بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 3 فبراير 2018

ناهض سقراط الديمقراطية... فقتلته

بدأت الفلسفة مع السياسة والتساؤل عن كيفية الحكم وعدالته، وهي فلسفة بدأت في بلاد الإغريق منذ القرن السادس قبل الميلاد. أنتج التساؤل عن طريقة وكيفية الحكم نموذجاً سميّ بالديمقراطية بمعنى "حكم الشعب". عرفت المدن اليونانية القديمة هذا النمط من الحكم حيث كان لمجلس كبير (نحو 6000 عضو) منتخب بالقرعة إمكانية مناقشة القرارات الخاصة بالمدينة والتصويت عليها. وهذه القرارات كانت من إعداد مجلس صغير (الشيوخ) منتخب (نحو 500 عضو). مدة ولاية كل من هذين المجلسين سنة واحدة فقط. وهذا النوع من الديمقراطية هو المسمى بالديمقراطية المباشرة. ولكن الأمر لم يكن مثالياً في أثينا، فالناس طبقات، من أغنياء ومتوسطي الحال وفقراء. وليس للنساء شأن لهن بالسياسة. كذلك لا صوت إلا للأحرار، أي أهل أثينا فقط إذا كان الأمر يتعلق بها.

ولكن شيخ الفلاسفة سقراط لم يكن من أنصار الديمقراطية، بحسب ما جاء على لسانه في الجزء السادس من كتاب الجمهورية لأفلاطون. فهو يقول بأن السفينة لا يقودها ركابها، ولا يؤخذ رأيهم في توجيهها، وإنما الأمر هو من اختصاص الربان وطاقم السفينة. أي أن المسألة مسألة فنية يقوم بها المختصون دون غيرهم. أما الانتخاب فهو أمر لا يمكن الاتكاء عليه، إذ كيف يمكن ضمان أن الناخبين قادرون فعلاً على التمييز بين المرشحين وانتخاب الأفضل. فالمشعوذ المفوّه سيكون أكثر قدرة على إقناع الناس بشعوذته وأدويته من الطبيب الحكيم العارف الذي لا يجيد الخطابة. لذا فإن الانتخاب هو مهارة يجب تنميتها وتعلمها ككل المهارات الأخرى. والانتخاب بالنسبة له يجب أن يكون محصوراً بفئة من الناس، المتعلمين وأصحاب الرأي. أي أنه كان يدعو إلى ديمقراطية النخبة. ذلك أن ديمقراطية العامة قد تقود إلى الديماغوجيا. وأكد ما قاله بوقائع تاريخية لحكم أناس منتخبين من العامة قادوا البلاد إلى الويلات.

ولكن سقراط اتهم يوماً بغوايته للشباب بمحاولته زعزعة معتقداتهم الدينية فحكمت عليه محكمة أثينا بالموت، وهو حكم حظي بأصوات 52% من أعضاء مجلس الشيوخ. حكم جاء نتيجة ضجر ساسة المجلس الصغير من سقراط ففعلوا ما أكد أقواله تماماً.

اختفت كلمة الديمقراطية لقرابة ألفي عام لتعاود الظهور في القرن الثامن عشر. فقد عرفها أبراهام لنكولن بأنها حكم الشعب من الشعب وإلى الشعب، ولأمريكا تاريخ ديمقراطي بدأ مع أول رؤسائها جورج واشنطن، ولكن هذا لم يمنع وصول أناس إلى سدة الرئاسة دون أن يكون لهم مؤهلات ربان السفينة، كما أن تاريخ أمريكا مع الملونين وسكان البلاد الأصليين لا يمكن وصفه بالديمقراطي.


لا يزال أمر الديمقراطية يشغل فلاسفة السياسة، وهي على علاتها، كما لنا أن نستنتج من التاريخ، أفضل من حكم الفرد الواحد الأحد أو حكم مجموعة محدودة من القيمين على البلاد والعباد (الأوليغراشية). يقول فيها الفيلسوف النمساوي كارل بوبر بأنها نظام سياسي يسمح للمواطنين مراقبة مسؤوليه والتخلص من خائبيهم بدون عنف.... يبقى أن الصحافة لم تكن موجودة أيام سقراط، ولم علم بوجودها ودور الحرة منها لغيّر من موقفه من الديمقراطية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق