بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 29 ديسمبر 2016

الديموقراطيات الأولى



مع نشوء المدينة كان من الضروري سياستها، أي إدارتها بتناغم بين أفرادها وضمان استقرارها وتطورها. معظم مدن التاريخ الأولى عرفت نوعاً شبه وحيد من أنظمة الحكم تتجمع فيه السلطة التنفيذية والتشريعية أحياناً بيد شخص ملك يرتبط بصلات ما مع الآلهة، وهذه السلطة ضمنت شرعية حكمه، وإن كان إلى حين. هكذا كان الأمر في مصر الفرعونية وفي سومر والصين وغيرها من الحضارات. 

لكن المدينة ونشاطها الاقتصادي وتمايز أبنائها مع مرور الوقت بين طبقات أدت إلى نزاعات من طبيعة اقتصادية واجتماعية. هذه النزاعات أدت إلى صياغة أنظمة تضمن استمرار حياة مقبولة في المدينة. عرفت ذلك على نحو خاص مدن الإغريق القديمة وخاصة أثينا. أثينا التي عرفت حكماً ملكياً انتهى إلى الاستبداد، ولم يكن قادراً على حل النزاعات بين طبقة النبلاء والأثرياء وطبقة بقية الناس من فلاحين وحرفيين وغير ذلك.

كليثنيس الملقب بأبي الديموقراطية
ففي نحو عام 508 قبل الميلاد قام أحد نبلاء أثينا، وهو كليثنيس بصياغة نظام حكم سمي بالحكم الديموقراطي، أي حكم الشعب (demos التي تعني الشعب، وkratos التي تعني حكم). كان لهذا النظام سمتان: الأولى هي الانتقاء العشوائي حيث لكل مواطن عادي أن يشغل الوظائف الحكومية القليلة. والثانية هي المجالس التشريعية. حيث كان لكل مواطن أثيني أن يتحدث ويصوت في المجالس التي تسنّ القوانين. يمكن لكل مواطن أثيني أن يشارك في هذه المجالس عدا: النساء، والعبيد، والأجانب، ومن لا يملك أرضاً، ومن ينقص عمره عن العشرين سنة. وهذا يعني أن من كان يحق له التصويت في المجالس لا يزيد عن سدس السكان في أحسن الأحوال. وهذه المجالس مؤلفة من مجلسين رئيسيين: الأول وهو الأكبر ويضم 6000 عضواً، يقوم بالتصويت على القوانين. والتصويت هو بأغلبية عدد الأصوات، الذي كان يتم برفع الأيدي للموافقة. والثاني يضم 500 عضواً يحضر ويصوغ مشاريع القوانين، يختار أفراده من القبائل العشرة التي كانت تعيش في أثينا. مدة كل مجلس هي سنة واحدة، يكون الانتخاب لدخولهما بالقرعة، ولا يمكن لأي شخص أن يكون في المجلس أكثر من مرتين غير متعاقبتين. يسمى هذا النظام بالديموقراطية المباشرة. إضافة إلى هذين المجلسين كان هناك المجلس القضائي الذي كانت مهمته السهر على تنفيذ القوانين، وله اختصاصات مختلفة في كل جوانب الحياة في المدينة، من الاقتصادية إلى العسكرية.

بقي أن نقول إن الهند عرفت عدة دول بنظام ديموقراطي في القرن السادس قبل الميلاد منها دولة فيشالي. وكذلك جمهورية روما في القرن السادس قبل الميلاد. كما كان لسبارطة قبل أثينا منذ القرن السابع قبل الميلاد نظاماً ديموقراطياً يتح لكل اسبارطي ذكر بلغ الثلاثين من العمر التصويت المباشر في مجلس يجتمع مرة كل شهر. كما أن مدن السومريين الأولى عرفت الأشكال الأولى للديموقراطية، ولكنها تحولت مع الزمن إلى أنظمة ملكية تستمد سلطاتها من الآلهة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق