بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 21 فبراير 2018

نيكولا سندرسون ... الرياضياتي الأعمى وديدرو الفيلسوف

هو بريطاني من مواليد منطقة يوركشاير لعام 1682 أصيب بالجدري وهو في السنة الأولى من حياته ففقد بصره. ولكن هذا لم يمنعه من تعلم اللاتينية (لغة العلم في ذلك الوقت) والإغريقية ودراسة الرياضيات. وتعلم وهو صغير قراءة الكتابة المنقوشة على الحجر عبر اللمس. تابع دراسته في مدارس مختلفة. ووصل إلى كامبردج عام 1707 حيث اذن له البرفسور ويليام ويستون بإلقاء محاضرات في الرياضيات والفلك والضوء. وفي عام 1711 احتل كرسي ويستون في كامبردج وهو الكرسي المسمى بكرسي لوقا نسبة إلى مؤسسه هنري لوقا أول أستاذ للرياضيات في جامعة كمبردج. شغل هذا الكرسي إسحق نيوتن في فترة سابقة. انتخب سندرسون زميلاً في الجمعية الملكية عام 1718.

كان سندرسون صديقاً لمجموعة من أبرز الرياضياتيين في عصره مثل إسحاق نيوتن. ومع أنه كان فاقداً للبصر إلا أن حاستي السمع واللمس كانتا متطورتين لديه وكان قادراً على إنجاز عمليات رياضياتية معقدة للغاية ذهنياً باستخدام ذاكرته العجيبة. اخترع آلة للحساب باستخدام الدبابيس يمكن استخدامها لإجراء عمليات حسابية عن طريق اللمس عرفت يومها "بالحاسبة اللمسية" وصفها في كتابه "مبادئ الجبر". شرح في أماليه الدراسية أعمال نيوتن وخاصة طرق الاشتقاق وحساب المشتقات، وجعلها في متناول طلاب السنوات الأولى في الجامعة. نشرت أعماله بعد وفاته بمرض الأسقربوط عام 1739. ومن بين النظريات التي يحتمل جداً أنه كان أول من برهنها ما يعرف اليوم بنظرية بايس المنسوبة إلى توماس بايس المعاصر لسندرسون والتي عثر على برهانها بين أوراقه غير المنشورة والموجهة إلى طلابه. وهي نظرية في الاحتمالات المشروطة. وهي عن احتمال حدوث شيء في ظرف معين أو شرط محدد، كما هو الأمر مثلاً في حساب احتمال إصابة شخص بسرطان ما. وهذا الحساب يؤخذ فيه الجنس والمنطقة التي يعيش فيها الشخص والعمل وأمور أخرى، ولكن حساب الاحتمال هذا سيتغير تماماً إذا أخذ شرط العمر في الحسبان، وعندها سيكون الاحتمال أكثر دقة.... أبعده الله عنا وعنكم جميع.

استخدم الفيلسوف الفرنسي الشهير ديدرو (1713-1784)، صاحب أول موسوعة فرنسية، حالة سندرسون لإثارة سؤال عن كيف يمكن لشخص الحصول على المعارف عن طريق العقل فقط ومن دون الحواس. كان ذلك في مقال عنوانه "رسالة عن العميان موجهة للمبصرين". وهم الذين لا يقدرون على تصور الفضاء من حولهم أو معرفة الأشكال أو تقدير المسافات والأبعاد أو الاستمتاع بجمال لوحة. أراد ديدرو أن يشير بذلك من جهة إلى الصعوبة الكبيرة التي يمكن أن يواجهها من يستعيد البصر في إدراكه للوسط حوله. والإشارة إلى تساوي الجميع، المبصرين وغيرهم، فيما يتعلق بتصور الأحداث الماضية، مثل تلك المتعلقة ببداية الكون. ومن جهة أخرى إلى التشكيك بعميمية (كونية) المفاهيم،الأخلاقية والدينية مثلاً، التي ستكون مختلفة لدى فاقدي البصر عما هي لدى المبصرين، لاعتماد إدراك أو تمثل هذه المفاهيم على الحواس المحرضة للمشاعر والانفعالات. 

لم يكن ديدرو يعرف بأن كرسي سندرسن سيحتله يوماً شخص فقد بعض حواسه أيضاَ دون أن يمنعه ذلك من أن يكون من بين أعظم فيزيائي ورياضياتي العصر الراهن... إنه ستيفان هافكنغ، ذو المواقف الأخلاقية في الكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق