعرفية والاجتماعية والانفعالية لتمكين الأفراد من مواجهة تحديات الحياة الرقمية والتكيف معها. يمكن صياغتها ضمن ثمانية محاور مترابطة:
·         الهوية الرقمية: بمعنى القدرة على تكوين وإدارة هويةٍ وسمعةٍ على الإنترنت، أي إدارة الحضور على الإنترنت على المدى القصير والبعيد.
·         الاستخدام الرقمي: القدرة على استخدام الأدوات والوسائط الرقمية، بما في ذلك القدرة على التحكم بتعامل متوازن بين استخدام مع اتصال بالإنترنت أو استخدام بدون اتصال.
·         الحذر الرقمي: بمعنى القدرة على إدارة المخاطر أثناء الاتصال عبر الإنترنت (تجنب محتوى التلاعب والاحتيال) وكذلك المحتوى الإشكالي (العنف والدعارة)، وكيفية تجنب هذه المخاطر والحد منها.
·         الأمان الرقمي: القدرة على كشف المخاطر الرقمية (الهاكر، والفيروسات والسبام) وتعلم أفضل الممارسات واستخدام الأدوات الأمينة وحماية البيانات.
·         الذكاء الانفعالي الرقمي: أي القدرة على التعاطف مع الآخرين، وبناء علاقات سليمة مع الآخرين عبر الإنترنت.
·         التواصل الرقمي: القدرة على التواصل والتعاون مع الآخرين باستخدام التقانات والوسائط الرقمية.
·         الإلمام الرقمي: بمعنى القدرة على البحث عن المحتوى وتقيمه والتحقق من صحته واستخدامه ومشاركته، وكذلك توليد محتوى، وتنمية كفاءة التفكير النقدي الرقمي.
·         الحق الرقمي: أي معرفة وفهم الحق القانوني الشخصي من خصوصية وحق ملكية فكرية وحرية التعبير والحماية من خطاب الكراهية.


وفوق كل ذلك يجب ترسيخ قيم إنسانية في الاحترام والتعاطف وعدم التسرع وغير ذلك من القيم بما يجعل استخدام هذه التقانة استخداماً عاقلاً مسؤولاً. أي يجب أن نعلم ونتعلم كيفية السيطرة على هذه التقانة دون أن تكون هي المسيطرة علينا.


الكرما والتقمص في الهندوسية

تشترك الديانات الهندية في الكثير من المفاهيم، ومن بين هذه المفاهيم مفهوم الكرما karma التي تلفظ أحياناً "كرمان" أو كاما في اللغة الباليّة. وهذه الكلمة تعني "الفعل بمختلف أشكاله". وهي كناية عن تصور يصف عموماً حلقة الأسباب والنتائج المرتبطة بأفعال البشر، لتمثّل مجموعة ما فعله إنسان ما أو يفعله راهناً أو سيفعله مستقبلاً.

ترتبط الكرما بالتقمص بموجب قانون كوني اسمه "ريتا" الذي بمعنى "النظام الكوني" المرتبط على نحو وثيق بـ"الحقيقة"، وهو نظام يعاقب "الأفاقين". وهذا النظام يرتبط بمجموعة من النواظم والقوانين يطلق عليها اسم "دهارما"، تتعلق بكل ما هو اجتماعي وسياسي وعائلي وشخصي وطبيعي وكوني، أو ما يسمى عموماً بـ "الدين". يربط التقمص الولادة السعيدة (التي تحدث في طائفة من الطوائف الراقية) بالأفعال الحسنة. والتقمص يحدث بدون تدخل رباني، وهو نتيجة نضج طبيعي للأفعال وعواقبها.
دولاب الحياة أو دولاب الكرما الهندوسي

يؤمن الهندوسيون بالتقمص، وهم يعتقدون باستمرار الوجود بعد الموت، ويقولون بأن أفعالنا في هذه الحياة ستحدد حياتنا القادمة. وأفعال الحيوات الماضية تؤلف الكرما، وهم يعتقدون بأنه يجب اعتبار الحياة الراهنة امتداداً لأفعال الحيوات السابقة. تماماً مثل الحقل الذي يبذر، فجودة البذار ستحدد جودة المحصول. وبالنسبة للهندوسيين فإن الموت مثل تغيير الثياب، ذلك أن الروح تغير الجسد بطريقة مماثلة بعد الموت. والغاية المثلى للهندوسي هي اتحاد الروح الفردية مع الروح الكونية.


تعكس الكرما أفعالنا السابقة التي تظهر في حياتنا الحالية. لذا يجب على كل امرئ تحسين كرماه، بالقيام بأفعال حسنة ضمن حدود الدهارما (الدين). والهدف من كل ذلك هو الخروج نهائياً من حلقة الميتات والولادات وبلوغ التحرر النهائي. عدد الميتات والولادات يصل إلى 52 مليون مرة قبل أن نولد كبشر أحرار نبلغ الخلاص. وللتقمص أن يكون في نباتات وحيوانات مختلفة بملايين المرات. وعند بلوغ الولادة على شكل بشر فلا يجب إهدارها بالقيام بكرما سيئة لأن هذا سيجعل التقمص عكسياً، يسبب الموت مبكراً أو بالمرض. لذا فعلى كل شخص القيام بواجبه لجني ثماره. وهذا التحرر من الميتات والولادات يسمى بالهندوسية النيرفانا، أي حالة الخلاص من المعاناة وبلوغ السعادة بانفصال الذهن والجسد عن العالم الخارجي، أي بلوغ الحرية.

والوصول إلى هذه الحقيقة الأبدية صعب للغاية ذلك أن العالم الزمني وعالم السراب الظاهري يحجبان عنا المعرفة الحقيقية. وعالم السراب هذا هو عالم الثراء والرخاء والأنانية والغيرة وعالم العلاقات المغرية. على المرء أن يعلو فوق عالم الرغبات، مثل زهرة اللوتس التي تعلو فوق سطح الماء الراكد.


إذن، لا مجال للإجهاد والضيق في حياة الهندوسي، فما لم يستطع إنجازه في هذه الحياة سيكون له ذلك في حياته القادمة. ولكن مستوى حياته البشرية القادمة مرهون بأفعاله.


السبت، 28 يناير 2017

الأبنية الخضراء

هي ليست بالطبع أبنية مطليّة باللون الأخضر، وإنما تسمى بالخضراء كناية عن مراعاتها للبيئة، بمعنى التقليل من الأضرار التي تلحقها الأبنية الحالية بالبيئة. فأبنية المدن لوحدها مسؤولة عن 30% من غازات الاحتباس الحراري، وهي نسبة كبيرة. لذا فإن الحد منها سيساهم على نحو كبير في خفض هذا الاحتباس عموماً. وهذه المسألة سيتفاقم أثرها مع المستقبل إذا علمنا أن نسبة ساكني المدن حالياً تساوي 55% من سكان الأرض وأن هذه النسبة ستزداد إلى 70% بحلول عام 2050. والبناء الأخضر أثبت فاعليته بحسب مجلة ناشونال جيوغرافك التي قالت بأن الأبنية الخضراء تخفّض من نسبة ثاني أوكسيد الكربون بمعدل 34% مقارنة بالأبنية التقليدية. ولهذا أثره ليس على البيئة وحدها وإنما أيضاً على صحة الناس وبالدرجة الأولى قاطني هذه المدن. وبحساب بسيط يمكن الوصول إلى حقيقة أننا نمضي في الأماكن المغلقة من بيوت ومكاتب نسبة 90% من الوقت، والباقي كما يقال في الهواء الطلق!
بناء الأكروس الأخضر للتبادل الثقافي في فوكيوا اليابانية


صورة جانبية لبناء الأكروس بطوابقه الخمسة عشر
وهذه الأبنية مصممة بحيث تستخدم طاقة أقل وماء أقل أيضاً وتضيف تحسينات بيئية داخلية مثل جودة الهواء. فعلى أسطحتها تنصب لواقط شمسية، وتزرع نباتات، تخفف كلها من أثر العواصف المطرية وكذلك حرارة الصيف المرتدة. وجدرانها عازلة للحرارة، مع تهوية محكمة. كما أن إنارتها تعتمد بأكثر ما يمكن على الضوء الطبيعي، إضافة إلى أنظمة ملاحقة ذكية بحيث تطفأ الأنوار في حال عدم الضرورة لذلك، إما بسبب الإضاءة الطبيعية أو لخلو المكان من شخص بحاجة إلى الضوء. أما بالنسبة للمياه فتستعمل تمديدات صحية فعالة لا تسمح بالتسريب، إضافة إلى إعادة استخدام المياه عبر التكرير، وخفض الاستهلاك باستخدام مآخذ مياه تقدم الماء بحسب الطلب (لا يبقى صنبور المغسلة جارياً مثلاً أثناء غسل اليدين طول الوقت وإنما بمجرد وضع اليدين أسفل الصنبور). وإلى غير هذا فإن لتوجيه الأبنية دور هام سواء في المناطق الباردة أو الحارة، مما يخفف الطاقة المصروفة للتكييف أو للتدفئة. وفي هذا الخصوص هناك أنظمة تكييف وتدفئة يمكن وصفها بالطبيعية، باستخدام دارات أرضية تستفيد من الحرارة/البرودة المختزنة في الأرض. هذا إضافة إلى إمكانية استخدام مواد عضوية في البناء لا تؤثر على البيئة بالقدر نفسه للبيوت الحالية عند هدمها.

يتحدث المقال المذكور سابقاً عن انخفاض في معدل صيانة هذه الأبنية بنسبة 20%، وتوفير في الطاقة بنسبة 25% وفي المياه بمعدل 11%. وأن ما أنفق حتى عام 2014 في الولايات المتحدة على بناء مثل هذه الأبنية هو من مرتبة 120 مليار دولار، وأن التوقعات تشير إلى الإنفاق سيكون من مرتبة 220 مليار دولار عام 2018.


بيوت الكثير من المجتمعات التقليدية، وخاصة في الشرق، كانت نتيجة خبرة آلاف السنين، وكانت متوافقة مع البيئة إلى حد كبير، ولكن تم التخلي عنها لصالح التقانات الجديدة... ربما حان الوقت لإعادة التفكير في تصميم بيوت وأبنية هذه المجتمعات بما يتوافق مع البيئة مستلهمين بذلك إرثاً غنياً!

الجمعة، 27 يناير 2017

جوازات السفر...حظوة الدول لدى الدول

لجواز السفر محتوى موحد بين الدول. يتضمن معلومات عن حامله للتعريف به، من عمر وجنس ومولد وجنسية ومهنة. والحديثة منها تحمل معلومات بيولوجية عن حاملها خاصة بالعينين مثلاً وبصمات الأصابع، تحفظ على رقاقة إلكترونية، بما يصعّب جداً عملية التزوير. وهذا الجواز الجديد يسمح بالمراقبة والعبور المؤتمتين بدون الحاجة لشرطي مراقبة. توضع على الجوازات تأشيرة دخول إلى الدولة المراد زيارتها، ومن هنا يحمل "جواز السفر" اسمه.

الحصول على تأشيرة الدخول إلى دولة يستدعي عادة التقدم بطلب إلى سفارة البلد المرجو زيارته، وهذا يعني انتظاراً من جهة، وكلفاً من جهة أخرى، والأهم هو عدم التمكن من التخطيط عملياً للرحلة قبل الحصول على تأشيرة الدخول.

إلا أن دولاً كثيرة أجرت اتفاقيات مع دول أخرى بحيث يكون لمواطنيها الدخول إلى هذه الدول بدون تأشيرة دخول، أو الحصول على تأشيرة دخول في مطار البلد المزار عند الوصول إليه. وفي هذا تسهيل كبير، سواء كان بقصد السياحة أو الأعمال أو العمل. وعدد الدول التي يمكن زيارتها بتسهيلات كبيرة يمثل قوة جواز السفر، منسوباً ذلك إلى عدد دول العالم التي لا تزيد عن مائتي دولة.

وهذا في الغالب لمصلحة الأطراف كلها، وإن كان ذلك ليس دائماً للأسباب نفسها. فبعض الدول تتيح زيارة بلدانها بأقل تعقيد ممكن لمواطني دول أخرى تسهيلاً للسياحة مثلاً. فمصر مثلاً تسمح لمعظم دول الغرب، إن لم يكن لجميعها، بزيارتها بدون تأشيرة دخول لأسباب سياحية-اقتصادية، ولا تتيح ذلك لكل الدول بالتأكيد. كما أن الدول لا تتصرف في هذا الخصوص فيما بينها على أساس المعاملة بالمثل. فيمكن للفرنسي مثلاً أن يزور المغرب بدون تأشيرة دخول ولكن لا يمكن للمغربي أن يزور فرنسا بدون تأشيرة دخول. لأن هذا الأخير لن يأتي إلى فرنسا في الأغلب الأعم للسياحة وإنما للبحث عن عمل والبقاء. ولأي أمريكي مثلاً أن يذهب إلى أفغانستان إذا أراد، ولكن ليس إلا لقلة قليلة من الأفغان إمكانية الحصول على تأشيرة دخول الذي قد يستغرق أشهراً. كما أن الكندي المجاور شمالاً للولايات المتحدة لا يحتاج إلى تأشيرة دخول، في حين أن المكسيكي المجاور الجنوبي ليس له المعاملة نفسها.


يبين المخطط السابق قوة جواز سفر مختلف دول العالم، الذي يظهر أن لدول الشمال وبريطانيا قوة جواز تساوي 173، أي 173 دولة بتسهيلات سفر مباشر. تليها الولايات المتحدة وألمانيا (172). أما أفغانستان فهي الأضعف (28)، وحال باكستان (31) والصومال (32) لا يختلف كثيراً... اللهم اجعل دولنا دولاً أقرب إلى أهل الشمال منها إلى دول الجنوب!

الأربعاء، 25 يناير 2017

لغات بدائية... البيراها



تتطور اللغات بتطور أنشطة متحدثيها وتطور علاقاتهم مع اللغات الأخرى بما يسمح بتشذيبها وبتحسينها سواء على مستوى المفردات أو التعابير والقواعد ربما. كما أن معاني المفردات يمكن أن تتطور مع الزمن. ولكن في لغات أخرى بقيت أنشطة متحديثها مقصورة على البحث عن الغذاء من صيد وقطف ثمار، وبقائهم معزولين، مما أبقى هذه اللغات في طور واحد هو الطور البدائي.

من بين هذه اللغات لغة البيراها. والبيراها هو شعب يعيش في غابات الأمازون في البرازيل عند شاطئ نهر الميسي، ولا يزيد عددهم عن 150 شخصاً في عام 2004. لهم لغة من بين لغات مماثلة انقرضت، إلا هذه اللغة الوحيدة الباقية. وهي لا تخشى الانقراض الفوري لأن متكلميها لا يتكلمون لغة غيرها. عكف على دراستها وتدوين قواعدها عالم اللغة والأنثروبولوجيا الأمريكي دانيل إيفرت.

لا يوجد أي نوع من الأدب المكتوب أو الشفهي في هذه اللغة وليس للبيراهيين أساطير خاصة بالخلق أو بالحياة، والنصوص الشفهية المتوفرة هي وصف لتجارب معاشة حديثة تمتد لجيل أو اثنين، ولا يبدو أن لهم ذاكرة جمعية تتعدى فترة الجيلين.
عدد الأصوات في هذه اللغة نحو عشرة أصوات يمكن مقابلتها بعشرة أحرف من الحروف اللاتينية، ولبعض هذه الأصوات أن تُلفظ بثلاث نغمات. ولا يوجد في هذه اللغة أرقاماً إلا ما يُظن بأنه الرقم واحد والرقم اثنين. أو صفات مثل قليل وكثير للدلالة على الكمية. كذلك الأمر بالنسبة للألوان، فلا كلمات تدل على الألوان، وهناك فقط شيء غامق قاتم وآخر شفاف فاتح. أما الضمائر فتقتصر على: أنا، أنت، هو، هي. ومن هذه يمكن تشكيل "نحن" بالقول: أنا هو! وتتضمن هذه اللغة كلمة واحدة للأب والأم، وكلمة للإشارة إلى الأخ وأخرى إلى الأخت. ولا توجد كلمات أخرى لتوصيف قرابات أخرى. ولا يوجد الماضي كزمن في هذه اللغة، ولا يوجد تمييز في الكلمات بين المفرد والجمع.

وأياً ما كان، فلا يبدو أن عدم وجود أرقام في هذه اللغة يمنع متحدثيها من تقدير الكميات وتبادلها على نحو صحيح، كما أنهم لا يعانون من نقص في التعبير عما يجول بخاطرهم بالرغم من نقص مفرداتهم! ولا يبدو أن البراهيين كانوا من بين الشعوب التي تفرقت قبل الانتهاء من بناء برج بابل قبل اكتماله... ولكن كيف يصف هؤلاء شيئاً مثل "قوس قزح" ولا كلمات تدل على الألوان؟ ولكن هل نحتاج إلى تسمية الألوان للتعبير عن قوس قزح!!



الثلاثاء، 24 يناير 2017

توماس مور... السياسة والقداسة



توماس مور هو سياسي ومشرّع ومؤرخ ومستشار للمملكة الإنكليزية في القرن السادس عشر. ولد عام 1478 وتوفي عام 1535. شارك على نحو كبير في تطوير أفكار زمانه، خاصة السياسية منها. سُمي في مناصب عديدة منها سفير فوق العادة وقيّم على الخزينة ومستشار خاص للملك هنري الثامن، وتسلّم أعلى المناصب وهو منصب "مستشار المملكة"، الذي هو بمثابة رئيس وزراء بريطانيا في أيامنا هذه، ولكن مع الأخذ بالاعتبار أن نفوذ الملك كان أكبر بكثير مما هو عليه اليوم.
لوحة لتوماس مور عام 1527

استقال من منصبه هذا عام 1532، بعد إصرار الملك هنري الثامن على إلغاء زواجه الأول (من كاترين داراغون) ليتمكن من الزواج بامرأة أخرى، إذا كان هذا الملك يريد وريثاً للعرش. رفض البابا طلبه هذا، ولم يؤيد توماس مور طلب الملك، كما أنه أدان تدخل الملك في قضايا الكنيسة، الذي نتج عنه إقامة الكنيسة الأنغليكانية الإنكليزية التي لا تعترف بسلطة بابا روما منذ ذلك الوقت. فتوماس مور هو رجل قانون وتشريع، ودين إلى حد ما، منعته معاييره من الموافقة على ما بدر من الملك، وحين اضطر للتوقيع على رسالة موجهة للبابا حررها أرستقراطيو إنكلترا للمطالبة بإلغاء الزواج الأول، فوقّع عليها مع جملة "بقدر ما يأذن به المسيح".

أدخله هذا الموقف في صدام مع الملك، فأحيل للمحاكمة بتهم متعددة لم يثبت صحة أي منها، وسجن في برج لندن. عقدت محكمة رأسها المستشار الجديد وكل من أب وأخ زوجة الملك الجديدة، وحكم عليه بالخيانة العظمى لرفضه صلاحية مرسوم الوراثة الخاص بالزوجة باعتبارها ملكة. ورفض مور في المحكمة الإجابة على الأسئلة الخاصة برئاسة الملك للكنيسة. وقبل أن تنطق المحكمة بحكمها قال: "لا يمكن لأي حاكم زمني أن يكون الرئيس الروحي". مما اعتبر إمعاناً في الجرم. وحكمت عليه المحكمة بالموت شنقاً، وأن تخرج أمعاؤه وتفسخ ساقاه (hanged, drawn and quartered). ولكن الملك خفف الحكم إلى الموت بقطع الرأس، وهذا ما جعل مور يقول "ليحمي الله أصدقائي من مثل هذا العطاء".

بقي أن نقول إن لتوماس مور مؤلفاً يصف فيه الدولة أو الجزيرة المثالية... كما أن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية اتجهت لاعتباره قديساً منذ منتصف القرن التاسع عشر وتم تكريسه قديساً بالفعل عام 1935... القديس توماس مور.