بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 19 يونيو 2018

عيد الموسيقى.... على طريق العالمية


لكل شعب من شعوب الأرض موسيقاه الخاصة به وأدواته الموسيقية التي تميزه عن أدوات الشعوب الأخرى. ولكن الموسيقى أينما كانت تثير في نفوس أهلها مشاعر تشدهم إلى الإنصات والاستمتاع مثيرة البهجة والشجون. وليس من بلد في الأرض تقريباً إلا ولها مغنيها وموسيقييها يحظون بنجومية تدوم أحياناً عقوداً وعقود وتجعلهم أكثر شهرة من سياسييها أو شخصياتها التي شغلت في وقت من الأوقات مكانة ما أو كان لها دور هام في مجتمعاتها. فموزارت أشهر النمساويين قاطبة، وبيتهوفن من أشهر الألمان ولم يحظ أحد من عصره من سياسيين أو قادة بما يحوز عليه حتى اليوم من شهرة، وأم كلثوم أشهر من كل رؤساء وزارات مصر ومن أشهر الشخصيات العربية في القرن العشرين. وبعض مغني فرنسا في القرن العشرين لا تزال ذكراهم حاضرة في وجدان الفرنسيين في حين اختفت أسماء رؤساء جمهوريات وحكومات ولم يبق منها سوى عدد محدود.

وفرنسا هذه قررت وزارة ثقافتها عام 1982 الاحتفال بالموسيقى وذلك بتخصيص يوم في السنة لهذا الاحتفال. هذا اليوم هو الانقلاب الصيفي (21 حزيران)، وهو اليوم الذي يكون فيه النهار الأطول في نصف الكرة الأرضية الشمالي، وهو عيد في الثقافات الإغريقية والرومانية والمسيحية مرتبط بالزراعة والحصاد. وهذا العيد يمتد على طول اليوم، نهاراً وليلاً، وإن كان يبدأ فعلياً من عصر اليوم ويمتد حتى ساعات الصباح الأولى. وهو متاح لكل من يريد أن يقدم عروض عزف أو غناء أو رقص أن يفعل ذلك في أي مكان من ساحات المدينة أو شوارعها بما لا يعيق الحركة. وبهذا يمكن لكل هاوٍ أن يعرض ما لديه وكذلك لكل الثقافات أن تعرّف بنفسها موسيقياً. فترى في هذا اليوم هواة من غناء وموسيقى الوقت الراهن، أو الأوقات الماضية في محاولة لإحياء الإرث الفني، وكذلك مجموعات من ثقافات غير فرنسية، أفريقية خاصة، تعرض ما لديها. وهذه العروض قد تدوم دقائق أو أكثر بحسب ما تجتذب من جمهور. وهي في كل الأحوال مجانية. مجانية الاستماع ومجانية العروض، فلا العارضون يطالبون الجمهور أجراً ولا البلديات تطالب العارضين بأجور مقابل الأماكن التي يشغلونها.

وهذا العيد كان في الواقع فكرة قدمها المغني الأمريكي جويل كوهين الذي كان يعمل مع الإذاعة الفرنسية "فرنسا الموسيقى" عام 1976، ونفذت الفكرة على نطاق محدود في باريس في العام نفسه، إلى أن اعتمدتها وزارة الثقافة الفرنسية لتعمم في كل المدن الفرنسية. وانتشرت بعد ذلك في نحو 120 دولة وأكثر من 700 مدينة (فرنسية وألمانية وبريطانية في غالبيتها) في العالم تقوم بتنظيم هذا اليوم في مدنها على أساس مجانية العروض ومجانية الفضاء وذلك بهدف ثقافة موسيقية عالمية.

وهذا اليوم لا يخلو من اعتراضات، من الفرنسيين أولاً. أول هذه الاعتراضات اختيار يوم الواحد والعشرين من حزيران، الذي قد يكون يوم عمل للناس بما يمنعهم عن مشاهدة العروض الفنية والاستمتاع بهذا العيد. وللاعتبار نفسه فإن الموسيقى التي تصدح حتى ساعات متأخرة في الليل تسبب الإزعاج لمن لديه عمل في اليوم التالي وتمنعه من النوم. لذا يقولون بأنه من الأفضل أن يكون هذا العيد في أول يوم سبت بعد الواحد والعشرين من حزيران. كما أن هذا اليوم أصبح يوماً تسوده الفوضى عموماً. فالشبان، وهم أكثر المشاركين في هذا العيد، يقبلون على الشراب بكل ما لهذا من عواقب، كما أن المقاهي والبارات والمطاعم تبقى فاتحة أبوابها لأطول مما هو مسموح بكل ما في ذلك من مضايقات للناس. لذا أخذت البلديات بالإشراف على تنظيم هذا اليوم بما لا يخل بالهدف منه وبما يخفف من مضايقاته إلى الحد الأدنى.

لم تبدي اليونسكو حتى اليوم موقفاً من هذا العيد أو تنظيمه وهي المسؤولة عن الثقافة عالمياً، وإن كانت تشير إليه عبر فعالياتها الموسيقية في العالم.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق