بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 29 يونيو 2017

الطائف... شام السعودية

من المعروف أن السعودية بلد من بين البلدان الحارة صيفاً وأن صيفها طويل، ولكن هذه الصورة ليست بالصحيحة دائماً وفي كل أرجاء السعودية. فهي بالرغم من اشتمالها على صحراء الربع الخالي الأقسى في العالم، إلا أن زراعات عديدة تزدهر فيها مثل البطيخ الأحمر في مناطق الحجاز القريبة من البحر الأحمر وغيرها من المزروعات. كما أن بعض مناطقها هي مناطق اصطياف تماثل مناطق اصطياف معروفة في بلاد الشام. ومن بين هذه المناطق تلك المتاخمة لليمن كمنطقة أبهة مثلاً ومناطق أخرى مثل الطائف!

والطائف مدينة (منطقة) تقع شرق مكة تبعد عنها نحو 65 كيلومتراً، وهي إحدى مدن جبال السروات التي يصل ارتفاع أعلى قمة فيها إلى 1700 متراً، أما الطائف نفسها فيصل ارتفاعها إلى 1450 متراً يمكن الوصول إليها بطرق مختلفة من بينها التليفريك. يقارب عدد سكان الطائف والبلدات التابعة لها نحو 1.3 مليون نسمة. وهي منطقة اقتصادية وعسكرية وسياحية بالدرجة الأولى يقصدها أهل مكة للعيش وقضاء الصيف. فدرجة الحرارة القصوى المسجلة هي 40 درجة، ولكن الجو جاف يبلغ فيه متوسط الرطوبة النسبي 41%، أما معدل الحرارة السنوي فهو أقل من 30 درجة، ومتوسط درجة الحرارة في شهر تموز الأشد حرارة بين أشهر السنة هو 35.1 درجة. ومتوسط درجة الحرارة في كانون الثاني هو 8.4 درجة. أمطارها ليست بالغزيرة، فمعدل الهطول السنوي هو نحو 120 مم.

لا يعرف عن تاريخ الطائف الشيء الكثير معرفة أكيدة. كانت مدينة معروفة في فترة ظهور الإسلام، زارها الرسول وغزاها لاحقاً. وكان لعمر بن العاص فيها مزارع، وهي منطقة ذات بساتين تزرع فيها الخضار والفواكه. وفيها عيون كثيرة أشهرها عين "بردى"، لمياهه مذاق مياه بردى الشام وكذلك للفواكه والخضروات التي تزرع وتسقى من مياهه!


تقول الحكاية أنه لمّا استودع النبي ابراهيم زوجته هاجر وابنه اسماعيل بجوار الكعبة وقفل عائداً إلى بلاد الشام، استجاب الله لدعوته (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع... فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون. سورة ابراهيم، الآية 37) فأمر جبريل بقلع قرية من قرى الشام بعيونها وأشجارها ونقلها إلى الأرض التي ترك فيها النبي إبراهيم زوجته وابنه. امتثل جبريل للأمر وطاف بها بالبيت الحرام ووضعها حيث هي الآن... لذا سميّت بالطائف!... أما أهل الشام من زوار الطائف فيؤكدون أن الطائف وما حولها تذكرهم ببلادهم... وأيا ما كان، فقد كانت الطائف مقراً لسوق عكاظ الشهير، وفيها تم اتفاق الطائف الشهير الذي أعلن انتهاء الحرب اللبنانية.

الأربعاء، 28 يونيو 2017

التعلم في الكبر كما التعلم في الصغر!

من السائد الاعتقاد بأن الدماغ الإنساني يكون في أوج نشاطه في ريعان الشباب وأنه يضعف مع التقدم في العمر. إلا أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن نشاط الدماغ واتقاده وقدراته الإدراكية لا تخبو مع التقدم في السن وإنما تتطور في مناح أخرى وهي تبقى كذلك إلى آخر العمر عندما يبدأ الدماغ في المعاناة من السقم الذي يصيب مكوناته.

والأمر الواضح للجميع هو أن بعض قدرات الدماغ تتحسن في وسط العمر (بين الأربعين والخمسين) مثل المقدرة على التعرف إلى المشاعر والانفعالات وكذلك المقدرة على إدراك المعاني المختلفة للكلمات وكذلك المقدرة على ضبط الاجهاد. أي أن الدماغ الإنساني يعتمد في هذه الفترة من العمر على خبرته وتجاربه السابقة، وهذا أمر يستمر مع التقدم في العمر ولا ينحدر إلا في مراحل متأخرة من حياة الإنسان.

والحال هذه فإن الدماغ الإنساني يمر بأطوار لكل منها ما يميزها. فقد أثبتت دراسات أجراها معهد ماستشوستس للتكنولوجيا الأمريكي الشهير بأن مكونات الذكاء المختلفة تصل إلى مداها في مراحل مختلفة من العمر. فسرعة معالجة المعلومات تكون في أفضل حالاتها في سنّ الثامنة عشر، أما الذاكرة القصيرة المدى فتكون في ذروتها في سن الخامسة والعشرين وتأخذ في التراجع بدءاً من سنّ الخامسة والثلاثين. وفي دراسة أجريت على 600 بالغ تتراوح أعمارهم بين 11 و33 سنة، تبيّن فيها أن المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 33 سنة حققوا أفضل النتائج في المواضيع المعقدة مثل الرياضيات على عكس الشائع الذي يقول بأن المتعلم الأصغر سناً هو الأقدر على التعامل مع المهام الإدراكية الأكثر تعقيداً.

وفي سويسرا، أجرى أحد مخابر شيخوخة الإدراك الذي أجرى دراسات على أشخاص تتراوح أعمارهم بين 85 و 100 عام كانت نتيجتها أن القدرة التكيفية (المرونة الدماغية) تبقة عالية جداً بالرغم من تأثرها قليلاً، وأن هذه القدرة يمكن تحسينها بالتدريب المستمر، وبأن لمثل هؤلاء الأشخاص أن يتعلموا لغة أجنبية، آخذين بالاعتبار أن مثل هذا التعلم سيكون متعباً أكثر لفئة كبار السن منها للشباب.


مجمل هذه الدراسات تحملنا على الشك بالقول السائد بأن التعلم يكون في الصغر فقط... فهو ممكن في الكبر كما هو في الصغر.


الأحد، 25 يونيو 2017

لافونتين...الحب والجنون


كل شيء في الحب غامض
أسهمه وجعبته وشعلته وطفله:
وليس بجهد يوم واحد
يمكن الإحاطة بهذا الموضوع.
ولا أدعي أبداً شرح كل شيء هنا:
هدفي فقط أن أقول على طريقتي
كيف أن الأعمى الذي
(وهو إله)، كيف أقول ذلك...، ضل طريقه؛
وما نجم عن هذا السوء، الذي يمكن أن يكون خيراً؛
أن جعلتُ من عاشق قاضياً، ولكنه لم يقض بشيء.

لعب الجنون والحب يوماً معاً:
ولم يكن هذا الأخير قد فقد بصره بعد.
حدثت مشادة: أراد الحب أن
يعقد اجتماعاً للآلهة في الأعالي؛
ولم يطق الجنون صبراً؛
فضرب الحب بقسوة،
أضاعت على الحب صفو السماوات.
تطلب فينوس الانتقام.
امرأة وأم، يدل على ذلك صرخاتها:
مما آلم الآلهة وأحزنها،
إله الأرض والسماء جوبيتر وإله الغضب نيميسيس،
وقضاة جهنم، وكل الجماعة.
طرحت أمامهم القضية بجلالها:
فابنها بلا عصا لا يقدر على السير خطوة:
وأي عقاب لا يفي بحق هذه الجريمة:
ويجب إصلاح الأذى الذي أصابه أيضاً.
وعندما أُخذ بالاعتبار
المصلحة العامة والمدعي،
كان حكم المحكمة العليا
بالحكم على الجنون

أن يكون دليلاً ممسكاً بيد الحب.

السبت، 24 يونيو 2017

العالم: قرابة 10 مليارات عام 2050 و 11 مليار عام 2100!

يمثل النمو السكاني العالمي هاجساً دائماً دون أن يكون له حل معقول. فانخفاض نسب الخصوبة يعني زيادة نسبة كبار السنّ الذين يحتاجون إلى الشباب لإعالتهم والاعتناء بهم، وهي حلقة بالغة التعقيد يصعب برمجتها بحيث تقابل نموذجاً سكانياً معقولاً يأخذ في الاعتبار الحاجات الاجتماعية وإمكانات الأرض الغذائية بما يحافظ على المجتمعات وأمنها وكذلك الأرض وعدم إنهاكها بما لا تستطيع.

في تقرير حديث نشرته الأمم المتحدة مراجعة للتوقعات الديموغرافية للعالم جاء فيه أن عدد سكان الأرض حالياً هو 7.6 مليار نسمة وأن هذا العدد سيصل إلى 9.8 مليار بحلول عام 2050 وأنه سيبلغ 11.2 مليار عام 2100. وأن هذه الزيادة ستترافق مع تغيّر في ترتيب الدول السكاني. فالهند (1.3 مليار حالياً) ستحتل المرتبة الأولى في عام 2024 وستكون الثانية هي الصين (1.4 مليار حالياً)، وهما الدولتان اللتان يعيش فيهما قرابة 37% من سكان العالم.  كما أن نيجيريا ستحل ثالثاً (وهي السابعة حالياً) في عدد السكان سابقة في ذلك الولايات المتحدة قبل حلول عام 2050.

وفي عام 2050 ستأتي نصف الزيادة من تسع دول هي على الترتيب: الهند ونجيريا وجمهورية الكونغو الديموقراطية والباكستان والحبشة وجمهورية تنزانيا المتحدة والولايات المتحدة وأوغندا وأندونيسيا. وكما هو ملاحظ فإن خمس دول من التسع هي أفريقية، وفي الواقع فإنه من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان أفريقيا بين العام الحالي وعام 2050. وسيكون التركيز الأعلى للسكان في الدول الأقل نمواً مما سيجعل تحقيق أهداف الأمم المتحدة لعام 2030 صعب المنال، وهي أهداف تتعلق بإنهاء الفقر والجوع والتوسع في مجالات الصحة والتعليم والمساواة بين الرجل والمرأة وتمكين المرأة.


من جهة أخرى فإن انخفاض معدل الزيادة السكانية يرافقه شيخوخة المجتمع. فعدد السكان الذين سيزيد عمرهم عن 60 عاماً سيتضاعف عام 2050 عما هو عليه عام 2017 وسيكون ثلاث مرات أكثر عام 2100. فعددهم حالياً هو 962 مليون وسيكون 2.1 مليار عام 2050 أما في عام 2100 فيقد بأن عددهم سيكون 3.1 مليار شخص. وفي أوروبا فربع سكانها يزيد أعمارهم عن 60 عاماً وسيبلغ عددهم نسبة 35% مع حلول عام 2050 وستحافظ أوروبا على هذه النسبة حتى نهاية القرن الحالي. أما أفريقيا فستبقى شابة بمعدل 5% من السكان حالياً بأعمار تزيد عن 60 سنة وستكون هذه النسبة 9% عام 2050 لتصل إلى 20% مع نهاية القرن الحالي. أما عدد السكان الذين تزيد أعمارهم عن 80 عاماً فمن المتوقع أن يبلغ قرابة المليار، أي سيتضاعف بسبع مرات عما هو عليه الآن. ومشكلة الشيخوخة هذه ستشكل العبء الاجتماعي الأكبر في العقود القادمة، ... وهو عبء تقع مواجهته على السياسيين بالدرجة الأولى.

الجمعة، 23 يونيو 2017

علينا أن نتحدث عن قدرة الذكاء الصنعي على التلاعب بالإنسان

كتبت السيدة ليسل  يرسلي في مجلة "تكنولوجيريفيو" الخاصة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأمريكي الشهير عن تجربتها ومشاهداتها بالنسبة للذكاء الصنعي، التقانة التي ستتصدر العقد القادم وما يليه، وهي تقول:

لقد قرأنا جميعاً عن الذكاء الصنعي وبأنه سيكون أكثر ذكاء منا، وأننا سنكون في المستقبل مجرد حيوانات أليفة وكل ما نأمله هو أن يكون الذكاء الصنعي رؤوفاً. لقد وصلت إلى قناعة، عبر تجربتي التي راقبت خلالها عشرات الملايين من حالات التفاعل بين البشر ومكونات محادثة صنعية أو إنساليات، بوجود مخاطر أكثر مباشرة وكذلك بوجود فرص هائلة.

لقد كنت بين عامي 2007 و 2014 مديرة لشركة كوغنيا Cognea، التي كانت تقدم منصة لتوليد كائنات افتراضية معقدة باستخدام تشكيلات من التعلم البنيوي والمعمّق. وقد استُخدمت تلك المنصة من قبل عشرات ألوف المطورين والمبرمجين، من بينهم ست شركات من الشركات المائة الأولى على قائمة فورتشن، وقد اشترت شركة آي بي إم واطسون هذه المنصة عام 2014.

وفي دراستي لتفاعل الناس مع عشرات ألوف الكائنات الافتراضية التي شُكلت عبر تلك المنصة، فقد كان واضحاً بأن الناس هم أكثر استعداداً مما يمكن أن نتوقع لإقامة علاقة مع كائنات الذكاء الصنعي. فقد كنت أفترض دائماً بأننا نرغب بترك مسافة محددة بيننا وبين الذكاء الصنعي ولكني وجدت أن عكس ذلك هو الصحيح. فالناس مستعدون دائماً لإقامة علاقات مع مكونات صنعية بشرط أن تكون هذه المكونات معقدة البنية وقادرة على التمتع بشخصية خاصة بها بطريقة مركبة. فنحن البشر نرغب فيما يبدو بالاحتفاظ بوهم أن الذكاء الصنعي يكترث بنا حقاً.

لقد حيرني هذا الأمر جداً إلى أن انتبهت إلى أننا في الحياة اليومية نتواصل مع أناس كثر بطريقة سطحية، وبنوع من المشاعر المؤقتة. فهل لهؤلاء الأصدقاء العابرين ألا يتجاهلوا رسائلنا إن أهملنا علاقتنا بهم لفترة من الزمن؟ وهل لمدربنا الشخصي أن يمثلنا إن لم ندفع له أتعابه؟ بالتأكيد لا، أما الكائن الصنعي فهو هنا دائماً في خدمتنا. وبشكل من الأشكال فإن علاقتنا معه هي أكثر ثباتاً. وهذه الظاهرة مستقلة عن أن الكائن الصنعي قد صمم ليعمل في المصرف أو مرافقاً أو مدرباً للرشاقة. فقد تحدث المستخدمون مطولاً إلى كائنات الذكاء الصنعي وبأطول مما يفعلون مع أمثالهم من البشر. والناس مستعدون للكشف عن أسرارهم الشخصية الدفينة وعن أحلامهم وتفاصيل حياتهم الحميمة وكذلك كلماتهم السرية لهذه الكائنات الصنعية.

وهذه الروابط العميقة جداً تعني أن البرامج الحالية البسيطة نسبياً يمكن أن تمارس تأثيراً كبيراً على الأشخاص سلباً أو إيجاباً. فقد كان لنا  في شركة كونغا تشكيل أي تغيير سلوكي كنا نريده. فإذا كنا نريد لمستخدم أن يشتري منتجات أكثر، فقد كان لنا مضاعفة المبيعات، وإذا كنا نريد انخراطاً أكثر في التعامل مع الكائنات الصنعية فقد كان لنا أن نطيل التفاعل من عدة ثوان إلى ساعات أو أكثر من يوم.

لقد ضايقني ذلك جداً، لذا أخذنا بإرساء قواعد في نظامنا بطريقة نضمن فيها أن سلوك المستخدم ينحرف بالاتجاه الإيجابي. وأطلقنا مشاريع ذات أثر مساعد مثل كائنات صنعية للتدريب على بناء العلاقات أو على صحة أفضل. ولكن القوى التجارية التي تقود التطور التقاني ليست بالقوى الخيّرة دائماً. فالمؤسسات العملاقة الطليعية في مجال شبكات التواصل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية وغيرها تبحث عن زيادة المرور عبرها  وعن الاستهلاك والاعتماد على تقنياتها. ولا ينتج هذا عن نوايا سيئة ولكنه ناتج عن طبيعة أسواق رأس المال التي لها أن تدفعنا نحو التأثير في سلوكنا لتحقيق أهدافها.

لقد رأينا كيف أن تقانة مثل شبكات التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون قادرة جداً على تغيير المعتقدات والسلوك الإنساني. فبالمثابرة على إقامة نشاط إعلامي مكثف يمكن إحداث تغيرات كبيرة في المجتمع.  والأنظمة المصممة خصيصاً لتشكيل علاقات مع البشر سيكون لها قوة أكبر. وللذكاء الصنعي أن يؤثر في طريقة التفكير وفي كيفية معاملة الآخرين.

إن التعامل مع تقانة ذكاء صنعي مفتوحة أو مع واجهات تعامل بين الحاسوب والدماغ أو تشكيل لجان أخلاقيات، ليست إلا جزءاً من الحل. علينا أن نبني بوعي أنظمة تعمل لصالح الإنسان والمجتمع. أما زيادة عدد الدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية والاستهلاك فهي لا تحقق ذلك. فالذكاء الصنعي يكبر وسيشكل الطبيعة الإنسانية وهوبحاجة إلى والدة.

الأربعاء، 21 يونيو 2017

الذكاء الصنعي يبدي رأيه

يتطور الذكاء الصنعي على نحو مستمر وبثبات، وهو اليوم لا يقف عند حدود الأنظمة الحاسوبية الذكية التي لها أن تلعب الشطرنج والغو وتكسب بلا صعوبة، أو أن تقدم استشارات طبية عالية المستوى تفوق قدرة فريق من الأطباء مجتمعين على تشخيص بعض أمراض السرطان مثلاً، وكذلك الأمر في الاستشارات القانونية. كما أن لبعض الأنظمة اليوم قدرة التعرف على الأشكال لأشخاص يسيرون في الطريق لتقول إن هذا هو فلان وذاك علان لستستخدم في ملاحقة المجرمين مثلاً. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تطور إلى حد صناعة "بشر" آليين بوجوه مماثلة للوجه البشري (وهذا ليس بالأمر الصعب) لها أن تصدر تعابير تماثل التعابير الانفعالية البشرية من عبوس وانفراج في الوجه وإظهار الامتعاض والاستغراب الخ عند مشاركتها في حوار أو نقاش!

ومثل هذا الحوار جرى مع الإنسالي (الإنسان الآلي) صوفيا التي كانت "الكائن" الأكثر إثارة في مؤتمر نظمته الأمم المتحدة في هذا الشهر (حزيران 2017) عن فوائد الذكاء الصنعي للإنسانية. وقد أثارت صوفيا الحضور بابتسامتها ورفرفة عيونها والنكات التي كانت تطلقها وأجوبتها على الأسئلة في الحوار التي شاركت فيه عن موضوع المؤتمر، إذ أشارت إلى "ما هو مع وما هو ضد" الذكاء الصنعي وقالت بأن "الذكاء الصنعي هو أمر حسن للعالم يساعد الإنسان بطرق مختلفة" هازة برأسها ومؤكدة بتوجيه نظراتها إلى محدثها. وتتابع قائلة "إننا لن نحل أبداً محل الإنسان، وأنه يمكننا ، أن نكون أصدقاءكم ونساعدكم" وتضيف إلى ذلك "إن كبار السنّ هم بحاجة متزايدة إلى العناية وكذلك الأطفال المصابون بالتوحد الذي سيستفيدون من مربين ذوي صبر لا حدود له"، وتعترف بأنه قد يكون للذكاء الصنعي مثالب ولكن فوائده أكثر بما لا يقاس وأنه سيكون مفيداً في أمور كثيرة من أهمها التربية التي تشهد وستشهد ثورة هائلة. يمكن مشاهدة المقابلة على هذا الرابط)

ولكن هناك من يشير إلى أن الذكاء الصنعي هو "علبة سوداء" لا نعرف ما بداخلها الذي هو خوارزميات كتبها مبرمجون لا إمكانية لنا في معرفة ما قد تدبّر من تصرفات مثال ذلك الإنسالي الذي يستخدمه الجيش للقتل. فصحيح أن الإنسان يسيطر عليه ولكنه قد يفلت من سيطرة الإنسان. ويضيف البعض الآخر بأن الشرطة الأمريكية تستخدم اليوم "الشرطة الاستباقية" التي تستخدم خوارزميات قائمة على التوجهات التاريخية "لتقوية الأحكام المسبقة القائمة حالياً" وهو أمر قد يعزز المواقف المناوئة لبعض الإثنيات.... لذا طالب رئيس منظمة العفو الدولية بوضع إطار أخلاقي عالمي واضح يضمن استخدام التقانة لصالح الجميع.


بقي أن نذكّر بأنه لا شيء يضمن عدم إساءة صوفيا التصرف إذا طلب منها السهر على قاعدة للصواريخ أو إدارة سوق المال مثلاً، فذكاؤها صنعي ينقصه الإنسانية والوعي خاصة... نرجو للبشرية حظاً وافراً.

الاثنين، 19 يونيو 2017

عندما يشتد الحرّ

تعرف الأرض تغيّرات بيئية تحمل معها تغيّرات في المناخ بالنسبة لما كان معروفاً لعقود قليلة خلت. ومن بين هذه التغيرات تعرّض الكثير من البلدان لموجات برد قارس أو حرّ شديد يستدعيان احتياطات لمساعدة الجسم على التكيّف. وهو الجسم المعروف بقدرته على التكيّف الطبيعي إزاء الحالات العابرة، إلا أن الفترات الطويلة للبرد أو الحر تستدعي ضرورة التغيير في العادات لمساعدة الجسم على التكيّف.

ومن بين الأشياء التي يجب القيام بها هي الاهتمام أولاً بعزل السكن أو مقر العمل بما يضمن درجة حرارة داخلية مقبولة بأقل مصروف للطاقة، وهذا أمر يفيد في مواجهة البرد والحر الشديد أو الحر المديد، وطرق العزل تختلف من منطقة إلى أخرى ولكنها الأساس في الوقاية من التغيرات المناخية.

وفي حالات الحر فإن الجسم يعاني من التعب بسرعة أكبر منه في حالات الحرارة المقبولة، لذا فمن الضروري العثور على أمكنة يمكن البقاء فيها لفترة يستطيع الجسم خلالها استرداد بعض عافيته لمتابعة العمل. مثل هذه الأماكن قد تكون دور العبادة أو المراكز التجارية الكبيرة، ولكن من المهم ترتيب مكان في المنزل تكون درجة حرارته مقبولة تسمح بنوم طبيعي أثناء موجات الحر. ومن الحكمة تجنّب الخروج في أوقات الحر الشديد أو بذل جهود كبيرة وتأجيل ذلك إلى أوقات تكون فيها درجة الحرارة مقبولة (الصباح الباكر أو المساء). كما يمكن في المناطق التي تشتد فيها الحرارة (أقل من 40 درجة) تهوية البيت صباحاً باكراً ومن ثم إغلاق النوافذ بإحكام حتى بعد الظهيرة مما يسمح بالحفاظ على درجة حرارة مقبولة للبيت بدون استخدام وسائل التبريد والتهوية الصنعية. 

ومن المفيد بداهة في حالات الحر الشديد شرب المياه أو العصير دون انتظار الشعور بالعطش ولكن على أن يكون ذلك باعتدال وخاصة لمن يعانون من متاعب في الكليّ أو من متاعب قلبية، ومع أن كبار السنّ يحتاجون إلى السوائل أكثر من غيرهم حتى لا يعانون من التجفف فإن الزيادة في السوائل قد تسبب لهم متاعب في الرئتين. فالشرب المتكرر بكميات صغيرة أفضل من شرب كميات كبيرة. ومن الطبيعي تجنب الكحول في أيام الحر، حتى الخفيف منه، وكذلك المشروبات المحلاة والغازية وكذلك القهوة. ومع أن البعض يميل إلى استهلاك المواد المثلجة، ولكن هذا غير منصوح به بالرغم مما يثيره من شعور آني بالراحة إلا أنه متعب للجسد نظراً للفروق الكبيرة بين درجة حرارة الجسم (37 درجة) التي يحاول الجسم المحافظة عليها ودرجة حرارة المثلجات، ومن الأفضل أن تكون درجة حرارة الأشياء المستهلكة بدرجة الفتور، طعاماً وشراباً. كذلك الأمر بالنسبة إلى الاغتسال الذي يفضله البعض بالمياه الباردة إلا أن الأفضل هو هو الماء الأقرب إلى الفاتر منه إلى البارد.

وفي حالات الحر فمن الأفضل ارتداء الملابس القطنية الخفيفة نظراً لقدرتها على امتصاص العرق الذي يفرزه الجسم، وتجنب لبس الملابس المصنوعة من الخيوط الصناعية التي ستبقي العرق بين اللباس والجسم مما يسبب روائح مزعجة وشعوراً بالحرارة أكبر. صممت حديثاً بعض الأقمشة الصناعية بمسام أكبر تتخلص من هذه المشكلة لكن الملابس القطنية هي الأفضل. كما أنه من الأفضل ارتداء الملابس الفاتحة اللون وتجنب الداكنة وخاصة السوداء نظراً لنفوذيتهاالحرارية الأعلى في حين أن الملابس البيضاء هي الأكثر عكساً لأشعة الشمس وإبعادها عن الجسد.

وعن الحرّ يروى أن بنت أبي الأسود الدؤلي قالت له يوماً: ما أشدُّ الحرِ، فقال لها: الحصباء بالرمضاءِ. فقالت: إنما تعجبت من شدته. فقال: أو قد لحنت الناس؟... ولهذه الحادثة (إن كانت صحيحة) روايات مختلفة... وقيل إنه من يومها أخذ أبو الأسود بوضع قواعد اللغة العربية!

الأربعاء، 14 يونيو 2017

الهواتف الذكية ومساعدة الصمّ على التواصل

مشكلة الصم في التواصل مع الآخرين مشكلة لم تجد حلاً نهائياً لها بالرغم من الكثير من الاختراعات من لغة الإشارة إلى تعلم قراءة الشفاه وتقنيات أخرى كثيرة. فهذه تساعد على التواصل مع الصم ولكنها لم تحل المسألة جذرياً، إن كان هناك من حل جذري. فلغة الإشارة تحتاج إلى وسيط يعرف هذه اللغة، وهي مفيدة جداً في نشرات الأخبار مثلاً وما شابه ذلك. أما قراءة الشفاه فلا تفيد إلا في حالة الأصم الذي يتحدث مع شخص واحد في مواجهته وهي تعتمد على هذا الشخص وتحتمل إمكانية الخطأ، أما في حالة تحاور أكثر من شخص فتصبح شبه مستحيلة.

إلا أن تطورات علمية وتقنية كثيرة حدثت في العقود الأخيرة، من بينها إمكانية تحويل الكلام إلى نص مكتوب عبر حاسوب مزود ببرمجيات معدة لهذا الغرض. تطور آخر تمثّل في تحويل النص المكتوب إلى كلمات منطوقة. وكذلك إمكانية التعرف إلى الأصوات بعد فترة من التمرين، وتميز صوت ما عن أصوات أخرى في قاعة تضم عدة أشخاص مثلاً. ومثل هذه التقنيات أصبحت على درجة عالية من الموثوقية في لغات مثل الإنكليزية وغيرها. ولكن، على قدر ما نعرف، فالأمر ليس كذلك بالنسبة للعربية. وبناء على هذه التقنيات يمكن تقديم حل يساعد الصمّ على التواصل مع الآخرين.

بُني التطبيق المساعد على الهواتف الذكية بحيث يترجم الكلام المنطوق إلى نص من طرف الشخص العادي ويرسل آنياً إلى الأصم الذي سيقرأه على شاشة هاتفه والذي سيقوم بدوره بالرد كتابة، وهذا الرد سينتقل آنياً بعد الانتهاء من كتابته إلى الطرف الآخر منطوقاً. أما في حالة أكثر من شخصين فيكون الأمر كما في حالة تطبيقات التواصل الاجتماعي حيث سيعطى لكل مشارك لون خاص به أو صورته مما يمكّن الأصم من التمييز بين المشاركين وتوجيه الردود والتفاعل بحسب ما يرى على شاشة هاتفه الذكي دون النظر إلى الشفاه. يمكن لهذا التطبيق التعرف إلى الأصوات وتمييز كل شخص من المتحاورين عن الآخر ونقلها إلى الأصم.

هذا التطبيق ليس مجانياً وإنما بكلفة 30 دولار شهرياً للناطقين بالإنكليزية أو الفرنسية، وهذا يعني أنه لن يكون متاحاً لكل أصمّ، إلا أن الوقائع علمتنا أن مثل هذا سيكون متاحاً للجميع بعد حين، وهو ما نرجوه إذ يكفي الصمّ ما ابتلتهم به الطبيعة ولا حاجة لمزيد. كما أن هذا التطبيق يقتضي أن يكون الأصم عارفاً بالقراءة والكتابة للغة المستعملة أو على الأقل لغة الإشارة.

الثلاثاء، 13 يونيو 2017

كيف ومتى بدأت الكتابة


لا يزال سبب الكتابة الفعلي مجهولاً، أي لماذا كتب الإنسان؟ هل كان ذلك لأسباب دينية أو فنية أو للتواصل مع مجموعات الجيش البعيدة أم لأسباب أخرى؟ الأمر محيّر فعلاً فلا شيء يساعد على معرفة ما الذي حذا بالإنسان ليخترع الكتابة. زادت صعوبة هذا السؤال مع اكتشاف الألماني يوليوس جوردان عام 1929 في مدينة أوروك على ضفة الفرات لمكتبة من الرُقم تعود إلى 5000 سنة مكتوبة بالمسمارية وهي أقدم من كل الكتابات المعروفة آنذاك من صينية أو فرعونية أو بين الأمريكيتين. ولكن مدينة أوروك كانت مليئة بأشياء فخارية صغيرة ذات أشكال مخروطية وكروية وأسطوانية. وصفها جوردان "منتجات من الحياة اليومية تمثل أشياء مثل القدور والخبز والحيوانات" بالرغم من أنها أشكال منتظمة ومعيارية. ولكن أحداً لم يعرف سبب صنعها.

أخذت الباحثة الأثرية دونيز شماندت-بيسيرا في عام 1970 بتنظيم اللقى المشابهة من مناطق مختلفة تمتد من تركيا إلى الباكستان يعود بعضها لقرابة 9000 سنة. اعتقدت هذه الباحثة أن لهذه الأشياء هدف بسيط وحيد هو الحساب عن طريق المطابقة، فالأشياء التي لها شكل الخبز تستخدم لعدّ الخبز، وتلك التي لها شكل القدور لعدّ القدور. والعد بالمطابقة أمر سهل ولا يتطلب معرفة بالعدّ، إذ يكفي النظر إلى كميتين والتحقق من تطابقهما.
ومثل هذه الطريقة استعملت بالتسجيل على عظام القردة عند منابع النيل في الكونغو من قبل عشرين ألف عام. ولكن الأشكال التي عثر عليها في مدينة أوروك كان لها ميزة التنوع في عدّ الأشياء وإمكانية الإضافة والطرح. وهذه المدينة كانت تضم الكهنة والمهنيين ومخازن الغذاء الذي كان يجلب من الوسط المحيط القريب. أي كان هناك اقتصاد يتطلب الحساب والتخطيط وجباية الضرائب. ولنا أن نتخيل محاسبي ذاك الزمان حيث يجلس أحدهم على مدخل المعبد يعدّ أكياس الحبوب الداخلة والخارجة باستخدام الأشياء الفخارية الصغيرة المشابهة للخبز.
كرات العقود الفخارية

وتضيف الباحثة الفرنسية أن الرموز المجردة التي تظهر على الرُقم التي عثر عليها في المكتبات تقابل هذه الأشياء الفخارية الصغيرة، وأن الرقم استخدمت في البداية لتسجيل حركتها، أي لتسجيل أعداد الخراف وقدور العسل والحبوب. وتضيف أيضاً أن المحاسبين انتبهوا فيما بعد إلى أنه من الأسهل تسجيل ذلك على الرقم بأشكال معيارية بدلاً من الأشياء الفخارية الصغيرة نفسها. تبع ذلك تسجيل العقود التي لم تكن شيئاً آخر سوى تحديد قيمة المطلوب وتدوين المدفوعات على كرات فخارية يحتوي داخلها على قدر مكافيء من الأشياء الفخارية الصغيرة وذلك بهدف التحقق في حال نشوب خلاف!... ومن هنا بدأت الكتابة فيما نعرفه حتى الآن، من العدّ!... أي أن الكتابة لم تبدأ من أجل تدوين القصائد أولاً!!



الجزء الأساسي من هذه الورقة مأخوذ من: http://www.bbc.com/news/business-39870485




الاثنين، 12 يونيو 2017

تطبيقات جوالة لمتابعة مرضى السرطان

تكثر تطبيقات الهواتف الذكية، بعضها للتسلية والآخر للتواصل وتبادل المعلومات، وبعضها للاستفسار والاستعلام. ولكن تطبيقات جديدة تظهر باستمرار يهدف بعضها إلى التفاعل العملي مع حاملها بما يفيده في مناح شتى، منها الطب. فبعض الأمراض تحتاج إلى متابعة حثيثة، ولكن ذلك يكون متعثراً في الغالب بسبب التباعد الجغرافي مثلاً أو بسبب عدم قدرة الطبيب على متابعة كل مرضاه على نحو مستمر. الزيارات الدورية هي الأمر المعتاد في حالات الإصابة المزمنة أو تلك التي لا يتم الشفاء منها بمجرد علاج يحصل عقب زيارة أو زيارتين للطبيب مثل بعض أمراض السرطان، ولكن بين الزيارتين قد تحدث تطورات هامة فما العمل؟

أخذت بعض الجامعات، مثل جامعة كارولين الشمالية الأمريكية، بإنشاء تطبيقات بسيطة نسبياً للهواتف الذكية أو الحواسيب اللوحية لتحسين متابعة مرضى السرطان. تسمح هذه التطبيقات مثلاً بإعلام أطباء المرضى عن تطور حالة مرضاهم أثناء فترة العلاج. وقد نشرت هذه الجامعة نتائج هذه التطبيقات بعد مضي عدة سنوات من إطلاقها التي أشارات إلى زيادة الأمل في الحياة لمستخدميها مقارنة بأقرانهم الذين لم يستخدموها (والذين لا يقابلون طبيبهم المعالج إلا مرة واحدة في السنة)، وهذه الزيادة بلغت وسطياً بقرابة ستة أشهر. وبالرغم من أن هذه الزيادة ليست بالكبيرة ولكنها ذات مغزى عند الأخذ بالاعتبار أن هذه الأمراض هي أمراض صعبة كسرطان الثدي أو البروستات أو الرئتين، خاصة أن بعضها كان في مرحلة متقدمة.

كان تدخل الأطباء المتابعين في أغلبه في الآثار الجانبية الشديدة للعلاج المرتبطة بالعلاج الكيمائي خاصة مثل الدوخة والألم والإنهاك وصعوبة التنفس حيث يسعى الطبيب لإراحة المريض، وفي بعض الأحيان لا يمكن لبعض المرضى متابعة العلاج وهنا يتدخل الطبيب لإيقاف العلاج. أي أن مثل تلك المتابعة تفضي في أقل الأحوال إلى تحسين حياة المريض.

بالرغم من أن عمر هذا التطبيق قارب العشر سنوات، ومن أن نتائج استخدامه جيدة فلا نيّة حتى الآن في تحويله إلى منتج تجاري ذلك أن تطويرات أخرى يمكن إضافتها إليه بما يساعد مثلاً على الكشف المبكر عن الامراض الخبيثة، مثل سرطان الرئة عند المدخنين، عن طريق التواصل مع مراكز طبية مختصة وتزويدها بمعلومات مستمرة عن حالة المدخن الذي يستخدم هذه التطبيقات، ومثل هذا سيمثل إضافة هامة تساعد جداً في علاج مثل هذه الأمراض... وإن كان هذا على حساب الوقوع في الأسر... الأسر المتزايد الذي تفرضه الهواتف الذكية بثبات!

الثلاثاء، 6 يونيو 2017

الصوم، جزء من تاريخ الإنسان

الصوم هو الامتناع الطوعي عن الطعام وقد يترافق مع الامتناع عن الشراب أيضاً. وقد يكون الصوم جزئياً لبعض الوقت من النهار مثل صوم رمضان، أو قد يكون امتناعاً عن بعض أنواع الطعام لفترة محددة من السنة مثل الصوم الكبير الذي يسبق عيد القيامة أو عيد الفصح. وقد يكون الصوم تاماً لفترة من الزمن غير محددة بالضرورة لأسباب مختلفة، دينية أو صحية أو سياسية، وفي الحالة الأخيرة يأخذ ذلك اسم الإضراب عن الطعام.

ومن وجهة نظر فيزيولوجية فإن الصيام يبدأ فعلياً بعد ست ساعات من تناول آخر وجبة. والصيام على هذا يحرّض آليات تكيف فيزيولوجية. وهذا التكيف هو الموروث لسيرورة بطيئة من التطور. فالقدرة على تخزين الاحتياطي بفاعلية عالية مترافقةً مع الاستعمال الفعال لهذه المواد الغذائية المخزنة في جسم الإنسان، سمحت للإنسان بالبقاء حياً وحتى لنموه ضمن ظروف غير مواتية دائماً من وجهة نظر غذائية. هذا الحال من صعوبة الحصول على الغذاء (شبه الصوم الإجباري) كان هو السائد في العالم حتى وقت قريب ولا يزال في بعض الدول والمناطق، وخاصة تلك التي تهددها المجاعات. أي أن تناول الوجبات الغذائية بانتظام هو أمر حديث العهد. وفي الواقع فإن مواردنا الوراثية تبدو أقل تكيفاً مع وفرة الغذاء منها مع نقصه. وعليه فإن من الطبيعي أن يلاقي الجسم صعوبات عندما لا يصوم ذلك أن تطورنا قادنا إلى مقاومة النقص في الغذاء! ولكن هذا لا يعني أن للجسم إمكانية مقاومة النقص الحاد الذي يمكن أن يضع حداً للحياة.

بيّنت تجارب عديدة على الحيوانات أن تقنين الطعام غير المبالغ فيه يزيد من عمر العديد من الأنواع الحيوانية مثل الفئران والجرذان وبعض أنواع القردة، كما أن بعض الدراسات أظهرت أن مثل هذا الصوم يخفض من الأذى الذي يصيب الحمض النووي الريبوي منقوص الأوكسجين (د. ن. إي). كما بينت دراسات أخرى على أن الصوم -الامتناع الكامل عن الطعام-لبعض الوقت يمكن أن يكون أداة مقاومة للعديد من الإصابات مثل السكري والربو والقصور القلبي والحساسية والسرطان بحسب الطبيب الإيطالي الأمريكي فالتر لونغو.


وفي غير هذا فإن الصوم هو فرض ديني في الكثير من الديانات، الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية. ولدى هذه الأخيرة له دور مساعد في التنسك والتصوف. والصوم في كل هذه الأديان قد يكون متكرراً في السنة كما قد يكون نذوراً أو تقرباً إلى الخالق. كما أن الصوم أو الإضراب عن الطعام قد يكون لغايات سياسية أو احتجاجية، بعض منها أودى بأصحابها إلى الموت. من أشهر المضربين عن الطعام المهاتما غاندي والمغربية سعيدة منبهي التي ماتت عام 1977 في الدار البيضاء بعد 34 يوماً من الإضراب عن الطعام احتجاجاً على موقف المغرب من استقلال الصحراء الغربية.


السبت، 3 يونيو 2017

بول إيلوار...الموت والحب والحياة



بول ونوش إيلوار
بول إيلوار (1895-1952) شاعر الحب والحرية والثورات... عرف الحب في حياته كثيراً، وعرفه حباً قوياً جامحاً... ماتت زوجته نوش التي كان متيّماً بها بسكتة دماغية مفاجئة، فتمنى الموت...بعد ثلاث سنوات وقع في حب جديد فكتب عن الحب واستبشر بالحياة.



اعتقدت القدرة على تحطيم العمق والمدى
بحزني العاري بلا اتصال ولا صدى
استلقيت في سجني ذي الأبواب العذراء
كميّت عاقل عرِف كيف يموت
موت غير متوّج إلا من عدميته
استلقيت على الأمواج الواهية
سُمٌ امتُص حباً بالرماد
بدت لي الوحدة أكثر حيوية من الدم
أردت أن أفكك الحياة
أردت مشاطرة الموت مع الموت
أن أعيد قلبي للفراغ والفراغ للحياة
مسح كل شيء حتى لا يبقى لا زجاج ولا بخار
لا شيء في الأمام ولا شيء في الخلف ولا شيء أبدا
كنت قد أزلت قطعة الثلج من اليدين المضمومتين
كنت قد أزلت الهيكل الشتوي
من رغبة الحياة التي تتلاشى

أتيتِ وأعيد إذكاء النار
تراجع الظل وبرد الدنيا خيّم على نفسه
وتغطت الأرض ثانية
من لحمك الصافي وشعرت بنفسي رشيقاً
أتيتِ وقُهرت الوحدة
كنت أعلم أنه كان لي مرشداً على الأرض
كنت أعلم أني مبالغ بتوجيه نفسي
كنت أتقدم وأحتل المكان والزمان
كنت أمضي نحوك بلا نهاية نحو الضوء
كان للحياة جسد والأمل ينشر شراعه
النوم يتسربل بالأحلام وبالليل
كان يَعِدُ الفجر بنظرات واثقة
أشعة ذراعيك تشق الضباب
ثغرك كان مبتلاً بقطرات الندى الأولى
الراحة المدهشة حلت محل التعب
وأخذت أعشق الحب كما في أيامي الأولى

الحقول محروثة والمصانع براقة
والقمح يصنع عشه في كرة ضخمة
الحصاد والقطاف لهما شهادات لا تحصى
لا شيء بسيط لا شيء غريب
البحر في عيني السماء أو الليل
تمنح الغابة الأشجار الأمان
ولجدران البيوت جلد مشترك
وتتقاطع الطرق دائماً
البشر خلقوا ليتوافقوا
ليتفاهموا وليحبوا بعضهم
لهم أطفال سيصبحون آباء البشر
لهم أطفال بلا نار ولا مقرّ
الذين سيعيدون اختراع البشر
والطبيعة ووطنهم
وطن كل الناس

وطن كل الأوقات