بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 22 يوليو 2018

سوق العمل... بين الحاضر والمستقبل

العمل هو اللبنة الأساسية في الاقتصاد. عملُ الإنسان أو عملُ الآلة ومنتجاتهما. والآلة هي عصب الصناعة منذ نهاية القرن الثامن عشر. ودورها في تزايد مستمر. فقد كان في البداية للقيام بأعمال لا طاقة للإنسان بها فكانت المحركات البخارية كفيلة بها. وتطور الأمر إلى قيام الآلات بأعمال دقيقة لا طاقة للإنسان بها أيضاً، كما في حالة صناعة الشرائح الإلكترونية الموجودة في كل أجهزة الاتصال والحواسيب. وبين هاتين المرحلتين كان التطور التكنولوجي حثيث الخطى لا يتوقف. وبما أن عامل الربح هو عامل هام في أي اقتصاد، لذا سار هذا التطور نحو الاستغناء عن الإنسان العامل والاستعاضة عنه بالآلة التي لها أن تعمل النهار والليل بلا كلل أو تذمّر وكل ما يرافق ذلك من اضطرابات.

ومع تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ودخول الذكاء الصنعي الميدان، أصبح للآلات دور أكثر أهمية، ويمكن لها في القريب أن تؤثر على سوق العمل التي كان الإنسان بطلها شبه الوحيد في بداية القرن العشرين، وبقي كذلك حتى ثمانينيات القرن العشرين عندما بدأ الإنسالي (الإنسان الآلي) بالظهور في مصانع التعدين والسيارات للقيام بالمهمات الشاقة عموماً ومن ثم المهمات الدقيقة جداً، وكسب قصب السبق في الميدانين. وهو اليوم يقوم بمهمات اعتقدنا لزمن طويل أن الإنسان هو الوحيد القادر على القيام بها، مثل حراسة المباني أو أعمال الخدمة في المشافي كتقديم الوجبات للمرضى وكذلك الدواء وبعض العمليات الروتينية الأخرى. وبعض من الإنساليات يقوم بالعمل ضمن المستودعات على نحو فائق الدقة سواء في التفريغ أو التحميل تمهيداً للشحن. هذا كله إذا نسينا ما تقوم به الحواسيب من أعمال إدارية وأنظمة الذكاء الصنعي المركبة عليها في مجالات الطب والمحاماة وغير ذلك.

الإنسالي أو الأتمتة آخذين بالحلول محل الإنسان العامل بالرغم من تزايد القوة العاملة في العالم نتيجة الزيادة السكانية. ولكن هذا لم يمنع المصانع الصينية للإلكترونيات من استثمار ملايين الدولارات لاستبدال الإنساليات بالعاملين، وقد أمكن لبعض المصانع الاستغناء عن 80% من العاملين لديها. الباقون هم لبرمجة الآلات وصيانتها وما شابه. هذا كله في سبيل تخفيض الأسعار والبقاء في سباق المنافسات. وبحسب دراسة لجامعة أوكسفورد فإن سوق العمل في الصين ستفقد 77% من الوظائف فيها في العشرين سنة القادمة. 



شاحنات المناجم المؤتمتة
أما في إقليم بيبارا الاسترالي حيث تعمل الشاحنات المؤتمتة في المناجم دونما حاجة لسائق أو عامل مناجم، فهي تحفر وتنقل إلى المستويات العليا. وهذه الشاحنات وغيرها تقاد من على بعد 1300 كم حيث يقوم 400 عامل بإدارة 15 منجماً و 31 بئراً وأربعة مرافئ و 1600 كم من شبكات النقل الحديدية، وهو ما كان يحتاج إلى أعداد جمّة من العاملين!

هذا كله سيسبب يوماً في أزمة بطالة حادة. وهي أزمة بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي، وبالرغم من وعود السياسيين بحلها إلا أنها ما فتأت تتفاقم. فنسب البطالة تجاوزت 10% من القوة العاملة في الدول الأوروبية بالرغم من زيادة نسبة المؤهلين فنياً وعلمياً بالقياس إلى ما كانت عليه في ستينيات القرن الماضي. وغير ذلك فقد تحولت بنية عقود العمل التي كانت في معظمها عقود ثابتة إلى عقود عمل مؤقتة أو ما شابه. تقول دراسات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للدول المتطورة OECD بأن 57% من وظائف هذه الدول ستتأثر بأتمتة العمل، وأن نحو 5 ملايين وظيفة ستختفي في الدول الخمس عشرة الأكثر تطوراً في السنوات القليلة القادمة. صحيح أن التكنولوجيا الحديثة سمحت بخلق وظائف جديدة ولكنها وظائف تتناقص بسرعة مع الزيادة في كثافة الأتمتة.

جانب من مصنع مرسيدس
البعض يقول بأن هذه الأتمتة ستسمح للإنسان بأن ينعم بحياة أفضل، حياة بلا عمل، لكن لا نعرف حتى الآن كيف يمكن مقاومة الملل ومشتقاته. البعض الآخر يقول بأن هذه الآلات والبرمجيات بحاجة دائمة إلى أعمال صيانة وأن في هذا سوق كبيرة للعمل... ولكن المشكلة أن الآلات تتعلم الآن صيانة نفسها وكذلك البرمجيات! ... فما العمل؟ ... من المؤكد ان علينا مراجعة مواقفنا من أشياء كثيرة في عالم راهن يضع الكثير من إشارات الاستفهام على جوانب من عالم قريب عرفناه وننتقل منه إلى عالم جديد بتصوراته وعقائده وقيمه ... لنأمل بأن المستقبل سيحمل حلولاً لقضايا من صنعنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق