من النادر أن نجد اتفاقاً على معنى "الذكاء". هناك تعاريف مثل
التعريف المعجمي: ذَكاءُ الإِنْسانِ:
قُدْرَتُهُ على الفَهْمِ والاِسْتِنْتاجِ والتَّحْليلِ والتَّمْيِيزِ بِقُوَّةِ
فِطْرَتهِ وَذَكاءِ خاطِرِهِ. والمعجم يميز بين ذكاء الإنسان والذكاء الاجتماعي
وغير ذلك. ومع هذا فالتعريف أعلاه يعتمد على مفاهيم تحتاج إلى تعريف وتوضيح مثل
الفهم والفطرة وذكاء الخاطر!
إلا أننا بدأنا بسماع
تعبير "الذكاء الصنعي" منذ ستينيات القرن الماضي، بمعنى إكساب بعض
الآلات قدرة على القيام بأفعال ليست تعاقبية بالضرورة وإنما تتصرف على نحو مختلف
باختلاف السياق. الهدف من ذلك هو: التسريع في العمل وتوفير الجهد ومن ثم التوفير
في الكلفة، وكذلك مراكمة الخبرة. وما دعا إلى ذلك أو حرضه هو توفر الحواسيب
بقدرتها الهائلة في الحساب، وتزايد هذه القدرة مع الزمن وكذلك توفر الذاكرة (مخزن
المعلومات) على نحو كبير ومتزايد.
من أبسط الأمثلة كانت
مسألة التعامل مع النقود. معرفة الورقة النقدية التي تمر أمام جهاز خاص، والقيام
بالصرافة بأوراق نقدية أخرى (أصغر قيمة) مع ما يتضمن ذلك من التعرف إلى الأوراق المزورة
أو التي تنتمي إلى عملات أخرى. وكذلك التعرف إلى الشيكات، بدءاً من وجهها الصحيح
وحقيقيتها (ليست مزورة) وتحويل مضمونها من حساب موقعها (التعرف إلى توقيع صاحب
الحساب) إلى حساب الشخص مودع الشيك (الذي توضع بياناته على الوجه الثاني للشيك
طباعة لحظة إيداعه). ومثل هذه الآلة التي تتمكن من القيام بمثل هذه الأعمال
المحددة نقول عنها إنها تتمتع بذكاء صنعي.
ومثل هذا
"الذكاء" هو ليس إلا تنفيذاً لبرنامج في الحاسوب المتصل بهذه الآلة، وهذا
البرنامج يتضمن كل الحالات والاحتمالات الخاصة بهذه المسألة. والذكاء هنا هو بأن الآلة تقوم بعمل يحتاج منا إلى التفكير أثناء قيامنا به بأنفسنا. وفي
عملها تتصرف كما لو أنها تفكر تماماً مثلنا. مع كل ما في ذلك من مزايا مقارنة
بالإنسان، مثل أنها لن تتأثر بالمؤثرات الخارجية أثناء قيامها بعملها، ولن ينقطع
حبل أفكارها، ولن تتأثر بشخص من يتعامل معها، امرأة أم رجل، أسود أم أبيض، وستقوم
بعملها بسرعة كبيرة، وبقدرة هائلة في إجراء الحسابات. فالحاسوب "ديبلو" الذي فاز على
بطل العالم كاسباروف، فاز عليه في مقدرته الهائلة في حساب الاحتمالات ونتائج كل
حركة. وعلى كل حال فالإنسان هو من علمه اللعب.
ولكن مثل هذا الذكاء
الصنعي نسميه اليوم بالذكاء الصنعي الخفيف. وهناك ذكاء صنعي أكثر تطوراً يعتمد على
تعليم الآلة كيف تتعلم من الحالات التي تواجهها. ونسمي ذلك بـ"التعليم
العميق". فالحواسيب التي تعلمت تحليل الأمراض السرطانية (مثل الحاسوب واتسون)
والتي تقدم برامج علاج، سيتحسن أداؤها عندما تحاط علماً بنتائج برامج العلاج التي
تقدمها، وعندما تحاط علماً أيضاً بنتائج التحاليل الإضافية التي تطلبها، مما سيعزز
في كلتا الحالتين معلومات أو معارف (خبرة) حاسوب الأمراض السرطانية.
وقد تحقق هذا في آلة (برنامج) ألفاغو التي تعلمت لعبة الـ "غو". فقد فازت في مطلع عام 2015 ضد بطل أوروبا بنتيجة 3 إلى 2. وفي خلال ستة أشهر من اللعب والتعلم من لعبها، كما يفعل الإنسان، استطاعت ألفاغو من الفوز ببطولة العالم بنتيجة ساحقة. وكذلك الأمر بالنسبة لسيارة غوغل التي تسير بلا سائق، وإن لم يكن ذلك بلا حوادث ولكنها أقل بكثير من عدد الحوادث التي يرتكبها سائق إنسان.
وقد تحقق هذا في آلة (برنامج) ألفاغو التي تعلمت لعبة الـ "غو". فقد فازت في مطلع عام 2015 ضد بطل أوروبا بنتيجة 3 إلى 2. وفي خلال ستة أشهر من اللعب والتعلم من لعبها، كما يفعل الإنسان، استطاعت ألفاغو من الفوز ببطولة العالم بنتيجة ساحقة. وكذلك الأمر بالنسبة لسيارة غوغل التي تسير بلا سائق، وإن لم يكن ذلك بلا حوادث ولكنها أقل بكثير من عدد الحوادث التي يرتكبها سائق إنسان.
بقي أن نقول إن نوعاً
ثالثاً من الذكاء الصنعي يدور الحديث والأبحاث حوله، هو الذكاء الصنعي القوي، حيث
ستتمكن الآلة فيه من أن تعي نفسها مثل كل المخلوقات... وللحديث تتمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق