بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 5 نوفمبر 2018

الجمهورية ... وجمهوريات الموز


بدأت أول الجمهوريات المعروفة عام 509 قبل الميلاد. المكان روما. الفاعل النزاع على الحكم الذي أدى إلى تخلص روما من حكامها الملوك وإقامة نظام حكم يقوم على مجلس الشيوخ والمستشارين والحكام النواب. بعض هؤلاء الحكام النواب ينتخبهم الشعب ولهم مهمات محددة. أما المستشارون فكان عددهم اثنان ينتخبهم مجلس الشيوخ، وهما قادة الدولة لمدة سنة وقراراتهما بالإجماع ولكل منهم حق الفيتو على الآخر، وفي هذا ضمان لعدم انحرافهما. أما مجلس الشيوخ فهو مجلس الملاك والأثرياء. لهذا المجلس سلطات تشريعية وسياسية ودينية واقتصادية. تغيرت صلاحيات كل من هذه المكونات الثلاث عبر الزمن وانتهى الأمر بالوصول إلى الإمبراطورية مع العام 27 بعد الميلاد.

وكلمة جمهورية في العربية هي ترجمة جميلة لكلمة republic الإنكليزية، التي اشتقت بدورها من اللاتينية من كلمتين منفصلتين هما res و puplica والتي تعني "الشيء العام" كنقيض لـ "الشيء الخاص". وهي تشير بذلك إلى الصالح العام وإلى الحكومة أيضاً والسياسة والدولة. وكل هذا يتحرك من حيث المبدأ على وقع الدستور الذي يرسم ملامح الجمهورية. والجمهورية في العربية مشتقة من الجمهور الذي يعود إليه الصالح العام. وفي الحكم تعني الجمهورية أن رأس الدولة يتغير، وكذلك القائمين على إدارة الدولة، وأن الجمهور هو من له حق التغيير. إذ لو بقي أصحاب السلطة في مواقعهم لأصبحت الجمهورية أقرب للملكية. وما تعيين مجلس الشيوخ الروماني لمستشارين (قنصلين) لفترة سنة إلا لكي لا يستطيب لهما المقام ويبقيا في الحكم معيدين بذلك مآسي روما قبل عام 509 لقبل الميلاد. وكذلك الأمر بالنسبة للحكام النواب ومجلس الشيوخ الذين يجب تغيرهما لمنع تشكل شبكات المصالح ومن ثم فساد الحكم.

وأصل تكوين الجمهورية يشير إلى أنها نقيض للحكم الملكي الوراثي. وهي لا تعني في مضمونها الديمقراطية، فبين جمهورية روما وديمقراطية أثينا فروق كثيرة. وفي الزمن الحاضر، فكثير من الملكيات هي من أعرق الديمقراطيات، مثل بريطانيا والسويد وهولندا وإسبانيا. ولكن الأمر ليس كذلك في كل الدول الملكية التي لا يزال بعضها خارج كل التعاريف السياسية، الحديثة على الأقل. والجمهورية بالمعنى العام تغير مفهومها مع الزمن. وحتى اليوم فهي لا تخضع لناظم واحد. فالكوريتان الجنوبية والشمالية جمهوريتان اسمياً، ولكن لا علاقة لأي منهما بالأخرى. كما أن جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة لم تكن تشابه جمهوريات الغرب. واليوم نجد الجمهورية الإسلامية في إيران، وهي جمهورية تختلف كثيراً عما نعرفه من الجمهوريات من حيث البنية والصلاحيات وتقاطعاتها. ومفهوم الجمهورية في الولايات المتحدة يختلف عن المفهوم الأوروبي أو الفرنسي بالتحديد للجمهورية. من حيث طريقة الانتخاب التي تجيء بالمنتخبين إلى السلطة ومن حيث الصلاحيات لمختلف المؤسسات الحاكمة.

أما جمهوريات الموز فهي جمهوريات من دول العالم الثالث تعتمد صناعاتها على منتج وحيد هو الموز، وتديرها طغمة ثرية متسلطة تدعمها الشركات المتعددة الجنسيات المختصة بالصناعات الغذائية. أول من استخدم هذا التعبير هو الصحافي والكاتب الأمريكي ويليام بورتر الذي كان يعيش في هندوراس حيث كانت تعمل الشركة المتحدة للفواكه الأمريكية في الموز بشكل رئيسي. كان رئيس هذه الشركة يقول "من الأسهل في هندوراس أن تشتري نائباً من تشتري بغلاً". ومنذ ذاك الوقت وعلى مدى خمسين عاماً مولت هذه الشركة انقلابات عدة في أمريكا اللاتينية لتسيير أمورها كما تريد. ولكن يطلق اليوم هذا التعبير على الدول التي تحكمها الديكتاتوريات ويسود فيها الفساد الذي يسمح بتحقيق كل شيء مقابل المال دونما أي رادع. أي لا سلطة فيها للقانون على النقيض من فحوى الجمهوريات التي صاغ ملامحها فلاسفة القرن الثامن عشر في أوروبا، التي أصروا فيها على الدستور أو العقد الاجتماعي المشترك الذي يحدد ضوابط العلاقة بين السياسة والمجتمع والذي عليه تبنى القوانين التي على الجمهورية أن تحترمها.

يمكن، لمن يريد، مشاركة هذه الورقة ...مع جزيل الشكر

هناك تعليق واحد: