بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 14 يوليو 2018

النوم والتكنولوجيا

اتخذ النوم مع الثورة الصناعية صيغة غير تلك التي نعرفها اليوم، فقد كان النوم على فترتين يمكن أن يصل مجموعهما إلى نحو عشر ساعات. ولكن المصانع وبعدها عن أماكن السكن، وكيفية تنظيم العمل وغير ذلك تطلب أن يمتد العمل لعدد من الساعات المتواصلة بحيث يكون نوم العاملين لفترة واحدة لا تقل عموماً عن ثمان ساعات، واضطرت باقي الفئات من فلاحين وموظفين في الدولة وغيرهما إلى التكيف مع ذلك لصبح النوم لفترة واحدة منذ مطلع القرن التاسع عشر وحتى اليوم. وما القيلولة ربما إلا من بقايا نوم الفترتين.

ولكن تدخل التكنولوجيا في النوم لم يتوقف عند ذلك فقط. فقد كان النوم في القرن التاسع عشر يبدأ مع ساعات الليل الأولى والاستيقاظ مع خيوط النهار الأولى. وفي بداية القرن العشرين انتشرت الكهرباء في بعض مدن العالم، وشملت معظمها قبل انتهاء النصف الأول من القرن العشرين. وهذه الكهرباء أتاحت لأصحاب الحلات البقاء في متاجرهم حتى ساعة متأخرة من الليل. وفي بداية القرن العشرين كان متوسط نوم الفرد الأمريكي عشر ساعات يومياً انخفضت في عام 2013 إلى ست ساعات وواحد وثلاثين دقيقة فقط، وكانت في الجيل السابق من مرتبة ثماني ساعات يومياً وهو الجيل الذي عاش ثورة التلفاز والسهر لمتوسط ساعتين زيادة عما كان عليه الأمر في مطلع القرن العشرين.


وهذا الانخفاض إلى ست ساعات وواحد وثلاثين دقيقة ليس سببه الكهرباء فقط وإنما أجهزة الاتصالات وشاشات الحواسيب عموماً أو كل ما يصدر عما نسميه بالضوء الأزرق. فهذا الضوء يؤخر ارتشاح هرمون النوم الذي يسمى "الميلاتونين"، وهذا التأخير يؤدي إلى اختلال في ساعة النوم المعهودة وتأخرها عن موعدها العادي.

وفي غير هذا فإن دولاً مثل الولايات المتحدة وفرنسا والصين والهند وكندا وهولندا وغيرها تبحث عن التحكم بساعة نوم جنودها لإبقائهم مستيقظين أثناء قيامهم بمهمات محددة كما هو الأمر في حالة الطيارين الذين يقومون بمهمات طويلة أو بمهمات عاجلة قدد تتوافق وساعة نومهم لذا يجب إبقائهم يقظين وكذلك حراس النقاط الاستراتيجية. وقد توصلت بعض هذه الدول إلى إنتاج أدوية قادرة على بقاء متناوليها لفترة 48 ساعة بلا نوم، أي بفعالية أعلى بثمان مرات من الكافئين! وهذا الدواء يستعمل اليوم في بعض الفعاليات المدنية مثل العاملين في الإسعافات الطبية...

لقد غيرت التكنولوجيا في الإنسان أشياء كثيرة وكأنه اخترعها للإساءة إلى نفسه. فالنوم القليل يؤدي، فيما يؤدي، إلى السمنة والإصابة بالسكري، وهذا غير المشاكل القلبية... هذا طبعاً دون الحديث عن جودة النوم، وهي جودة مشكوك بأمرها في المدن وضجيجها الناجم عن الآلات المختلفة ومحركاتها. وهي أمراض زادت مع التقدم التكنولوجي. تقدم له محاسن بالتأكيد، ولكن كان من الأولى أن نراقب ما عهدت به الطبيعة إلينا وألا نخل به حتى لا تختل معه حياتنا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق