بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 28 فبراير 2018

حضارة وادي الهندوس...الحضارة الثالثة القديمة

المنطقة الجغرافية لحضارة وادي الهندوس
نتحدث غالباً عن حضارتي سومر والنيل باعتبارهما أولى الحضارات الإنسانية، ولكن حضارة ثالثة كانت قد بدأت في الألف الخامس قبل الميلاد في وادي نهر الهندوس والأنهر التي كانت تصب فيه.  ومنطقة هذه الحضارة كانت  تشمل شمالي غرب الهند وباكستان الحالية وبعضاً من أفغانستان وجنوب شرقي إيران. بنت هذه الحضارة مدناً كما في حالة الحضارة السومرية والفرعونية، وطورت الزراعة وتدجين الحيوانات والتجارة. وكانت لها ديانتها وكتابتها. ولكنها حضارة لم تستمر واندثرت في الألف الثاني قبل الميلاد لأسباب لا تزال مجهولة.، وبقيت منسية حتى اكتشافها الذي كان في عام 1920.

هذه الحضارة لم تبدأ من الصفر وإنما استندت إلى ما تم قبلها في ميادين الزراعة، خصوصاً في منطقة بلوشستان الواقعة غرب الوادي. أقدم مواقع ما قبل هذه الحضارة يعود إلى نحو العام 6500 قبل الميلاد حيث زرع القمح وتم تدجين عدد من الحيوانات. كما أن صناعة الفخار بدأت في هذه المنطقة بتاريخ يعود إلى نحو عام 5500 قبل الميلاد. وعلى هذه القاعدة من المعارف والمهارات نشأت حضارة وادي الهندوس، التي نشطت فيها الزراعة في مطلع الألف الرابع قبل الميلاد، وبناء المدن، وشبكات تجارية ارتبطت مع مناطق النشاط الأولى ومع مناطق المواد الأولية. ومن بين الزراعات التي قامت في تلك المنطقة زراعة البازلاء والحمّص والسمسم والتمر والقطن، وتم تدرجين الجاموس.

أطلال مدينة موهنجو دارو
بلغ عدد سكان هذه المنطقة خمسة ملايين في ذروته، وكان قاطنو بعض المدن يعدون بالآلاف، وأخذت ثقافة مشتركة بالظهور في الألف الثالث قبل الميلاد على مساحة كبيرة مقارنة بمساحة انتشار الحضارة السومرية أو الفرعونية. بعض المدن والآثار التي خلفتها هذه الحضارة تبدو وكأنها نتيجة تخطيط مسبق وليست تحصيل حاصل، وهذا ما يجعلها سابقة على الحضارتين الأخريين. وهذا التخطيط أو التدبير يعني أنه كانت هناك وحدة سياسية تهيمن على تلك المنطقة الكبيرة. استمرت هذه الحضارة مزدهرة نحو 700 عاماً، وبدأ انحدارها فجأة حيث أخذ الناس يهجرون مناطق عيشهم مع مطلع الألفية الثانية قبل الميلاد لصعوبة حصولهم على قوتهم. هاجر الناس إلى مناطق مختلفة حاملين معهم معارفهم التي ظهرت نتائجها فيما بعد في مناطق مختلفة من بينها الهند الحالية بالطبع.


ختم من أختام مدينة موهنجو دارو
السؤال الذي لا نملك حتى اليوم جواباً عنه هو: لماذا اختفت هذه الحضارة؟ وفي الواقع فإن المعلومات التي نملكها اليوم لا تزال محدودة لا تسمح بالقطع في كثير من الأمور الخاصة بها. فالكتابة التي استخدمتها لم نتمكن من فك رموزها حتى الآن، والكتابات الباقية محدودة الكلمات، وأحياناً محدودة جداً. ولا نعرف شيئاً عن النظام السياسي لهذه الحضارة، ولا عن ديانتها أو دياناتها، ولا نعرف أسماء مرجعية في هذه الحضارة تسمح بالإمساك بطرف الخيط كما يقال. إحدى الأطروحات المعقولة عن اختفاء هذه الحضارة تقول بحدوث حركات في طبقات الأرض في وادي الهندوس (ومن المعروف أن هذه المنطقة ليست مستقرة جيولوجياً تماماً حتى اليوم) أدت إلى تسرب مياه الفروع التي كانت تصب في نهر الهندوس وضياعها، ومن ثم جفاف المنطقة وانقطاع رزقها مما أدى إلى هجرة الناس التي تؤكد المكتشفات الحالية أن سببها الرئيس كان القحط وليس الحروب... فهذه الحضارة، فيما نعرف حتى الآن، لم تعرف الحروب، وقاكم ووقانا الله شرورها ومآسيها. 


القمر... التابع المجهول

القمر تابع للأرض. عمره من عمر الأرض. يدور حولها من بداية حياته بمسارإهليلجي في حركته (دائرة مضغوطة من نقطتين متقابلتين). يبعد عن الأرض وسطياً نحو 384 ألف كم. وهي مسافة يمكن تصورها على أساس أن شخصاً على الأرض قال لشخص على القمر: "مرحباً" باستخدام جواله، وأجابه الثاني بالسلام نفسه باستخدام جواله أيضاً، فإن سماع الجواب من قبل الشخص الواقف على الأرض سيستغرق نحو 2.5 ثانية من لحظة إلقائه السلام. ولكن لو قمنا بالتجربة نفسها مع شخص "قريب" من سطح الشمس فإن سماع الجواب سيستغرق 17 دقيقة. وبهذا يمكن مقارنة بعد القمر والشمس النسبي عن الأرض. والقمر في مساره الإهليلجي سيقترب من الأرض حيناً (وهنا نرى البدر الكبير) ويبتعد حيناً آخر. وسبب هذا المسار الإهليلجي وليس الدائري فإنما يعود، تبسيطاً، إلى أن اتجاه حركة القمر ليست متعامداً مع الخط الواصل بين مركزه ومركز الأرض، ولأن سرعته مختلفة عم السرعة المطلوبة.

رسم توضيحي لدوران القمر حول نفسه بسرعة دورانه حول الأرض يجعل النقطة الحمراء على
القمر الأصفر في الوضع 1 تظهر في الوضع 2 باتجاه الأرض. ولو لم يكن القمر يدور
حول نفسه مثلاً لرأينا النقطة الحمراء في الوضع 2 إلى يسار القمر.
ونحن لا نرى منه إلا وجهاً (أو جانباً) واحداً، أما الوجه الثاني فلا نراه أبداً. وأول مرة التقطت صورة لهذا الوجه كان عام 1959 بواسطة المركبة الفضائية السوفيتية لونا3 . وأول مرة رآه الإنسان رأي العين كان عام 1968 من قبل فريق أبولو 8 في دورانه التحضيري لزيارة القمر. ولكن لماذا لا نرى هذا الوجه الآخر؟ السبب هو أن القمر يدور حول الأرض ويدور حول نفسه في الآن نفسه. ودورانه حول نفسه وكذلك دورانه حول الأرض يستغرقان المدة نفسها تماماً وهي 27,321582 يوماً. أي أننا أمام دوران متزامن مما يجعلنا لا نرى إلا وجهاً واحداً. يجب عدم الخلط بين هذه المدة والشهر القمري، فالشهر القمري هو المدة اللازمة ليكون فيها القمر والأرض والشمس في الوضع نفسه وهي 29,530589 يوماً.

أما أصل القمر ففي ذلك نظريات قديمة وجديدة. ويبدو أن كل واحدة منها تشكو من عيب ونقص. فمنها من قال بأن القمر تشكل في الوقت نفسه مع الأرض حين تشكل المجموعة الشمسية، أي أن القمر أخ للأرض. نظرية أخرى قالت بأن القمر انشطر عن الأرض بسبب القوة النابذة، أي أن القمر ابن الأرض. نظرية أخرى تقول بأن الأرض تمكنت من سجن جرم شارد في مسار حولها، أي أن القمر ابن عم للأرض. ولكن هذه النظريات لم تكن قادرة على تفسير مسائل مثل:
1.       القمر هو التابع الكبير للوحيد للكواكب الصخرية (عطارد والزهرة والأرض والمريخ)!
2.       يميل مسار القمر بزاوية 5 درجات عن مسار الأرض!
3.       كثافة القمر أقل بكثير من كثافة الأرض!
4.       القمر يبتعد عن الأرض (نحو 3.4 سم سنوياً) باستمرار، أي أن القمر كان قريباً من الأرض في البداية!
5.       أقدم صخور الأرض تماثل في عمرها صخور الأرض، أي أن مكونات الأرض والقمر تشكلت في الوقت نفسه!
6.       نظائر الأوكسجين متماثلة في صخور الأرض والقمر، أي أن القمر والأرض تشكلا في المنطقة نفسها، في حين تختلف هذه النسب في باقي المجموعة الشمسية.
7.       الصخور القمرية لا تضم عناصر متطايرة أو حديدية وهي غنية بالمواد المقاومة للحرارة. هذا يعني أنها تشكلت تحت درجات حرارة عالية جداً.

هناك نظرية حديثة تقول بأن تشكل القمر كان نتيجة اصطدام جرم سماوي بحجم المريخ بالأرض مما جعل كتلاً كثيرة تتطاير من الأرض وتنطلق في فضائها، تراكمت وتلاصقت ببعضها لتشكل القمر في عملية حدثت بعد نحو 42 مليون عام من ولادة المجموعة الشمسية، وهي الفترة التي تشكلت فيها الكواكب الصخرية، فترة كان فيها القصف الكوني على أشده. وبالرغم من أن عمليات محاكاة حاسوبية أيدت هذه النظرية خاصة إذا أخذنا بالاعتبار أن تطاير المواد يكون في الأخف منها وهذا أمر يفسر الفارق بين كثافة الأرض وكثافة القمر. ولكن تحليل بعض العينات التي عادت بها رحلة ابولو من القمر أظهرت منذ عام 2014 تماثل نظائر التيتان على القمر والأرض مما يتناقض ونظرية الصدمة الكبيرة، فهذا يعني أن الجرم الصادم لم يتدخل في تغيير التماثل!... أي أن علينا أن نعيد التفكير في أصل القمر جارنا (وإن كانت نظرية الاصطدام بالجرم لا تزال هي الأفضل، ولكن يجب إدخال تعديلات عليها)، إذ من الضروري معرفة أصله وفصله، فهو قريبنا ... الذي لا يزال يضيء ليالينا!

الثلاثاء، 27 فبراير 2018

رياح التغيير... الدكتورة خيرية قاسمية

فيما يلي المحاضرة الثالثة عشرة في التاريخ العربي الحديث للدكتورة المرحومة خيرية قاسمية وهي بعنوان "رياح التغيير". 


كما يمكن الاستماع إلى المحاضرات السابقة على هذا الرابط.


الأحد، 25 فبراير 2018

لافونتين... الثعلب والتيس


ترافق الثعلب الحصين،
مع صديقه التيس ذي القرنين.
وهذا لم يكن يرى لأبعد من أنفه،
في حين أن الدهاء كان الأول سيده.
أجبرهما العطش على النزول إلى قعر بئر.
وبعد أن روى كل منهما عطشه،
قال الثعلب للتيس: ما نحن فاعلون أيها الرفيق!
فليس الأمر مجرد رواء الظمأ
ولكن ما هو السبيل للخروج إلى الملأ.
ارفع يديك إلى الأعلى وقرنيك أيضاً،
وألصقهما بالجدار على امتداد رقبتك لأتسلق أولاً،
ثم ترفعني بقرنيك، وهكذا من هذا المكان سأخرج،
وبعد ذلك سأشدك وتخرج.
امتدح التيس كلام الثعلب،
وبرجاحة تفكير أمثاله أعجب.
واعترف بأن ليس لمثله هذا القدر من الفطنة.
خرج الثعلب من البئر،
تاركاً فيها صاحبه، 
ملقياً عليه موعظة في الصبر.

لو أن السماء أعطتك من الرجاحة،
بقدر ما أعطتك من الوبر
لما كنت نزلت بمثل هذه الخفة إلى البئر.

وداعاً، حاول الخروج بكل جهد بلا كلل،
لأني من أمري على عجل،
ولا أستطيع الانتظار والمهل.


وفي كل أمر فإنما يجب التفكير في كيف تكون النهاية [بلا هبل].



الاستخدام المؤذي للذكاء الصنعي: التوقعات والتوقي والتخفيف من الآثار

نشر في هذا الشهر (شباط 2018) تقرير أعدته مجموعة من 26 خبيراً من خبراء الذكاء الصنعي من عدة جامعات ومن ممثلين عن شركات ومؤسسات خاصة، بريطانية وأمريكية، عنوانه هو عنوان هذه الورقة ويمكن الاطلاع على محتوياته عبر هذا الرابط

يتحدث التقرير عن التطبيقات الإيجابية للذكاء الصنعي ولكنه يذكّر بإمكانية استخدامه للإساءة أيضاً مثل التحايل بطرق أكثر نجاعة وكذلك استخدام الأدوات أو الآلات المؤتمتة في أفعال هدامة، هذا طبعاً غير إمكانات استخدامه في أمور سياسية قد تسيء إلى العالم بأجمعه. وفيما يلي ترجمة لملخصه: 

إن الذكاء الصنعي وقدرات التعلم الآلي تتزايد بإيقاع لا سابق له. ولهذه التقانات تطبيقات كثيرة مفيدة تمتد من الترجمة الآلية إلى تحليل الصور الطبية. كما أن تطبيقات كثيرة مفيدة هي قيد الإعداد أو يمكن الوصول إليها على المدى البعيد. ولكن لم يوجه الكثير من الانتباه في الماضي إلى الطرق المؤذية التي يمكن للذكاء الصنعي أن يستخدم فيها. وهذا التقرير يدرس التهديدات الأمنية الكامنة التي يمكن أن يسببها الاستخدام الضار لتقانات الذكاء الصنعي ويقترح وسائل لتنبؤ ووقاية أفضل وكذلك التخفيف من الآثار الضارة. وما نقوم به في هذا التقرير هو تحليل، وليس الحل بطريقة ناجعة، لمسألة نوع التوازن على المدى البعيد بين المهاجمين والمدافعين. ولكننا نركز بدلاً من ذلك على أنواع الهجمات التي يحتمل أن نعاني منها إن لم تُطوّر الدفاعات المناسبة.
وكرد على مشهد التهديد المتبدل نقدم توصيات على أربعة مستويات:
1.       على صناع السياسات أن يتعاونوا عن كثب مع الباحثين التقانيين في تحري الاستخدامات المؤذية للذكاء الصنعي ومنعها والتخفيف من آثارها.
2.       على المهندسين والباحثين في الذكاء الصنعي أن يأخذوا على محمل الجد الطبيعة الثنائية [الحسنة والسيئة] لاستخدام الذكاء الصنعي مولين لاعتبارات سوء الاستخدام أولويات في البحث وفي الضوابط، ومساندة من يمكن أن يعاني من  تطبيقات مؤذية بطريقة فعالة.
3.       يجب تحديد أفضل الممارسات في مجالات البحث مع نهج أكثر نضجاً لمواجهة مخاوف ثنائية الاستخدام، كما هو الأمر في مسألة أمان الحاسوب، ونقلها كلما كان ذلك ممكنناً إلى حالة الذكاء الصنعي.
4.       البحث بفاعلية عن توسيع طيف أصحاب المصلحة وخبراء هذا المجال لزجهم في مناقشات هذه التحديات.
ومع تزايد قدرات وانتشار الذكاء الصنعي فإننا نتوقع أن يقود الاستخدام المتزايد لأنظمة الذكاء الصنعي إلى تغير في مشهد التهديدات على النحو الآتي:
·         اتساع التهديد الحالي. يمكن خفض كلف الهجمات بالاستخدام المتدرج لأنظمة الذكاء الصنعي للقيام بالمهمات التي قد تتطلب عادة الجهد الإنساني والذكاء والخبرة. وستكون النتيجة الطبيعية توسيع مجموعة المهاجمين الذين لهم قدرة القيام بمثل هذه الهجمات، والسرعة التي ينفذون بها هذه الهجمات، ومجموعة الأهداف الممكنة.
·         التمهيد لتهديدات جديدة. يمكن للهجمات الجديدة أن تظهر عبر استخدام أنظمة الذكاء الصنعي لاستكمال المهمات التي لا يمكن للإنسان أن يقوم بها بدون هذه الأنظمة. إضافة إلى ذلك فإن المهاجمين قد يستغلون نقاط ضعف أنظمة الذكاء الصنعي التي يستخدمها المدافعون.
·         تغيّر في الطبيعة النمطية للتهديدات. إننا نعتقد بوجود أسباب لتوقع هجمات، يمكّن منها الاستخدام المتزايد للذكاء الصنعي، فعالة على نحو خاص وموجهة بحذق يصعب التعرف على مصدرها، وأن تستغل على الأرجح نقاط الضعف في أنظمة الذكاء الاصطناعي.
نبني تحليلنا على اعتبار متمايز لثلاثة مجالات أمن وتبيان التغيرات الممكنة في التهديدات في هذه المجالات عبر أمثلة أصدق تعبيراً:
·         الأمن الرقمي: إن استخدام الذكاء الصنعي لأتمتة المهمات المشاركة في تنفيذ الهجمات السبرانية سيسمح بتسهيل التأثير المتبادل بين حجم وفعالية الهجمات. وهذا قد يوسع  التهديد المترافق مع الهجمات السبرانية الكثيفة الاعتماد على اليد العاملة (مثل الإيقاع بالاستدراج). ونتوقع أيضاً هجمات جديدة تستثمر نقاط الضعف الإنسانية (عبر استخدام تركيب الكلام لانتحال الهوية مثلاً)، ونقاط الضعف الموجودة في البرمجيات (عبر القرصنة الآلية على سبيل المثال) أو نقاط ضعف أنظمة الذكاء الصنعي (عبر الأمثلة المتناقضة أو البيانات المسممة مثلاً).
·         الأمن الفيزيائي. استخدام الذكاء الصنعي لأتمتة المهمات المشاركة في تنفيذ الهجمات التي تستخدم الطائرات المسيرة وأنظمة مادية أخرى (مثل تلك المستخدمة في الأسلحة المؤتمتة) يمكنها توسيع التهديدات المترافقة مع هذه الهجمات. ونتوقع هجمات جديدة أيضاً لتخريب الأنظمة السيبرانية (مثل تعطيل المركبات الذاتية الحركة) تنطوي على أنظمة مادية لن يكون من الممكن توجيهها عن بعد (مثل سرب من آلاف الطائرات الصغرية المسيرة).
·         الأمن السياسي: إن استخدام الذكاء الصنعي لأتمتة المهام المشاركة في المراقبة (مثل تحليل البيانات الخاصة بالناس) والإقناع  (خلق دعاية سياسية موجهة) والخداع (فيوديوهات متلاعب بها) يمكن أن توسع من التهديدات المترافقة مع انتهاك الخصوصية والتلاعب الاجتماعي. ونتوقع أيضاً  هجمات جديدة تستفيد من قدرة محسّنة على تحليل السلوكيات الإنسانية والأمزجة والاعتقادات على أساس البيانات المتاحة. وهذه المخاوف لها أهمية أكبر في حالة الدول الاستبدادية، وبمكن لها أن تقوض قدرة الديموقراطيات على الحفاظ على المناقشات العامة الصادقة.
إضافة إلى توصيات المستوى الأعلى آنفة الذكر، فإننا نقترح أيضاً سبر عدة أسئلة مفتوحة وإمكانيات التدخل عبر أربعة مجالات بحث ذات أولوية:
·         التعلم من المجتمع السيبراني ومعه. وفي نقاط التقاطع بين الأمان السيبراني وهجمات الذكاء الصنعي فإننا نسلط الضوء على الحاجة إلى استكشاف وربما إنشاء فرق حمراء [مجموعة ناقدة لبنية المؤسسة وعملها مهمتها البحث عن نقاط الضعف فيها]، وتحقق قاطع، وكشف مسؤول عن نقاط ضعف الذكاء الصنعي وأدوات الأمان وتجهيزات آمنة.
·         سبر نماذج انفتاح مختلفة. وبما أن الطبيعية الثنائية الاستخدام للذكاء الصنعي والتعلم الآلي أصبحت بيّنة، فإننا نسلط الضوء على الحاجة إلى إعادة تصور للمعايير والمؤسسات حول انفتاح البحث  بدءاً من تقييم المخاطر قبل النشر في المجالات التقنية ذات الأهمية الخاصة، ونماذج ترخيص النفاذ المركزية، وأنظمة التشارك التي تعلي من الأمن والأمان، ودروس أخرى من تقانات ثنائية الاستخدام.
·         تعزيز ثقافة المسؤولية. إن باحثي الذكاء الصنعي والمنظمات التي تستخدمهم هي في موقع فريد لتشكيل المشهد الأمني للعالم الذي يستخدم الذكاء الصنعي. ونسلط الضوء على أهمية التربية والتعليم والمعايير الأخلاقية وصيغها والأطر والمعايير والتوقعات.
·         تطوير الحلول التقانية والسياسات. إضافة إلى ما جاء سابقاً، فإننا نقوم بمسح لطيف من التقانات الواعدة، وكذلك لسياسة التدخلات، التي يمكنها بناء مستقبل أكثر أماناً مع الذكاء الصنعي. وتتضمن المجالات العالية المستوى التي تحتاج المزيد من البحث، حماية الخصوصية والاستخدام المنسق لاستخدام الذكاء الصنعي للأمن العام، ولمراقبة موارد الذكاء الصنعي ذات العلاقة وأجوبة تنظيمية وتشريعية أخرى.

إن التدخلات المقترحة تتطلب الانتباه والعمل ليس فقط من قبل باحثي الذكاء الصنعي والشركات ولكن أيضاً من قبل المشرعين والموظفين العامين والعاملين في الهيئات التنظيمية والباحثين في مجالات الأمن والمعلمين. إن التحدي شاق والمخاطر كبيرة.


الجمعة، 23 فبراير 2018

فترة الانحطاط العثماني في القرن الثامن عشر... عبد الكريم رافق

فيما يلي المحاضرة الرابعة عشرة للدكتور عبد الكريم رافق في تاريخ الحكم العثماني للأقطار العربية وهي بعنوان:
فترة الانحطاط العثماني في القرن الثامن عشر



للاستماع لباقي المحاضرات يمكن العودة إلى هذا الرابط.


الأربعاء، 21 فبراير 2018

نيكولا سندرسون ... الرياضياتي الأعمى وديدرو الفيلسوف

هو بريطاني من مواليد منطقة يوركشاير لعام 1682 أصيب بالجدري وهو في السنة الأولى من حياته ففقد بصره. ولكن هذا لم يمنعه من تعلم اللاتينية (لغة العلم في ذلك الوقت) والإغريقية ودراسة الرياضيات. وتعلم وهو صغير قراءة الكتابة المنقوشة على الحجر عبر اللمس. تابع دراسته في مدارس مختلفة. ووصل إلى كامبردج عام 1707 حيث اذن له البرفسور ويليام ويستون بإلقاء محاضرات في الرياضيات والفلك والضوء. وفي عام 1711 احتل كرسي ويستون في كامبردج وهو الكرسي المسمى بكرسي لوقا نسبة إلى مؤسسه هنري لوقا أول أستاذ للرياضيات في جامعة كمبردج. شغل هذا الكرسي إسحق نيوتن في فترة سابقة. انتخب سندرسون زميلاً في الجمعية الملكية عام 1718.

كان سندرسون صديقاً لمجموعة من أبرز الرياضياتيين في عصره مثل إسحاق نيوتن. ومع أنه كان فاقداً للبصر إلا أن حاستي السمع واللمس كانتا متطورتين لديه وكان قادراً على إنجاز عمليات رياضياتية معقدة للغاية ذهنياً باستخدام ذاكرته العجيبة. اخترع آلة للحساب باستخدام الدبابيس يمكن استخدامها لإجراء عمليات حسابية عن طريق اللمس عرفت يومها "بالحاسبة اللمسية" وصفها في كتابه "مبادئ الجبر". شرح في أماليه الدراسية أعمال نيوتن وخاصة طرق الاشتقاق وحساب المشتقات، وجعلها في متناول طلاب السنوات الأولى في الجامعة. نشرت أعماله بعد وفاته بمرض الأسقربوط عام 1739. ومن بين النظريات التي يحتمل جداً أنه كان أول من برهنها ما يعرف اليوم بنظرية بايس المنسوبة إلى توماس بايس المعاصر لسندرسون والتي عثر على برهانها بين أوراقه غير المنشورة والموجهة إلى طلابه. وهي نظرية في الاحتمالات المشروطة. وهي عن احتمال حدوث شيء في ظرف معين أو شرط محدد، كما هو الأمر مثلاً في حساب احتمال إصابة شخص بسرطان ما. وهذا الحساب يؤخذ فيه الجنس والمنطقة التي يعيش فيها الشخص والعمل وأمور أخرى، ولكن حساب الاحتمال هذا سيتغير تماماً إذا أخذ شرط العمر في الحسبان، وعندها سيكون الاحتمال أكثر دقة.... أبعده الله عنا وعنكم جميع.

استخدم الفيلسوف الفرنسي الشهير ديدرو (1713-1784)، صاحب أول موسوعة فرنسية، حالة سندرسون لإثارة سؤال عن كيف يمكن لشخص الحصول على المعارف عن طريق العقل فقط ومن دون الحواس. كان ذلك في مقال عنوانه "رسالة عن العميان موجهة للمبصرين". وهم الذين لا يقدرون على تصور الفضاء من حولهم أو معرفة الأشكال أو تقدير المسافات والأبعاد أو الاستمتاع بجمال لوحة. أراد ديدرو أن يشير بذلك من جهة إلى الصعوبة الكبيرة التي يمكن أن يواجهها من يستعيد البصر في إدراكه للوسط حوله. والإشارة إلى تساوي الجميع، المبصرين وغيرهم، فيما يتعلق بتصور الأحداث الماضية، مثل تلك المتعلقة ببداية الكون. ومن جهة أخرى إلى التشكيك بعميمية (كونية) المفاهيم،الأخلاقية والدينية مثلاً، التي ستكون مختلفة لدى فاقدي البصر عما هي لدى المبصرين، لاعتماد إدراك أو تمثل هذه المفاهيم على الحواس المحرضة للمشاعر والانفعالات. 

لم يكن ديدرو يعرف بأن كرسي سندرسن سيحتله يوماً شخص فقد بعض حواسه أيضاَ دون أن يمنعه ذلك من أن يكون من بين أعظم فيزيائي ورياضياتي العصر الراهن... إنه ستيفان هافكنغ، ذو المواقف الأخلاقية في الكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية.


الثلاثاء، 20 فبراير 2018

قضية فلسطين وأثرها في تطور الفكر القومي بعد الحرب العالمية الثانية...الدكتورة خيرية قاسمية

فيما يلي المحاضرة الثانية عشرة في التاريخ العربي الحديث للدكتورة المرحومة خيرية قاسمية وهي بعنوان "قضية فلسطين وأثرها في تطور الفكر القومي بعد الحرب العالمية الثانية". 


كما يمكن الاستماع إلى المحاضرات السابقة على هذا الرابط.



الاثنين، 19 فبراير 2018

الفيتامينات... النقص الدائم

الفيتامينات هي مواد عضوية  يشكلها الكائن العضوي الحي بكميات قليلة، لذا فمعظم ما يحتاجه منها يأتيه من الخارج. وهي لازمة لكل التبادلات الحيوية لدى الكائن الحي، تساهم مساهمة كبيرة في تشكيل الأنزيمات والهرمونات. يحصل الكائن الحي عليها من الغذاء عموماً. بعض الفيتامينات الخاصة بالإنسان يجري تشكيلها عبر البكتيريا المعوية، وبعضها الآخر يتشكل في الجسم عبر تعرضه لأشعة الشمس. اكتشفها البولوني كازميرز فونك عام 1912 عندما تمكن من عزل الفيتامين المسمى B1 في قشور حبات الأرز. وكلمة فيتامين هي لاتينية مركبة من كلمتين هما: فيتا vita وتعني حياة و amine التي تخص الجذر الكيميائي "أمين"، على شاكلة الأحماض الأمينية، بالرغم من أن الفيتامينات لا تتضمن كلها الجذر الأميني.

عدد الفيتامينات 13 فيتاميناً وهناك من يضيف عليها فيتاميناً آخر. بعض الفيتامينات ينحل في الماء، ومن ثم يمكن التخلص منها بسهولة. وهي فيتامينات السلسة المعروفة بفيتامينات ب (B1, B2, B3, B5, B6, B8, B9, B12) إضافة إلى الفيتامين C. وهي تنتشر في سوائل الجسم ولا تختزن، ولا يعتبر الإفراط فيها ضاراً لأنه يمكن طرحها عن طريق البول. وهي في معظمها تأتي عن طريق تناول الفواكه والخضار. والبعض الآخر من الفيتامينات ينحل في الدهون ويختزن فيها، ومن ثم فإن التخلص من الفائض منها قد يستغرق بعض الوقت، لذا يجب الحذر من الإفراط في تناولها أو تناول المواد الغذائية المحتوية عليها. وهذه الفيتامينات هي ADE , K. وهي من أصل غذائي دهني (زيوت، بعض أنواع السمك، صفار البيض، الكبد ...) باستثناء الفيتامين D ومصدره الأهم هو الشمس.
الفيتامينات وبعض مصادرها الطبيعية

من جهة أخرى، لبعض الفيتامينات (مثل الفيتامينات A, C,E) دور هام في مقاومة آثار الإجهاد المؤكسد وذلك عن طريق حماية الخلايا من الأضرار التي تسببها الجذور الحرة ( أي الجزيئات التي يدخل فيها الأوكسجين الذي نتنفسه) التي تهاجم الخلايا ومكوناتها مسببة الكهولة بين أضرار أخرى.

ومن حيث المبدأ فإن النظام الغذائي المتوازن يضمن وفرة في الفيتامينات التي يحتاجها جسم الإنسان. ولكن دراسات عديدة أجريت في الدول الصناعية المتقدمة أظهرت أن هناك نقص دائم في الفيتامينات. وهذا النقص يمس بين 10% إلى 50% من الناس، وقد يكون الأمر أكثر حدة في الدول الفقيرة. ومن أهم أسباب النقص في الفيتامينات حالياً فهي المعالجة الصناعية للغذاء التي تأتي على نسبة كبيرة من المحتويات الصغرية، وكذلك إفقار التربة نتيجة الزراعة الكثيفة دون ترك التربة لترتاح فترة تستجمع خلالها قواها. كما أن إضافة المواد الحافظة وغيرها من المواد المنكهة وما شابه يأتي على نسبة كبيرة من مضادات التأكسد الموجودة طبيعياً في المواد الغذائية.
أما فيتامين D الضروري للعظام والنمو عموماً فيبلغ النقص فيه نسباً أعلى تصل إلى 80% من الناس، وخاصة في الشتاء. وهذا الفيتامين ضروري جداً للصغار في نموهم وللكبار في مقاومة هشاشة العظام، لدوره الكبير في تثبيت الكالسيوم في جسم الإنسان... البعض يتذكر ربما إرغام طلاب المرحلة الابتدائية أسبوعياً على تناول ملعقة من زيت السمك السيئ المذاق شتاء نظراً لأن هذا الزيت هو من أكثر المواد الطبيعية غنى بهذا الفيتامين.


تزداد حاجة الإنسان المعاصر للفيتامينات في الحياة المعاصرة. ولم يعد الغذاء بقادر بمفرده على توفير حاجة الإنسان منها، لذا نشأت صناعة للفيتامينات لسد هذه الحاجة. فالإجهاد وضغط الحياة مثلاً  يأتيان على جزء كبير من المعادن التي لها دور مماثل للفيتامينات وخاصة المغنيسيوم. وكذلك التبغ الذي يزيد يدمر بعض الفيتامينات مثل الفيتامين C و E. كما أن ممارسة الرياضة تتطلب غير الحديد والمغنيسيوم، فيتامينات B1 و B6 و C، وكذلك التلوث الذي يخفف من قدرتنا على تركيب الفيتامين D... ومع هذا فلا يجب التعرض المفرط لأشعة الشمس، ...المفيدة والضارة معاً. 

الأحد، 18 فبراير 2018

لا يوجد نسيان... بابلو نيرودا


إن سألتموني أين كنتُ
فعليّ أن أقول: "حدثَ أنّ".
عليّ أن أتحدث عن أرض أعتمتها الحجارة،
عن نهر دمّرَ نفسه باستطالته:
لا أعرف سوى الأشياء التي فقدتها العصافير،
البحر المنسي ورائي، أو شقيقتي التي تبكي.
لماذا كثرة المناطق،
ولماذا ينضم النهار إلى النهار؟
لماذا تتراكم ليلة سوداء في الثغر؟
لماذا الأموات؟
إن سألتموني من أين أتيت،
فعلي أن أتكلم عبر أشياء مهشمة،
عبر أوان مُرّة جداً،
عبر حيوانات كبيرة متعفنة غالباً
عبر قلبي المعذّب.

هي ليست الذكريات المتقاطعة
وليست الحمامة  المصفرّة النائمة في النسيان،
ولكنها أوجهٌ بدموع،
أصابع في الحنجرة،
وما يتساقط من الأوراق:
ظلمة نهار مضى،
نهار تغذى بدمائنا الحزينة.
هاهنا البنفسج والسنونو،
كل ما نحب
وكل ما يظهر على بطاقات لطيفة رشيقة
حيث يتنزه الوقت والرفق.
ولكننا لا نتجاوز أسنانه،
ولا نقضم القشور التي يراكمها الصمت،
لأني لا أعرف بما أجيب:
فالموتى كثر،
والمراسي التي تخترقها الشمس الحمراء كثيرة،
والكثير من الرؤوس التي تدق القارب
وأيدٍ كثيرة قبضت على القبلات،

وأشياء كثيرة أريد نسيانها.