بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 28 أغسطس 2017

الحروب المجنونة ... الحرب العالمية الأولى/الجبهة الإيطالية

بالرغم من أن إيطاليا وقفت بادئ الأمر في صف ألمانيا والإمبراطورية الهنغارية النمساوية دون أن تشارك في القتال معهما، ولكنها قررت دخول الحرب عام 2015 في الجبهة المعاكسة، أي مع فرنسا-بريطانيا-روسيا. السبب في ذلك ظنها أنها ستكون قادرة على استعادة بعض المناطق الشمالية من إيطاليا التي كانت خاضعة للسلطة النمساوية، وربما بعض مناطق النمسا والصرب الاستراتيجية بالنسبة لإيطاليا.

دخلت إيطاليا الحرب دون أن تكون مستعدة لها فعلاً من حيث العتاد والقيادات العسكرية الخبيرة، كان في مواجهتها الجيش النمساوي الهنغاري بالدرجة الأولى. وحتى سياسياً لم تكن أحزابها متفقة على هذه الحرب وضرورة خوضها، كما أن البابا بنوا الخامس عشر والكرادلة حاولوا إقناع الحكومة الإيطالية بالامتناع عن شن هذه الحرب بين دولتين كاثوليكيتين. ولكن القيادة السياسية قررت الانخراط فيها في ايار عام 1915التي شجعها عليها المعسكر الآخر وموافقته المبدئية على احتلال أراض من النمسا صربيا وألبانيا وبعض المناطق الخاضعة للسلطة التركية وإتباعها بإيطاليا وكذلك مستعمرات ألمانيا في أفريقيا، بموجب اتفاق وقعه وزير خارجية إيطاليا في لندن، بالرغم من أن محادثات كانت تجري مع النمسا وهنغاريا لاسترجاع بعض المناطق سلمياً ودفع تعويضات لإيطاليا مقابل بقائها على الحياد

تمكن الجيش الإيطالي في البداية من السيطرة على بضعة كيلومترات ولكنه تلقى بعدها خسارات متتالية. خاض الطرفان معارك متتالية تمثلت باثنتيعشرة معركة انتهت بخسارة مذلة لإيطاليا أمام النمسا (بمساعدة ألمانيا وخروج روسيا من الحرب) في خريف عام 1917 ناقلة جبهة المواجهة إلى الداخل الإيطالي، حيث جرت ثلاث معارك طاحنة عام 1918 أصيب فيها الجيشان بالإنهاك. ولم يتمكن الإيطاليون من الصمود إلا بدعم من الجيشين البريطاني والفرنسي. الأمر الذي أدى إلى توقيع وقف إطلاق النار بين الإيطاليين والنمساويين في الثالث من تشرين الثاني عام 1918، وبموجبه تمكنت إيطاليا من استعادة بعض الأراضي التي احتلتها النمسا أثناء الحرب!

جرت حركة إضرابات في عموم إيطاليا والشمال الإيطالي خصوصاً، عقب هزائم عام 1917، نتيجة نقص المواد الغذائية وارتفاع أسعارها. ولكن الجيش الإيطالي قمعها بالدم بدءاً من شهر آب عام 1917، وهو العام الذي شهد هزيمة كبرى لإيطاليا في كابوريتو، هزيمة كشفت عن الأزمة الأخلاقية والسياسية التي حاقت بمملكة إيطاليا. فقد جندت إيطاليا لهذه الحرب قرابة 5.6 مليون شخص قتل منهم في هذه المعركة نحو 650 ألفاً وجرح قرابة المليون ونحو 600 ألف بين أسير ومفقود. ومات أكثر من مليون مدني، نحو 600 ألف منهم بسبب سوء التغذية، والباقي نتيجة الأمراض. وارتفعت الأسعار بمقدار 450%، وانهار الاقتصاد الإيطالي الذي أثقلته الديون التي لم يتم الوفاء بها حتى عام 1970!


كان لهذه الحرب ألا تكون، فقد كان النمساويون والهنغاريون على استعداد لتقديم تنازلات مقابل حياد إيطاليا عام 1915، إلا أن القيادة السياسية (والعسكرية) لم تقرأ ذلك بطريقة صحيحة، الأمر الذي جعل إيطاليا تدفع أثماناً غالية لم تنته ذيولها حتى الآن... إنها الحرب المجنونة بامتياز.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق