بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 19 يناير 2018

بعض ما في الكون الفسيح

الكون الذي بدأت قصته من نحو 13.8 مليار سنة، والذي بقي مظلماً نحو 380 ألف عام قبل أن يظهر الضوء، أو فجر الكون، عندما بدأت أولى الفوتونات في الحركة. بدأ الكون من نقطة متناهية في الصغير ومتناهية في الكثافة، ولم ينفك من يومها عن التمدد والتوسع متلألئاً بنجومه التي لا تعد ولا تحصى. والشمس والأرض وليدان متأخران نسبياً بنحو 9 مليارات سنة عن اللحظة الأولى، وهما الآن في منتصف العمر، أي أنهما لن يستمرا إلى ما لا نهاية. كما أن وجود الإنسان على الأرض لا يعود لأكثر من ثلاثة أو أربعة ملايين سنة، ومن الصعب تقدير متى ستكون نهاية المغامرة الإنسانية.

رسم لإحدى تصورات الإنسان الأولى عن الكون
وفي هذا المغامرة، بنى الإنسان تصورات عن الكون كان هو في مركز هذه التصورات، فتحدث عن السماء باعتبارها الشيء الأعلى وعن الأرض باعتبارها الشيء الأسفل، متخيلاً كل منهما على شكل سطح مستو، لا فوقهما ولا تحتهما. ولكنه اكتشف، دون أن يؤمن، بأن الأرض كروية منذ الألف الأولى قبل الميلاد، وانتهى بذلك الأسفل والأعلى من حيث الواقع، وإن كان التصور لا يزال معلقاً بهذا الأسفل وهذا الأعلى. ومع منظار غاليليو بدأت السماء (باعتبارها كياناً بذاتها) بالتراجع إلى أن اختفت تماماً مع منظار هوبل وأعمال هذا الفلكي الأمريكي الشهير.

مخطط ثلاثي الأبعاد للشمس وبعض النجوم من حولها. النجم الأقرب هو بروكسيما
ويبعد عنها نحو 4.3 سنة ضوئية
وبالرغم من تراجع فكرة مركزية الأرض واكتشاف أن الشمس هي المركز منذ القرن السادس عشر، إلا أن فكرة أن المجموعة الشمسية هي مركز الكون بقيت سائدة حتى عشرينيات القرن العشرين (1918) حين اكتشف الفلكي الأمريكي هارلو شابلي أن المجموعة الشمسية لا تقع في مركز مجرة درب التبانة ولكنها في منتصف المسافة بين المركز وطرف المجرة الخارجي، أي أنها بعيدة بنحو 25 ألف سنة ضوئية عن مركز المجرة بحسب القياسات الحالية. أي أننا نحتاج إلى 25 ألف سنة لنصل إلى مركز المجرة إذا انطلقنا بعربة فضائية تسير بسرعة الضوء (المسافة بين الأرض والشمس هي 0.000015 سنة ضوئية!!). وبذلك خسر الإنسان مرة ثانية ادعاءه بالتميز، فلا الأرض في مركز المجموعة الشمسية ولا المجموعة الشمسية في مركز المجرة. والمجموعة الشمسية تتحرك حول مركز المجرة مثلما تتحرك الأرض حول الشمس. وإذا كانت الأرض تحتاج لنحو 365 يوماً لتدور حول الشمس، فإن المجموعة الشمسية تحتاج إلى نحو 100 مليون سنة لتدور حول مركز المجرة. وأن الشمس هي ليست النجمة الوحيدة في هذه المجرة، إذ يوجد فيها على الأقل 100 مليار نجم. والشمس ليست من أكبر النجوم، فهناك من هو أكبر منها بمليون مرة وأكثر!

مجرة أندروميد في الأسفل وحولها بعض المجرات الصغير، ومجرتنا درب التبانة في الأعلى
 على مسافة مليوني سنة ضوئية
ولكن شابلي هذا كان يعتقد أن الكون مؤلف من مجرة واحدة فقط، وأن ما كان يراه بعيداً لم يكن بالنسبة له سوى سديم من غيوم كونية. ولكن هوبل بمنظار ذي عدسة، كبيرة (قطرها 2.5 متر)، تمكن من تحديد مجرة أخرى سميت أندروميد وهي بعيدة جداً عن مجرة درب التبانة ( مليونا سنة ضوئية) ولها حجم مماثل. تابع هوبل ومن جاء بعده اكتشاف أن الكون مؤلف من مليارات المجرات، بأشكالها المختلفة، من إهليليجية أو حلزونية أو عشوائية، وأن مسافات هائلة من الفراغ تفصل بينها عموماً. بنى هوبل منظاراً كبيراً (عدسة بقطر خمسة أمتار) ولكنه لم يتمكن من استخدامه، إذ توفي عام 1953. إلا أن وكالة الفضاء الأمريكية  (ناسا)، وبالتعاون مع وكالة الفضاء الأوربية،  بنت مركبة فضائية تدور حول الأرض على ارتفاع بقرابة 600 كم، محملة بمنظار فلكي، تحمل اسم هوبل. يقوم هذا المنظار بسبر الكون منذ عام 1991، وهو يشير إلى أن عدد المجرات هو نحو 140 مليار مجرة، وتمكن من رصد مجرات على بعد 13 مليار سنة ضوئية.


تكتلات المجرات والفراغات الهائلة في الفضاء
كما أن منظار هوبل الفضائي يؤكد أن الكون يتمدد بسرعة الضوء، وأن هذا التمدد مستمر حتى الآن، وربما له أن يعود إلى التقلص في فترة لاحقة. وفي كل الأحوال فإن هذا التمدد هو ما يؤكد على حدوث الانفجار الكبير في تاريخ سابق، وهذا ما أكده العثور على مستحاثات ضوئية تعود إلى فترات الكون الأولى. وهو أمر طبيعي، فالتمدد أو التوسع يعني بداية أولى، كما تعني نهاية ما، وذلك على عكس الكون الذي تصوره نيوتن، وحتى آينشتين في فترة ما، حيث الثبات بلا بداية ولا نهاية.... ومن بين نظريات الفلك الحالية هو أن الكون الذي نعيش فيه هو إنه كون من بين أكوان متداخلة فيما بينها على نمط الدمى الروسية، أو ربما متقاطعة فيما بينها ونحن لا نستطيع أن نرى منها إلا الكون الذي ننتمي إليه... لما لا، فعلي ما يبدو أن كوننا مؤلف في نحو 70% منه من مادة لا نراها سميّت بالمادة السوداء، وهي ضرورية لتماسك الكون... كما أن هناك أشياء سوداء أخرى، من الثقوب السوداء إلى الطاقة السوداء... وهي إنما سميت بالسوداء لأننا لا نعرف عنها الكثير، ولن تنجلي الأمور إلا حين تصبح بألوان أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق