بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 14 نوفمبر 2018

نيوزلندا... الاكتشاف والخراب

نيوزلندا هي آخر الأراضي التي وطأها الإنسان على سطح الأرض. فأمريكا سكنها الإنسان منذ نحو عشرين ألف سنة، وكذلك أستراليا التي سكنها منذ نحو خمسين ألف سنة. أما نيوزلندا فكان اكتشافها بين القرن الحادي عشر والثالث عشر وليس قبل ذلك. حدث الأمر على دفعات متتالية لم تتوقف تقريباً. فقد وطأها سكان الجزر الواقعة بين شرقي أستراليا وغربي الأمريكيتين التي تسمى جزر البولينيزيا. لذا فإن تاريخ هذا البلد هو من أقصر التواريخ.

يقع هذا البلد إلى جنوب شرق أستراليا على مسافة 2000 كم قريباً. وهو مؤلف من جزيرتين كبيرتين وجزر أخرى عديدة صغيرة. الجزيرة الكبيرة الأولى تسمى جزيرة الشمال والأخرى جزيرة الجنوب. وهذه التسمية أطلقها الأوروبيون. فأهل البلاد قبل الأوربيين كانوا يسمون جزيرة الشمال بـ "سمكة ماوي"، وماوي هو أحد أبطال أساطيرهم. أما الجزيرة الجنوبية فكانت تسمى "مياه الزمرد". أما اسم البلد كلها فلا نعرف كيف سماها سكانها الأول، وربما لم يعطوها أي اسم. واسمها الحالي أطلقه عليها الأوروبيون الهولنديون الذين بدأوا الحلول بها منذ عام 1642 مع غيرهم من الأوروبيين. وهي بمعنى "أرض جديدة في البحار أو للبحار".

رسم خارطتها الفرنسيون أول مرة في القرن السادس عشر، وأعاد ذلك مرة ثانية الكابتن الإنكليزي الشهير جيمس كوك في القرن الثامن عشر. واستفادت من ذلك الحكومة البريطانية التي كانت تريد وضع يدها على هذه الجزر ضمن عملية استعمارها للعالم بالتقاسم مع فرنسا آنذاك. هاجر إليها الأوروبيون، وخاصة البريطانيون، منذ القرن السابع عشر. وفي عام 1841 أُعلنت حكومة استعمارية بريطانية في هذه الجزر، قاومها سكان البلد الأصليين، وفي عام 1852 منحت الجزيرة استقلالاً سياسياً يقوده السكان من ذوي الأصول الأوروبية. وفي عام 1893 كانت نيوزيلندا الدولة الأولى في العالم التي تمنح المرأة حق التصويت. استقلت نيوزلندا تماماً عام 1947 مع بقائها تابعة شكلياً للتاج البريطاني. ونيوزلندا هي من بين الدول المتقدمة في العالم فهي السابعة على سلم التنمية البشرية الخاص بالأمم المتحدة. يمثل الأوروبيون أغلبية السكان في حين أن السكان الأصليين لا يزيدون اليوم عن 15%، وهناك إثنيات مختلفة تسكن هذا البلد، من الآسيويين خاصة.

على ارض هذه الجزيرة عاشت نباتات مختلفة ومتنوعة جداً، وكذلك حيوانات، وخاصة الطيور، متنوعة جداً أيضاً. ومن الحيوانات فهي لم تعرف أي نوع من الثدييات غير البحرية إلا الخفاش، ولم تعرف أي حيوان مفترس. والمفترس فيها كانت الطيور وخاصة النسر الكبير. وهو طائر كبير انقرض في القرن الخامس عشر. ويمكن الاستدلال على حجمه من حجم فرائسه التي وصل وزن بعضها إلى 230 كغ، وفريسته الأهم كانت من الطيور التي لا تطير وانقرضت أيضاً. وهذه ليست بالكائنات الوحيدة التي انقرضت. فقد انقرضت أشجار ونباتات كثيرة كانت تشكل جزءاً من غابات هذا البلد التي أتلفها الإنسان لدوافعه الاقتصادية. كثير من النباتات والأشجار التي انقرضت في هذه الجزيرة وكذلك الكائنات الحية، هي فريدة من نوعها لا شبيه لها في أماكن أخرى. لم تدوّن معلوماتها كلها، واختفت وكأنها لم توجد أبداً.

لم تعرف الأرض مخرباً بقدر الإنسان، حتى الكوارث الطبيعية لم تؤذها بقدره. فحلوله في مكان لا يترافق بالسلام ولا الاطمئنان، لا لنفسه فقط، وإنما للكائنات الأخرى. هكذا كان حاله في أستراليا لأربعين ألف سنة خلت وأكثر عندما أتى على كائناتها الضخمة، ومدغشقر التي عرفت الكائنات الأضخم التي ترافق انقراضها مع وصوله إليها، وكذلك في الأمريكيتين منذ نحو 15 ألف سنة. وآخر ما ألحق من خراب كان في نيوزلندا. ربما أنه لم يكن يعرف في الماضي أثر أفعاله ومقدار تهديدها للحياة على الأرض. ولكن الأمر غير ذلك اليوم، ومع ذلك يبقى متردداً، بل لا مبالياً أمام مصالحه الآنية. آن الأوان لكي يعي أنه إن استمر بذلك فإنما هو ملحق الخراب بنفسه... كل الشواهد اليوم تقول بتغيرات يمكن أن تكون مدمرة للحياة على الأرض. البعض يقول إن التكنولوجيا ستكون قادرة على حل مشاكل الإنسان اليوم على هذه الأرض، ولكن التكنولوجيا كانت السبب في قتل الملايين في الحرب العالمية الأولى وكذلك الثانية بما لم تعرفه كل حروب التاريخ.

يمكن، لمن يريد، مشاركة هذه الورقة... مع جزيل الشكر

هناك تعليقان (2):