بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 21 مايو 2016

النجوم واللوحة والقصيدة



تتوفر اليوم أدوات تسمح لنا بمعرفة أمور كثيرة عن الماضي وعن المستقبل. ومن بين هذه الأدوات في المجال التقني مثلاً، النماذج الرياضياتية التي تساعد على الحصول على معلومات كثيرة (بعد برمجتها على الحواسيب) مثل تلك الخاصة بالأحوال الجوية، وتلك الخاصة بحركة النجوم والكواكب. وهذه الأخيرة يمكن استخدامها أيضاً لمعرفة أحداث ووقائع تتعلق بالماضي بناء على معلومات بسيطة. وإليكم حالتين محددتين بسيطتين لهما جاذبيتهما.

Afficher l'image d'origine
البيت الأبيض لفان غوغ
الأولى تخص الرسام الشهير فان غوغ، الذي اشتهر برصده للسماء ونجومها، ورسم ذلك في إحدى لوحاته الشهيرة اسمها "الليلة ذات النجوم"، وكذلك في لوحة أقل شهرة اسمها "البيت الأبيض"، وهي اللوحة التي رسمها قبل بضعة أسابيع من انتحاره، الذي أعقبه تحقيق للشرطة حُدد فيه تاريخ الانتحار. من معلومات التحقيق ومن ثم تحديد تاريخ رسم اللوحة والمكان الذي رسمت فيه اللوحة وبرمجيات مختصة بالفلك، أمكن معرفة اليوم الذي كانت فيه قبة السماء تماثل ما تعرضه هذه اللوحة وأمكن تحديد أن الكوكب الظاهر في اللوحة هو كوكب "الزهرة".

ومنذ فترة قريبة جرت محاولة مماثلة ولكن ليس عبر الرسم وإنما عبر قصيدة عمرها أكثر من ألفي سنة، تعود بالتحديد إلى القرن السادس قبل الميلاد ولا يتوفر من القصيدة إلا بعض أبيات وهي قصيدة للشاعرة اليونانية الشهيرة سابفو Sappho تصف فيها وحدتها العميقة التي ترافقها فيها النجوم:

نام القمر
وكذلك الثريا
إنه منتصف الليل
وأنام وحيدة
Afficher l'image d'origine 
انطلاقاً من هذه الكلمات جرت محاولة تحديد الفصل من السنة، والسنة التي نظمت فيها القصيدة. ولكن هذا بافتراض أن الشاعرة كانت تعرف أن لحظة كتابتها لقصيدتها كانت في منتصف الليل بفضل ساعتها المائية مثلاً، وأن سابفو كانت قادرة على التعرف إلى كوكبة الثريا المؤلفة من سبعة نجوم ساخنة وبراقة تبعد عن الأرض ما يقارب 450 سنة ضوئية.

Afficher l'image d'origine
الثريا
الخلاصة إذاً هي أن الثريا غابت عند منتصف الليل، وبمعرفة إحداثيات المكان الذي كتبت فيه القصيدة، وهو مدينة ميتيلين في جزيرة ليسبوس حيث عاشت سابفو، وأن الفترة هي القرن السادس قبل الميلاد. أدخلت هذه المعلومات إلى برمجيات فلكية لتعطي الجواب الآتي: اختفت الثريا خلف الأفق في عام 570 قبل الميلاد بين 25 كانون الثاني والسادس من نيسان. إذاً كتبت القصيدة في الشتاء أو في أوائل الربيع.

إن هذه النتائج تتعلق بالفرضيات الموضوعة وهي فرضيات هشة، أولها قد تكون أبيات القصيدة لا ترتبط إطلاقاً بأشياء رأتها سابفو وأن كل ما قالته هو تصور في تصور، وحتى لو لم يكن الأمر كذلك فلا يمكن التأكد من الساعة التي غابت فيها الثريا... هذا طبعاً إذا لم يكن هناك أشياء أخرى لا نعرفها إطلاقاً عن القصيدة والشاعرة.

بقي أن نقول إنه من أشياء صغيرة ومبعثرة يمكننا معرفة أشياء أكثر، بناء على قواعد أثبت الزمن معقوليتها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق