بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2018

الرحلة إلى المريخ ومشاكلها


جرى لغط كثير في السنوات القليلة الماضية عن السفر إلى المريخ. البعض قال بأن في ذلك إمكانية للحياة على المريخ في حال تعذرها على كوكبنا. ولكن هذا أقرب إلى الخيال المحض منه إلى الحقيقة والفعل. فالحياة على المريخ دونها عقبات وعقبات دون أن تسمح بتقديم إمكانية فعلية لحياة بشرية مثمرة، إلا اللهم للحفاظ على الجنس البشري في حال انتفاء مثل هذه الإمكانية على الأرض والتأكد من إمكانية استدامتها على سطح المريخ حيث لا شيء يؤكد ذلك. البعض تحدث عن أسباب اقتصادية سياحية، ولكن هذا ضرب من الأوهام وضوحاً، إذ أن كلف الرحل بأكبر من أي عائد وبكثير.

ولكن الأمريكيين يؤكدون على مشروعهم بالقيام برحلة مأهولة ويضعون له الخطط، فما سببهم في ذلك؟ هناك سبب علمي تقاني. علمي فيما يخص المريخ والمنظومة الشمسية والفضاء عموماً. وتقاني بكل ما تتطلبه الرحلة من تطوير لتقانات تحتاجها الرحلة ولا يمكن تنفيذها بدون تطوير هذه التقانات. والسبب الثاني هو القول للعالم بأنها رائدة الفضاء ولا لأحد أن ينازعها هذه المكانة مثل الصين التي تبذل جهوداً كبيرة في تطوير إمكاناتها الفضائية. ميزانية وكالة الفضاء الأمريكية السنوية نحو 10 مليار دولار سنوياً. وعدد العاملين في مجال الفضاء من وكالة الفضاء أو الشركات المنفذة لطلبات هذه الوكالة يزيد عن 200 ألف شخص. وعدد العاملين في مجال الفضاء في الصين اليوم هو مثل هذا العدد، أما عن الميزانية فهي غير معلنة. ويخطط الصينيون لرحلة مأهولة باتجاه القمر خلال فترة بأقل من العقدين القادمين. وإنما هم يريدون فعل ذلك لتجريب تقاناتهم الفضائية تمهيداً للمضي لما هو أبعد. أي أن البون بين الصين وأمريكا لا يزال واسعاً ولكن تضيقه يمكن أن يتم بسرعة في حال نجاح الصينيين في رحلتهم المأهولة إلى القمر.

أما عن مشاكل الرحلة إلى المريخ فهي عديدة. أولها الطاقة اللازمة لحمل قمرة بشرية بمستلزماتها حتى المريخ. وبما أن الأرض والمريخ لا يقعان في مستو واحد في الفضاء، لذا فإن خيار المسارات محدود. وهذه المسارات يمكن أن تكون أمثلية من حيث الطاقة اللازمة مرة كل خمس عشرة سنة. والسنة الحالية هي سنة أمثلية والسنة 2033 ستكون كذلك. كما أن المعدات اللازمة للرحلة كثيرة، من بيت وطعام وماء لجماعة من الناس. وهذه كلها لا يمكن أن ترسل دفعة واحدة، بل على دفعات. محطة توليد الطاقة النووية أولاً ثم البيت ثانياً ثم الطعام والماء، ثم المخبر الخ... ثم الفريق البشري.

وهذه العمليات دونها مخاطر ومشاكل كبيرة. إذ من الواجب أن تنزل كلها على سطح المريخ وضمن دائرة أقل من  100 متر وإلا لا فائدة منها. ولكن هذا غير متاح اليوم، وأفضل دقة موجودة اليوم تتحدث عن كيلومتر واحد. وحل هذه المشكلة يحتاج إلى جهد ووقت. مشكلة أخرى هي تأمين المياه. فمهما فعلنا في أمر تدوير المياه التي سيستعملها رواد الفضاء فإن هناك فقداً لا بد منه. وكلف إرسال المياه من الأرض إلى المريخ باهظة للغاية تصل إلى 20 ألف دولار للتر الواحد. أي أن كلفة إرسال صهريج مياه هي 500 مليون دولار. ومن ثم فيجب البحث عن حلول أخرى، من بينها التقاط أجزاء من كوكيبات متجمدة والعود بها إلى المريخ، أو الحفر في الأرض واستخراج الماء من الرطوبة المتبقية في الطبقة الصلصالية. ولكن المناطق التي يتوفر فيها الصلصال لا تتجاوز 5% من سطح المريخ. إذاً يجب اختيار منطقة صلصالية صالحة للهبوط. أو البحث عن الماء المتجمد في قطبي المريخ ولكن هذا صعب للغاية. طبعاً هناك مشاكل تأمين الأوكسجين للتنفس وهذه حلها أسهل من غيرها وكذلك الطعام. فالأوكسجين يمكن الحصول عليه بتفكيك جزيئات ثاني أوكسيد الكربون المتوفر جداً على سطح المريخ، والطاقة اللازمة لهذا التفكيك إنما يمكن الحصول عليها من المفاعل النووي المقام لأغراض الرحلة.

المكوث على المريخ أو الدوران حوله محكوم، لأسباب الأمان وغيرها، بفترة شهر على الأقل وليس قبل ذلك. وإذا لم تنجح رحلة العودة في نهاية الشهر فيجب الانتظار سنة ونصف قبل المحاولة الثانية للعودة. وحول ذلك بُني فيلم بعنوان "وحيداً على المريخ"، يفشل فيه رائد الفضاء في المحاولة الأولى فينتظر سنة ونصف أخرى يأكل فيها البطاطس التي زرعها، ولنا أن نتخيل عذاب الانتظار وحيداً. والعودة كما الذهاب دونهما مشاكل تباطؤ المركبة الفضائية بحيث يكون الهبوط على الأرض أو على المريخ بما يمكن للإنسان احتماله.

ما هي الخيارات الممكنة إذاً؟ أولاً، القيام ربما برحلة مأهولة للتحليق في سماء المريخ والعودة بدون الدوران حوله. وهذه يمكن تحقيقها في غضون بضعة سنوات وسيكون هدفها اختبار وسائل النقل ومشاكلها. ثانياً، الإعداد ربما لرحلة للدوران حول المريخ وهنا ستبرز مشكلة العودة من شهر أو سنة ونصف. هذه المرحلة تحتاج إلى عشرين سنة قادمة. ويمكن التفكير في هذه الرحلة القيام بهبوط على سطح قمر المريخ. ثالثاً، الهبوط على سطح المريخ بقدره وجلاله. لا تقول التقديرات الواقعية بإمكانية تنفيذه قبل خمسين سنة...خمسون سنة يمكن للصينيين خلالها أن يكشفوا عن مواهبهم ويكون التنافس بينهم والأمريكيين في أوجه ... وسيكون باقي العالم متفرجاً، ولما لا!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق