بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 30 سبتمبر 2018

حدائق الحيوان البشرية

نعم إنها حدائق حيوان يعرض فيها البشر ليشاهدهم زائرو هذه الحدائق. اشتهرت هذه الحدائق في العالم الغربي بما في ذلك اليابان وإن كان في وقت متأخر. الهدف متغير بحسب الظروف والزمن، لكن الخلفية هي نفسها: الاعتقاد بأن الآخرين (من غير أهل الغرب) دونهم سوية ويثيرون من الفضول ما يستحق عرضهم للفرجة. هذا في أحسن الأحوال، ولم يكن الأمر يخلو من عنصرية فجة وكان في معظم الأحيان لتبرير دول الغرب المستعمر أمام شعوبها بأن استعمارها لباقي العالم هو لنشر الحضارة بين هؤلاء المتخلفين الهمج الذين نعرضهم أمامكم، وليس لاستغلالهم أو استغلال بلادهم ونهبها.

بدأ الأمر عقب أول رحل كولومبوس إلى أمريكا الوسطى إذ جلب معه ستة أشخاص من هنود تلك البلاد إلى البلاط الاسباني ربما بهدف إكساب رحلته بعض المصداقية والحصول على دعم كاف لرحلته الثانية. وتكرر ذلك في أكثر من بلاط في أوروبا، من فرنسا إلى الدانمارك وإنكلترا. كل هذا كان يحدث في أماكن محدودة حتى مطلع القرن التاسع عشر. حيث بدأ جلب أناس، فرادى أو جماعات، يتميزون ببعض الغرابة في أشكالهم كالقصر أو الطول أو البدانة أو البرص أو الشفاه أو الآذان المدلاة أو أشياء أخرى وعرضهم فيما يشبه السيرك وذلك مقابل قطع نقدية. ولكن كانوا كلهم من العالم "غير المتحضر".
سراتجي براتمان (1789-1815)الأفريقية الجنوبية التي أحضرت
إلى أوروبا لاشتهارها بمؤخرتها الضخمة

تطور الأمر ليكون العرض في حدائق خاصة، بما فيها حدائق الحيوانات، أو المشاركة في عروض خاصة في الغرب دائماً. حيث كان يجلب أفراد أو مجموعات كاملة تترك لتتصرف وكأنها تعيش في بلادها أمام أعين الفضوليين. الهدف هنا كان لإظهار مستوى حياة أهل المستعمرات ومعارفهم وإقناع شعوب الغرب "بحكمة" قياداتها في احتلال الغرب لبلاد هؤلاء الناس. ومع هذا فإن في الأمر صناعة وتجارة، فقد كان ذلك يُدرّ على منظمي تلك الأنشطة عائداً مالياً.
محاكاة لقرية نيجيرية سنغالية في المعرض الاستعماري في باريس عام 1907
وأصبحت هذه العروض جزءاً من المعارض الدولية التي كانت تقام في أوروباً سنوياً والتي كان يؤمها ملايين الزوار من مختلف دول الغرب. واستمرت هذه العروض و"حدائق الحيوانات البشرية" حتى منتصف القرن العشرين. وأحصي عدد زوار العروض وحدائق الحيوان البشرية بنحو مليار ونصف زائر بين عامي 1800 و 1958. يمكن مشاهدة بعض الصور على هذا الرابط.
 أوتا بنغا من أقزام أوغندا في حديقة حيوان نيويورك عام 1906

اختفت هذه الحدائق منذ بضعة عقود وإن كانت قد تراجعت كثيراً منذ ثلاثينيات القرن العشرين بسبب مقاومة المجتمع الغربي لهذه العروض التي تتنافى وحقوق الإنسان كما حددها الغرب نفسه... ربما كان هذا بعض من سبب توقف هذه العروض، وربما لتوفر وسائل تسلية ومعرفة أخرى مثل المذياع والتلفاز والسينما. لكن هذا لم يمنع استمرارها عبر وسائل أخرى مثل القصص المرسومة والسينما التي كانت تظهر الهنود الحمر على أنهم متوحشون وكذلك الأفارقة في أفلام طرازان الشهيرة. لكن كل هذا خفت بريقه مع انتهاء فترة الاستعمار ... هل يمكن القول بأننا في حال أحسن اليوم!... هناك من يؤكد بأن الإنسان عموماً، وليس في المطلق، قد أيقن في الخمسين سنة الماضية بأن الحروب لا تجلب إلا المآسي وبأنها أشرّ الشرور. ولكن عند النظر حولنا يغلب علينا عدم تصديق ذلك... لا يزال الطريق طويلاً أمام الإنسان ليكون آدمياً.


هناك تعليق واحد: