بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 11 يونيو 2018

البلاستيك... المفيد الضار

اكتشف البلاستيك في ستينيات القرن الماضي عبر ما يسمى بكيمياء البترول. وفي عام 1963 منحت جائزة نوبل لكيمياء البلاستيك للإيطالي جيوليو ناتا والألماني كارل زيكلر لأعمالهما في مجال البوليمرات. التي أدت إلى البلاستيك المستخدم على نطاق كبير اليوم في التعليب والتغليف وأكياس حمل المشتريات وذلك من بين استخدامات كثيرة أخرى. وأصبحت صناعة البلاستيك من بين أكبر الصناعات في العالم، خاصة في الغرب حيث يبلغ عدد العاملين في هذه الصناعة نحو 1.5 مليون شخص في أوروبا الغربية لوحدها.


أحدث البلاستيك ثورة في الحياة اليومية وفي كل القطاعات من البناء إلى السيارات والإلكترونيات والطيران والأغذية. وفي هذه الأخيرة يستخدم للتعليب باعتباره مادة خفيفة ورخيصة، وهو يساعد في وقايتها من المؤثرات الخارجية الكيمائية والميكروبات وبالتالي يساعد على حفظ الأطعمة والإقلال من الهدر.

ولكن إنتاج البلاستيك لم يتوقف عن الزيادة في الخمسين سنة الماضية وهو في تزايد مستمر. ويقدر الإنتاج العالمي حالياً بنحو 300 مليون طن سنوياً، وتنتج أوروبا لوحدها خمس هذه الكمية. بعض هذا البلاستيك مخصص للعيش مدة طويلة وآخر لمدة قصيرة في الاستخدام مثل هذا المستخدم في حفظ الساندويتش أو أكياس تعبئة المشتريات اليومية. وهذا الأخير هو الذي تمتلئ به صناديق نفايتنا. 

يتحول هذا البلاستيك اليوم إلى قنبلة موقوتة في حياتنا. فقد بدأنا في العقدين الأخيرين في اكتشاف سيئاته الصحية والبيئية. فهو يحتاج إلى ما بين 100 و 200 سنة للتفكك في جزيئات متناهية في الصغر (نانوية). وعندما يصل إلى هذا الحجم، وهو أمر متوقع مع نهاية القرن الواحد والعشرين، ستنتشر هذه الجزيئات حينها في كل البيئة المحيطة بنا وكذلك في كل العضويات الحيّة. ولهذه الجزيئات النانوية القدرة على اجتياز كل العوائق النسجية للتراكم في أعضائنا، مثل الكبد، والتأثر في وظائفها. وهذه الجزيئات اللامرئية ستكون حاضرة في مجمل غذائنا بكل ما لذلك من آثار ليست معروفة تماماً اليوم، وهي على الأقل ستكون حاملة للملوثات العضوية التي ستصادفها في طريقها. وهذه الجزيئات النانوية بدأنا بمشاهدتها في المياه والملح والعسل ومنتجات البحار وقيعان المحيطات التي يلقى إليها سنوياً بنحو 8 مليون طن. وبحسب تقرير للصندوق العالمي للطبيعة فإن البحر المتوسط هو من أكثر البحار تلوثاً بالبلاستيك وبنسبة أربع مرات أكثر من البحار الأخرى، وفي هذا تهديد للحياة الطبيعية في هذا البحر.

وفي الواقع فإننا نستهلك من البلاستيك سنوياً ما يساوي وزننا: 40 كيلوغرام وسطياً سنوياً، وتصل هذه الكمية في أوروبا إلى 63 كيلو غرام. والنسبة الأكبر من هذا البلاستيك هي من النوع الذي يبقي طويلاً بعد الانتهاء من استخدامه مثل ذلك المستخدم في السيارات أو الأجهزة المنزلية. وتقدر الكمية التي تلقى في البيئة عشوائياً بنحو 30-50% من البلاستيك المنتج، وجزء كبير يدفن في الأرض ومنها سينتقل عند تفككه إلى التربة والمياه والمحيطات. وفي الواقع فإن ما يعاد استخدامه أو تفكيكه بطريقة مسيطر عليها لا يتجاوز الربع. وهذا الذي يتم تفكيكه سيعود جزء كبير منه إلى الهواء بطريقة أو أخرى.


أما إعادة تدوير البلاستيك الفعلية فهي على ما يبدو محدودة للغاية وهي بنحو 2% من البلاستيك المنتج سنوياً. وإعادة التدوير هذه قابلة للتكرار لأكثر من مرة. هناك جزء يسير آخر، أقل من 6%، يمكن إعادة تدويره لمرة واحدة نظراً لمزجه بمواد أخرى يصعب التخلص منها في عملية تدوير ثانية. ويجب أن يبقى في البال أن عملية التدوير هذه تستهلك طاقة لا يخلو إنتاجها من تلويث للبيئة. وعليه يمكن القول إن عملية إعادة التدوير لا تفي بالغرض إلا في جزء يسير منها.

ما الحل إذن؟ أول الخطوات هي عدم إلقاء نفايات البلاستيك أينما اتفق، وخاصة أكياس البلاستيك التي نراها على الأسلاك الشائكة. وجمع هذه النفايات في أماكن محصورة تعالج فيها بما يضمن التخفيف من ضررها المقبل. وتبقى أهم الخطوات في الإقلال من استخدام البلاستيك الخاص بالاستخدام المباشر والاستعاضة عنه ببدائل قابلة للانحلال بيولوجيا أو يمكن استخدامها لفترة طويلة ودونما أثر بيئي، مثل أكياس القماش أو الورق أو عبوات الزجاج. وهذه البدائل يمكن توسيعها لتشمل مجالات كثيرة يستخدم فيها البلاستيك ... هذا بانتظار وصول مخابر البحث والتطوير لاكتشاف مواد شبه بلاستيكية ولكنه قابلة للتفكك عضوياً دون أن تترك أثاراً كارثية كما هو حال البلاستيك حالياً... لقد قدمت التكنولوجيا الكثير من الحلول الجذابة على المدى القصير، ولكنها حلول قاتلة على المدى البعيد... وكأن الإنسان يسير على طريق ملء الأرض بنفاياته، عله يصحو قبل فوات الأوان.

معطيات هذه الورقة مستمدة من مقال فرنسي موجود على هذا الرابط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق