بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 4 ديسمبر 2017

خمسون سنة على أول زراعة للقلب

في الثالث من كانون الأول لعام 1967 جرت في جنوب أفريقيا أول عملية ناجحة لزراعة القلب لإنسان قام بها البرفسور كريستيان برنارد (1922-2001). استمرت العملية أكثر من تسع ساعات وشارك فيها أكثر من ثلاثين شخصاً من الطاقم الطبي. وهي العملية التي ساهمت في نجاح زراعة القلب بالرغم من أن المريض الذي أجريت له هذه العملية لم يعش لأكثر من 18 يوماً. كان المريض يعاني من مشاكل صحية عديدة وأمله في الحياة كان ضعيفاً جداً، فقلبه لم يكن يعمل سوى بثلث طاقته، إضافة إلى معاناته من السكري وأمراض تنفسية. 

معدل نجاح هذه العملية اليوم يزيد عن 50% لمدة تزيد عن العشر سنوات، وهي تزيد عن 85% لمدة عام. ويعود ارتفاع نسبة النجاح هذه إلى الاكتشافات التي تمت في ثمانينيات القرن الماضي في مجال مقاومة الرفض المناعي للجسم المستقبل للقلب المزروع.

المقصود بهذه العملية هو زرع قلب معافي يعود إلى شخص ما دخل في حالة موت دماغي، أي لا رجاء له في الحياة، مكان قلب مريض لم يعد ممكنناً معالجته بأية طريقة طبية متوفرة. ومن الطبيعي هنا أن يكون القلب المزروع خال من الأمراض، كما على المريض الذي سيزرع في جسده القلب أن تتوفر فيه الشروط اللازمة للزراعة مثل: أن يكون القلبان متماثلان في الحجم ضمن حدود اختلاف من مرتبة أقل من 10%، كذلك تواءم الزمر الدموية للمانح والمتلقي، وأن يكون القلب المزروع قادراً على ضخ الدم في جسد المريض المزروع فيه. إضافة إلى شروط فنية أخرى يكون صاحب الرأي الأخير في تحققها إجمالاً فريق الأطباء المختصين.

وفي كل الأحوال فإن عملية زراعة القلب يجب أن تجري بسرعة كبيرة اعتباراً من لحظة نزع القلب من المانح ونقله بسرعة كبيرة إلى المشفى الذي ستجري فيه العملية والذي يعيش المريض المتلقي على مقربة منه. وفي هذا المشفى يبدأ في الحال الاستعداد للعملية بدءاً من الاختبارات اللازمة على المريض واستعداده للعملية وتحضير الفريق الطبي وغرفة العملية للبدء فور وصول القلب. المدة المثلى بين نزع قلب المانح وبدء عملية الزراعة هي أربع ساعات، وكلما زادت هذه الفترة كلما ضعفت حظوظ نجاح العملية، لذا غالباً ما تستخدم الطائرة في نقل القلب الذي ستجري زراعته.

يبقى المريض في المشفى لمدة أسبوعين أو ثلاثة يكون فيها تحت المراقبة المشددة، ويبدأ في تناول أدوية مقاومة النظام المناعي للمريض للقلب الجديد، وهي أدوية سيستمر المريض بتناولها طيلة حياته. وهذا الرفض قد يشتد مؤدياً إلى تعقيدات قد تضع حداً لنجاح العملية النهائي، يضاف إلى هذه التعقيدات إمكانية الإصابة بالتهابات أو أورام يمكن لها أيضاً أن تجهض نجاح العملية. كل هذا يفسر انخفاض نسبة نجاح هذه العملية.

وأياً ما كان، فإن إجراء هذه العملية ليس بالممكن دائماً، بسبب الاحتياجات الفنية الضخمة اللازمة التي لا تتوفي في الكثير من الدول والمشافي. ففي فرنسا مثلاً يمكن إجراء هذه العملية في 29 مشفى فقط. وغير ذلك فإن توفر قلب من مانح يتوافق مع مريض محتاج في الزمان والمكان اللازمين ليس بالأمر الهيّن ايضاً مما يطيل في لائحة المنتظرين ... الذين لا تستطيع قلوبهم الانتظار!

بقي أن نقول إن البرفسور برنارد توقف تماماً عن إجراء العمليات الجراحية وهو في الستين من العمر بسبب تيبس في مفاصل اليد، وهو تيبس رافقه في معظم حياته المهنية إلى أن أوقفه تماماً عن العمل. توفي البرفسور برنارد أثناء إجازة في قبرص، قيل إن سبب الوفاة هو أزمة قلبية، ولكن لا شيء من هذا وإنما كان بسبب نوبة قاتلة من الربو... فصدق عليه المثل: طبيب يداوي الناس وهو عليل!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق