بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 18 نوفمبر 2015

تاريخ الحبوب



لم يكتشف الإنسان الزراعة والحبوب خاصة بين ليلة وضحاها. فقد أمضى جل حياته صياداً وقاطفاً للثمار وذلك لمدة تجاوزت مئات آلاف السنين. أما الزراعة وكل ما قادته لاحقاً من تغيرات اجتماعية فلم تحصل إلا منذ عهد قريب في التاريخ البشري.

إذ يعود تاريخ الحبوب الطرية (القابلة للهضم) إلى نهاية العصر الحجري القديم وبداية العصر الحجري الجديد (نيوليتيك) أي إلى عشرة آلاف سنة تقريباً. وهناك اختلاف حول التاريخ الدقيق، إذ تشير الأبحاث الأثرية إلى تاريخ يقع بين عامي 8900 و 7000 قبل الميلاد. وهو ما يتطابق مع ما يعرف بفترة درياس Dryas التي كانت فترة قحط وبرودة في منطقة الهلال الخصيب مما حدا بالناس في تلك المناطق إلى التراجع عن الاعتماد على الصيد وقطف الثمار في تأمين غذائهم والتوجه نحو تدجين بعض النباتات ومنها القمح، وتخزينها وولادة أولى التجمعات الإنسانية القروية.
Afficher l'image d'origine
خاتم يظهر كاهناً يتقدم بعطايا الزراعة للآلهة

أما مكان بداية هذه الزراعة فكان في مقدمة نهري دجلة والفرات، أي في الأراضي السورية والتركية. ومن الحبوب التي دجنت كان القمح والشعير والعدس والبازلاء والحمص والكتان. ولم تعثر الأبحاث على وجود أماكن أخرى حتى اليوم جرى فيها هذا التدجين في تلك الفترة على الأقل.

كانت البداية في جمع بعض السنيبلات التي نمت على الطمي على ضفاف البرك، وتذوق محتواها، وتكرار مشاهدتها في المكان نفسه، ومشاهدة نموها في أماكن استهلاكها في سنوات مضت، مما جعل إنسان ذاك الزمان يدرك إمكانية زراعتها بترك بعض الحبوب في الأرض حتى العام التالي. 
Afficher l'image d'origine
استخراج الحبوب من السنابل

ولكن هذه العملية لم تتحقق في سنة ولا في عقد من السنين وإنما احتاجت إلى قرون، وخاصة إذا أخذنا بالحسبان الظروف الجوية التي لم تكن بالضرورة مساعدة دائماً في عملية التدجين إضافة إلى وجود أنواع أخرى من الحبوب التي يمكن أن تنمو مع الحبوب الطرية والتي لم تكن صالحة بالضرورة للهضم. 

ولم تعرف عملية الزراعة وتصبح فناً مسيطراً عليه، إلى حد ما. إلا في فترات متأخرة كانت في الحقيقة بداية الحضارات الإنسانية وتعود إلى الألف السادس قبل الميلاد. أما حرث الأرض وسقايتها وشق أقنية السقاية وتسميد الأراضي فلم يحدث قبل الفترة بين الألف الخامس والألف الرابع قبل الميلاد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق