لا يوجد تأريخ قاطع
عن الغساسنة، فلا أحد يعرف لماذا سموا كذلك، وتقول الأخبار بأنهم من أزد اليمن
ارتحلوا إلى منطقة الأردن وسهل حوران وفلسطين في القرن الثالث الميلادي، بين عامي
250م و 300م، عقب انهيار سد مأرب؛ وكانت الموجة الثانية في نهاية القرن الرابع
الميلادي. وأول ذكر مكتوب يمكن الاستناد إليه يعود إلى عام 473م ضمن اتفاقية بينهم
والبيزنطيين تعترف بهم كمملكة تابعة لبيزنطة وإحدى محمياتها وبسيادة الغساسنة على
الأجزاء الجنوبية الغربية مما يسمى اليوم بالهلال الخصيب. أما تسميتهم بآل جفنة
فلانتسابهم فيما يقال إلى جد أعلى اسمه "جفنة بن عمرو مزيقياء بن عامر"
أو إلى قبيلة جفنة اليمنية، أو من "الجفن" وهو "الكرم"، وجفن
السيف وجفن الإنسان. أي أننا مرة ثانية لا نعرف بالضبط سبب التسمية.
وفي كل الأحوال فقد
كان دور الغساسنة مع البيزنطيين كحال اللخميين المناذرة مع الفرس، أي كان عليهم
حماية ظهر الرومان الشرقيين ومن ثم البيزنطيين من هجمات القبائل، وخاصة اللخميين،
على إمبراطوريتهم ومساعدتهم في حروبهم ضد الفرس. وهذا ما كان. وكانت لهم الريادة
على قبائل عربية أخرى تعاملت مع البيزنطيين مثل بنو عاملة وبنو جذام. كانت مدينة
"الجابية" الواقعة بين حوران والجولان عاصمتهم، وهي مدينة تحولت فيما
بعد إلى معسكر للدولة الإسلامية ومدينة استجمام لأوائل الخلفاء الأمويين. كما أقام
الغساسنة علاقات تحالف مع القبائل التي كانت في منطقة الحجاز وصولاً إلى المدينة
يثرب، وأمنوا بذلك طرق التجارة. دعم الغسانيون البيزنطيين أيام الحارث بن جبلة
(529م-569م) ضد الفرس الساسانيين، وأنعم عليه بأعلى لقب منحته بيزنطة لمسؤول أجنبي
وأصبح ملكاً على كل حلفاء بيزنطة العرب.
رسم تصويري للحارث ملك الغساسنة |
عرفت مملكة الغساسنة
فترة ثراء اقتصادي جعلتها تستثمر في الأبنية العامة والدينية، وكان تأثير ذلك
واضحاً على ما قامت به الدولة الأموية فيما بعد. فقصر ابن وردان مثلاً هو غساني
الأصل. كما أثرت في الفنون في القرن السادس، واستضافت بعض أهم الشعراء العرب مثل
النابغة الذبياني وحسان بن ثابت في قصورهم.
كان الغساسنة
مسيحيين على مذهب الطبيعة الواحدة للمسيح في بداية الأمر واستمروا في ذلك فترة
طويلة وكانوا وراء انتشار هذه العقيدة في الكنيسة الشرقية، والبعض يشير إلى تأثير
مذهبهم هذا في الديانة الإسلامية التي نشأت على مقربة منهم. وهم دخلوا المسيحية بحكم
الجغرافيا، حيث عاشوا على مقربة من جماعات مسيحية تتحدث اليونانية، كما أن بعضهم
كان مسيحياً قبل هجرتهم من اليمين إلى أرضهم الجديدة. ولكن مذهب
الطبيعة الثنائية للمسيح منذ القرن السادس وبتوصيات المجمع الخلقيدوني (عقد عام
451) بدأ بالانتشار بين الغساسنة منذ عام 510 دون أن يصبح المذهب الأعم، فقد كان دفاع المنذر بن الحارث (569-581) عن مذهب الطبيعة الواحدة سبباً في برود العلاقات مع بيزنطة.
شارك الغساسنة في
معركة اليرموك مع العرب ضد البيزنطيين الذين تركوا الجنود الغساسنة بلا رواتب
لفترة طويلة فانقلب قرابة 12 ألف جندي من جهة البيزنطيين إلى الجهة العربية لينقلب
التوازن بين الطرفين (فيصبح الجيش الإسلامي 32 ألفاً والجيش البيزنطي 28 ألفاً).
غزا الفرس بلادهم عام 614 ولم تدافع عنهم بيزنطة بحجة أن اتفاق الحماية بينهم
انتهى عام 584م، وانتهت مملكة الغساسنة مع معركة اليرموك. وقلة منهم اعتنقت
الإسلام.
وبعد سقوط دولة الغساسنة ذهب الأسرة المالكة والأسر الغنية إلى بيزنطة لتتابع حياتها هناك، حيث أقام الملك جبلة بن الأيهم حكومة في المنفي، وأثروا في الإمبراطورية البيزنطية، وكان منهم الإمبراطور نيكفوروس الأول (802-811م) وسلالته.
وبعد سقوط دولة الغساسنة ذهب الأسرة المالكة والأسر الغنية إلى بيزنطة لتتابع حياتها هناك، حيث أقام الملك جبلة بن الأيهم حكومة في المنفي، وأثروا في الإمبراطورية البيزنطية، وكان منهم الإمبراطور نيكفوروس الأول (802-811م) وسلالته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق