بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 12 أغسطس 2018

الإجهاض في العالم

الإجهاض لغة هو إيقاف أمر عن بلوغ اكتماله. مثل إجهاض مشروع أو عمل ... أو إيقاف حمل لدى الكائنات الحية قبل اكتماله. والإجهاض عند الإنسان بالمعنى الشائع اليوم هو إيقاف الحمل قبل بلوغ الجنين فترة من عدة أسابيع يختلف عددها من مجتمع إلى أخر، وهي جميعها أقل من مدة 12 أسبوعاً. بعض الإجهاض قد يكون لسبب عارض ومن دون قصد فهو إجهاض تلقائي، وآخر قد يكون لما يسببه من خطر على حياة المرأة الحامل فهو عندئذ إجهاض وقائي. وقد يكون ذلك لأسباب مختلفة، اجتماعية واقتصادية وشخصية، تدفع بالمرأة الحامل لإجراء "عملية" إجهاض والتخلص من الجنين.

وفي الحالة الثالثة تتباين مواقف المجتمعات والدول. فبعضها يسمح ضمن شروط، وبعضها الآخر لا يسمح بالإجهاض الصرف لقصد التخلص من الجنين دون سبب طبي. وفي هذه الحالة يكون اللجوء إلى الإجهاض في الخفاء وفي ظروف قد تكون خطرة على المرأة الحامل. فالإحصاءات تقول بأنه في الدول التي لا يسمح فيها بالإجهاض تصل فيها نسبة الوفيات إلى 300 مرة بأكثر من الدول التي تسمح بالإجهاض الذي يجري في وسط طبي يعتمد الأصول الطبية. وفي هذه الحالة فإن، عدد الوفيات لا يتجاوز سبع حالات من أصل كل مليون عملية إجهاض.

والدول التي لا تسمح بالإجهاض فإنما يعود ذلك إلى اعتبارات ثقافية ودينية واقتصادية-سياسية. فبعض المجتمعات، كالمجتمع الصيني، تعتقد بأن الأطفال هم من سيستقبلون الموتى في العالم الآخر بالرغم من أن الصين لا تمنع الإجهاض. وبعض المجتمعات الأخرى تدعو إلى التكاثر باعتبار أن الكثرة تعني القوة، ولهذا فهي تمانع الإجهاض. وكل الأديان تحرّم الإجهاض إلا في حالات خاصة، وخاصة جداً أحياناً، مثل احتمال تعرض المرأة الحامل للموت إذا تابعت الحمل. والأديان السماوية تنطلق من أن القتل محرّم وتستند أيضاً إلى أن الجنين من لحظة تشكله فهو يحمل، من حيث المورثات على الأقل، كل صفات الكائن الإنساني. وتشارك الفلسفة الأديان في ذلك. والبوذية تعتبر أن الجنين هو كائن مكتمل الأوصاف لأنه يقوم برد فعل ما إزاء مؤثر خارجي ما وذلك من اللحظات الأولى لتكوينه. والواقع أن هذه المسألة شائكة لا يمكن كما يبدو الوصول فيها إلى حل يوافق بين الاعتقادات والحاجات والظروف، وتبقى إلى حد كبير مسألة شخصية تقرر فيها المرأة الحامل موقفها، فهي المعنية بذلك في نهاية المطاف قبل أي شخص آخر... فالمرأة الفقيرة تقول ليس بإمكاني أن أطعمه، وتقول لها الأديان بأن الرب يرزقه، وترد هي قائلة: فإذا كان رزقه مثل رزقي فلما أنجبه وأبلونه!... هذا طبعاً غيض من حالات لا حصر لها تتنازع فيها مسألة الإجهاض مع متابعة الحمل.

ولكن قبل الإجهاض وكل ما يترتب عليه من مسائل وجروح نفسية، فإنه لمن الأفضل ألا يقع الحمل على الإطلاق. وهذا ما يمكن تحقيقه بنسب عالية عن طريق التوعية واستخدام كل الأدوات المتاحة لمنع الحمل. ومن الخطأ الظن بأن وجود قوانين تمنع الإجهاض سيكون من نتائجها عدم وقوع الحمل والإجهاض. وتشير الدراسات الحديثة إلى تراجع نسب الإجهاض في الدول التي لا تمنعه اليوم مقارنة عما كان عليه الأمر فيها منذ عقود قريبة. ويعزى ذلك إلى التعاطي المفتوح مع كل ما يخص العلاقات الجنسية وما يترتب عنها من حمل وأمراض مثل الإيدز، وكيفية الوقاية من ذلك ومن عدم وقوع الحمل... وفي كل الأحوال فإن السماح بالإجهاض أو لا لن يؤثر إلا في الظروف التي يتم فيها الإجهاض... إما ظروف صحية سيئة وخطرة أو ظروف صحية معيارية وآمنة. والإجهاض أمر محفوف بالمخاطر، الصحية والنفسية، إن لم يجري في ظروف معيارة ومن قبل أناس مدربين لهذا الغرض ولديهم كل وسائل المساعدة الصحية...عدد الإجهاضات السنوية يصل إلى نحو 55 مليون إجهاض، 85% منها تحدث في الدول النامية التي لا يسمح العديد منها بالإجهاض قانونياً مما يتسبب بوفاة نحو 47 ألف امرأة سنوياً!

بقي أن نقول إن بعض المجتمعات التي تسمح بالإجهاض فإنما يستغل ذلك لأغراض لا يمكن وصفها دائماً بالأخلاقية. ففي أوكرانيا مثلاً سرت لفترة تجارة الأجنة التي بلغت من العمر 12 أسبوعاً وذلك لاستغلال خلاياها في عمليات تجميلية تطيل شباب من يخضعون لها، وهذه مسألة لا مصداقية لها ولكنها تجلب المال إلى عيادات مختصة بذلك في موسكو. أما في دول مثل كوريا والصين وبعض الدول الأخرى حيث يستغل عدم منع الإجهاض إلى إجهاض النساء إذا كان الجنين أنثى وذلك لتفضيل الذكر في هذه المجتمعات على الأنثى!!... الثمن كان في أن عدد الذكور أصبح أكبر من عدد الإناث، وأن عدة ملايين من شباب هذه البلاد يبحثون عن زوجات يسكنون إليها ولا يجدون إلى ذلك سبيلا!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق