بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 16 يناير 2018

بداية العرب والعربية

شالمانيسر الثالث والنص الذي يذكر فيه جندب العربي
أول شهادة واضحة لكلمة "عرب" نجدها منقوشة على حجر في منطقة الكرخ تعود للملك الآشوري شالمانيسر الثالث لعام 853 قبل الميلاد حيث نجد من بين الأسماء المشاركة في تحالف قاده هذا الملك: "مجنديبو  "كور-ار-با-آ"، والذي يعني "جندب من بلاد العرب". وتستعمل المصادر المسمارية مصطلح "عربي" (آ-ري-بي) لوصف الشعوب التي تعيش من بلاد ما بين النهرين شرقا إلى جبال لبنان الشرقية في الغرب، ومن شمال غرب شبه الجزيرة العربية إلى سيناء في الجنوب. تسجل الوثائق اليونانية والفارسية في وقت لاحق وجود العرب في مناطق الهلال الخصيب وشمال الجزيرة العربية أيضا، على الرغم من أنه من غير الواضح دائما تحديد المقصود بهذا المصطلح. ویمکن تأریخ نص واحد فقط باللغة العربیة يعود إلى ھذه الفترة. فقد تم اكتشاف نقش عربي شمالي غير مؤرخ يحتوي على صلاة لآلهة تعود إلى العصر الحديدي (الألف الأول قبل الميلاد وحتى القرن السادس الميلادي) في الضفة الغربية لنهر الأردن لما يبدو أن تكون اللغة العربية التي استعملت في جنوب الأردن الشرقي. ومع هذا النص يوجد نقش كنعاني. ولكن السياق يشير إلى أن هذا النص يعود إلى فترة منتصف أو أواخر العصر الحديدي الثاني، أي إلى ما بين القرن الخامس قبل الميلاد والثالث بعد الميلاد. وغير هذه الصلاة القصيرة، فإن العربية في الشرق الأدنى لم تعرف إلا عبر حفنة من أسماء الأشخاص والآلهة الموجودة في لغات أخرى.

تكثر الأدلة على اللغة العربية اعتباراً من القرن الثاني قبل الميلاد عبر النقوش النبطية. في حين أن النبطيين استخدموا شكلا من أشكال الآرامية الرسمية الأخمينية كلغة كتابة، فإن العديد من السمات تكشف عن طبقة تحتية عربية، خصوصاً في مجالات بناء الجملة والأسماء الشخصية. كما تكشف كتابات الجماعات التي كانت تقطن بين شمالي الجزيرة العربية وحوران عن أدلة كبيرة تخص المراحل الأولى من اللغة العربية. ومن المستحيل تحديد متى بدأت هذه الكتابات، ولكن يبدو أن مؤلفيها كانوا نشطين بشكل خاص في الفترات النبطية والرومانية (من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الرابع بعد الميلاد)، حيث تكثر نسبيا الإشارات إلى الأحداث السياسية التي تعود إلى تلك الفترة. ويمكن القول عموماً بأن اللغة العربية ظهرت في مراحلها الأولى بين شمالي الجزيرة العربية  وجنوب سوريا.
كتابة عربية تعود إلى فترة الغساسنة عام 523 ميلادي


في مرحلة ما، انتقلت العربية من الجنوب إلى شبه الجزيرة. فقد بدأ مصطلح "عرب" في الظهور في نقوش سبأ في اليمن القديم تقريبا بحول بداية العصر. في حين أن العديد من العلماء ساووا بين مصطلح "عرب" والمصطلح القرآني "عربان" للإشارة إلى البدو الرحّل. غير أنه لا توجد أدلة داخلية في النقوش السبئية لدعم هذه الفكرة. وعلاوة على ذلك، لا يوجد دليل على وجود لغة للـ "عرب". إذ لم يظهر أي نص في جنوب العربية يعود لفترة قبل الإسلام  بالرغم من وجود العديد من النقوش في الحدود الشمالية حيث تظهر ممزوجة مع لغة أخرى. وفي جنوب وسط الجزيرة العربية، في بلدة الفاو، وجدت كتابة موجزة مثيرة للاهتمام تظهر خليطاً من لغة سبأ وغيرها اعتقد أنها دليل على العربية القديمة، ولكن الدراسات اللغوية الحديثة تشير إلى أنه من الأكثر احتمالاً أنها نوع من الانتقال من اللغة المحلية لعرب الشمال إلى لغة سبأ، أو أن ذلك كان خلطاً مصطنعاً ليس إلا . عثر على نموذج آخر عن اللغة العربية القديمة في جنوب سوريا، ولكن تبين مؤخرا أنه شكل من أشكال الآرامية. لذا فإنه من غير الواضح متى حلت اللغة العربية محل لغات الرحل والواحات والبلدات في وسط وجنوب شبه الجزيرة العربية أو اللغات الكتابية لليمن القديم. وفيما يتعلق بهذا الأخير، فإن أعمال نحاة العربية تشير إلى أن اللغات العربية الجنوبية القديمة استمرت في الاستخدام والكتابة ربما حتى القرن التاسع الميلادي... وللحديث تتمة.

معظم محتوبات هذه الوراقة مأخوذة من مقال لأحمد الجلاد من جامعة لايدن:
The earliest stages of Arabic and its linguistic classification (Routledge Handbook
of Arabic Linguistics, forthcoming)

Ahmad Al-Jallad, Leiden University

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق