بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 13 أغسطس 2017

الأحد الأحمر

وهو لم يسمى كذلك لكثرة ما سال خلاله من الدماء وإنما لدماء أرقيت وما كان لها أن تراق. المكان: سانت بطرسبورغ عاصمة روسيا القيصرية، الزمان: كانون الثاني عام 1905. حدث حينها أن سُرّح أربعة عمال من مصنع بولتيلوف. نتج عنه إضراب شمل عدة مصانع بلغ عدد المشاركين فيه 200 ألف بعد خمسة أيام من فصل العمال الأربعة. وفي اليوم السادس جرت مسيرة سلمية في المدينة شارك فيها بين 50 و 100 ألف من العمال والسكان (البعض برفقة أولادهم) اتجهت نحو "قصر الشتاء" حيث يقيم القيصر الذي كان وقتها خارج المدينة. كان بعض المتظاهرين يغنون، وتقدم المظاهرة رجال من الشرطة كما كانت هي العادة في المسيرات الدينية، وكان بعض المتظاهرين يرفع صورة القيصر.

وهذا الحادث، وأحداث كثيرة قبله، قاد إلى مطالب سياسية موجهة للطبقة الحاكمة صيغت بين اللهجة القاطعة والراجية من القيصر "الأب"؛ وهي:
1- تحرير كل السجناء الثوريين؛
2- شروط عمل أفضل؛
3- جعل الأرض للفلاحين؛
4- وقف الرقابة.
كما طالب المتظاهرون بإقامة برلمان، “دوما”، منتخب.

أطلقت النيران على المتظاهرين قبل أن يصلوا القصر بأمر من القيادة العسكرية التي أربكها عدد المشاركين فلم تحسن التصرف. سقط إثر ذلك العديد من القتلى والجرحى. الأرقام الرسمية قالت بنحو مائة قتيل وثلاث مائة جريح. أما الأرقام غير الرسمية فتحدثت عن إصابات بلغت 10 آلاف بحسب الصحافة البريطانية. نتج عن ذلك إقالة المسؤولين عن الأمن في العاصمة وبدأت حملة جمع أموال لمساعدة الضحايا، قدم القيصر نيكولا الثاني مبلغاً كبيراً و"عفوه" مما أثار حنق الناس وأدى إلى خلق شرخ بين الناس والسلطة الحاكمة.


وفي اليوم الثاني شارك نحو 160 ألف عامل في إضراب شاركتهم فيه مهن أخرى، وانفجرت بعدها إضرابات اقتصادية وسياسية في أماكن مختلفة من روسيا التي ستشتد وتتصلب ولتبدأ من حينها احتجاجات أشد قسوة ضد السياسية القيصرية وانتفاضات ثورية وعصيانات وقتل صناعيين لتصل إلى إضراب شامل عمّ معظم البلاد بين 7 و 17 تشرين الأول عام 1905. حاول قائد الجيش قمع الناس بالقوة فلم يفلح مما اضطر القيصر بعدها إلى إصدار "بيان" هدف إلى إقناعهم بنهاية الحكم الأوتوقراطي وبدء الملكية الدستورية وحدد البيان حريات مختلفة من حرية التعبير إلى حرية الجمعيات. بدأ القيصر ببعض الإصلاحات وصاغ دستوراً أقرّ فيه إقامة "دوما" منتخب وحكومة أغلبية. ولكن القيصر لم يتابع الطريق الذي وعد به حتى نهايته فهو يريد “دوما” مطيع وكذلك حكومة تناسب رغباته

ومنذ عام 1905 ظهر السوفيت (سوفيت في الروسية تعني "مجلس عمال"، وهي مقابل للنقابة ومنه جاءت التسمية “الاتحاد السوفيتي”) للدفاع عن العمال والفلاحين ولم تكن أحداث عام 1905 إلا بروفا لأحداث عام 1917... شرارة الأحداث كانت إذن تسريح أربعة عمال لا أكثر... وأريقت دماء كثيرة من يومها في هذا البلد الذي لا يمكن وصفه بالمستقر المستقر حتى اليوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق