بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 8 يونيو 2018

اللحوم... والأرض ومن عليها

يعتمد الإنسان على اللحوم في غذائه؛ لحوم الأبقار أو الغنم أو الدجاج والطيور أو السمك. وهذه اللحوم تمده بالبروتينات الضرورية لبناء جسمه في كل مكوناته والحفاظ على هذا البناء متجدداً، وكذلك المكونات الحيوية مثل الإنزيمات والهرمونات وغيرها. ومن طرف آخر، وإن كان بنسبة أقل، لحصوله على الطاقة التي يحتاجها جسمه في وظائفه الداخلية أو الخارجية لقيامه بأعماله اليومية. والطلب على اللحوم في تزايد مستمر مع تزايد عدد سكان الأرض. ولكن هذا التزايد في الطلب على اللحوم ليس مجاناً وإنما له آثاره السيئة وعلى أكثر من صعيد.

أنتج العالم في عام 2015 نحو 320 مليون طن أتت من نحو 66 مليار رأس ماشية أو طير تجري تربيتها في كل عام. وفي عام 2013 كان لحم الدجاج والبقر والخنزير والحليب من أكثر أنواع الغذاء المباعة في العالم، قدرت قيمتها بنحو 680 مليار دولار في العام 2013. والزيادة في الطلب لا تأتي فقط من الزيادة في عدد السكان وإنما من زيادة الطلب على اللحوم بحد ذاتها. فقد كان متوسط استهلاك اللحوم في العالم في عام 1970 بنحو 29 كيلو للفرد سنوياً، وزاد في العام 2014 ليصل إلى 43 كيلو للفرد الواحد. وهذا الوسطي هو وسطي متباين جداً بين دول الشمال ودول الجنوب. فإذا كان متوسط استهلاك اللحوم هو 76 كيلوغرام للفرد سنوياً في الدوال المتقدمة فإنه ينخفض إلى دون النصف في الدول النامية حيث يبلغ نحو 34 كيلوغرام وسطياً سنوياً. وهو استهلاك كبير في كل الأحوال. 

ولهذا الاستهلاك ثمن باهظ من ثاني أكسيد الكربون يصل إلى 7 مليار طن سنوياً نتيجة تربية الماشية. وهذا يشكل 14.5% من الغازات المسببة للاحتباس الحراري الناتجة عن مختلف الأنشطة البشرية. وهذه لوحدها أكثر من الغازات المنطلقة بسبب وسائل النقل من سيارات وطيارات وسفن. وللأبقار قصب السبق في هذا المجال، فهي لوحدها مسؤولة عن 80% من الغازات التي تسببها الماشية عموماً في عملية إنتاج الحليب واللحم. علماً بأن لحم البقر لا يمثل أكثر من 29% من اللحم الذي يتناوله الإنسان. إضافة إلى أن أكل لحم البقر ليس بالمجدي اقتصادياً، ذلك أن 5% من بروتينه تجد طريقها إلى موائدنا خلال فترة حياتها، ولحم البقر ليس الأفضل بين اللحوم، كما أن اللحوم عموماً ليست بدون نتائج سلبية على الصحة من سكري وسرطان أمعاء وأمراض قلب. والبروتين الناتج عن اللحم لا يمثل أكثر من 18% من حاجة الإنسان. وغير هذا فإن تربية الماشية تحتاج إلى أمكنة مخصصة لها وهي تحتاج إلى المراعي. فنحو 75% من الأراضي الزراعية على الأرض مخصصة لعلف الماشية. وهذا غير حاجة الماشية إلى الماء. إذ إن إنتاج كيلو واحد من لحم البقر يتطلب 15.5 متراً مكعباً من المياه، سواء للحاجة المباشرة أو لإنتاج العلف، وكمية الماء اللازمة عالمياً تساوي 8% من الاستهلاك العالمي للمياه. 

وعدا عن كل هذا فإن للماشية بقايا ونفايات تتغلغل في الأرض بما فيها من مواد ضارة، النترات مثلاً،  وهذا ما يسبب في تلوث الأرض والمياه الجوفية. وهذه الماشية تصاب بالأمراض التي يمكن أن تنتقل إلى الإنسان. وهذا يستدعى حقن الماشية بالمضادات الحيوية، وهو أمر يضمن الوقاية في ثلاث حالات من أربع، وهذا يعني أن بعض الفيروسات ستكتسب مناعة وستكون مقاومتنا لها أصعب.

اصبح إنتاج اللحوم صناعة بحالها منذ أكثر من قرن من الزمان، ولكن هذه الصناعة اليوم تقضم الأرض شيئاً فشيئاً. لقد حان الوقت لمراجعة أشياء كثير تتعلق بغذائنا. فالبروتين يمكن حصول الإنسان عليه من مصادر أقل ضرراً وخاصة المصادر النباتية، من فول الصويا إلى البازلاء والعدس والفول وغيرها. لقد انسقنا وراء تلبية سريعة لحاجاتنا الغذائية دون التفكير كثيراً في نتائجها على الطبيعة وتوازنها... فقدان الطبيعة لهذا التوازن قد يضيع كل شيء... يمكن القول الآن بأن أبا العلاء المعري كان محقاً في نباتيته، وإن كانت أسبابه غير بيئية.

بنيّت هذه الورقة في معظمها على محتويات من فيديو فرنسي موجود على الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=KriTQ0aTrtw



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق