بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 1 سبتمبر 2016

نحو إتقان الكتابة باللغة العربية 2/ أ.د. مكّي الحسَني



21 - حَسَبَ، بِحَسَبِ، على حَسَبِ، حَسَبَ ما

مّما جاء في (المعجم الوسيط): «حَسَبُ الشيءِ: قَدْرُه وعددُه. يقال: الأجرُ بحَسَبِ العمل.»
وجاء في (أساس البلاغة): «الأجرُ على حَسَبِ المصيبة.»
وجاء في (محيط المحيط): «حَسَبَ ما ذُكر: أي على قدْرِه وعلى وَفْقِه.»
وجاء أيضاً: «ليكن عملك بحَسَبِ ذلك: أي على وفاقه وعدده.»
ويقال على الصواب: على حَسَبِ ما يقتضيه المقام.
كما يقال: على قدْر الحاجة، وبحَسَب الضرورة.
         ·          ويُغْفِل كثيرٌ من الأدباء حرفي الجر (على) و (الباء)، فيقولون: الأجر حَسَبَ العمل.
         ·          وقد لاحظتُ في الكتابات العلمية المعاصرة، أن (حسب) كثيراً ما تُستعمل في غير محلّها المناسب، وأن من الأصْوَب أن يوضع بدلاً منها، ما يلائم السياق مما يلي:
تَبَعاً لـِ، طِبْقاً لـِ، وَفْقاً لـِ، بمقتضى، بمُوْجب، بناءً على، استناداً إلى، عملاً بـ، انطلاقاً من، الخ…


22- بينما
جاء في (المعجم الوسيط): «بينما: تكون ظرف زمان بمعنى المفاجأة، ولها صدر الكلام.»
إذن، (بينما) لها الصدارة في الجملة، أي يجب أن تكون في بدء الكلام.
يقال: بينما زيدٌ جالس، دخل عليه عمرو.
ولا يقال: أحسنَ إليك زيد بينما أنت أسأت إليه.
وإنما يقال: أحسنَ إليك زيد، على حين/ في حين أسأت أنت إليه (أو: أمّا أنت فأَسأْت إليه).


23- نَفِدَ يَنْفَدُ - نَفَذَ يَنْفُذُ

جاء في (المعجم الوسيط): «نفِدَ الشيءُ يَنْفَدُ نَفَداً ونَفاداً: فَنِيَ وذهب.» وفي التنْزيل العزيز: ]قل لو كان البحرُ مِداداً لكلمات ربي لنَفِدَ البحرُ قبل أن تَنْفَدَ كلماتُ ربي{.
وجاء في (المعجم الوسيط): «نَفَذَ الأمرُ يَنْفُذُ نُفُوذاً ونَفاذاً: مضى. يقال: نَفَذَ الكِتابُ إلى فلانٍ: وصل إليه؛ وهذا الطريق ينفُذُ إلى مكان كذا: يصل بالمارّ فيه إلى مكان كذا؛ ونفَذَ فيه ومنه: خرج منه إلى الجهة الأخرى.»
فهل يجوز - بعد هذا - الخلط بين الفعلين؟!


24- حافَة حافات

تُلفظ كلمة (حافَة) بالتخفيف، أي بفاءٍ غير مشدَّدة، وتُجمع على (حافَات)، كما تُجمع ساعة، ودارة، وطاقة، على: ساعات، ودارات، وطاقات. ولا يجوز جمعُها على حوافّ، كما تجمع حاسّة على حواسّ، لأن هذه تلفظ بالتشديد، مثل مادّة (موادّ)، خاصّة (خواصّ)، دابّة (دوابّ)، عامّة (عوامّ)...
وتُجمع (حافَة) جمع تكسير على: حَيْف، وحِيَف.


25– السَّوِيَّة، والمستوي، والمستوى

جاء في (المعجم الوسيط): «السَّويُّ: المستوي؛ المعتدل لا إفراط فيه ولا تفريط؛ العاديّ لا شذوذ فيه؛ الوسط.» يقال: فلانٌ إنسانٌ سَوِيّ (وهم أسْوِياء). وفلانةُ إنسانةٌ سَوِيّة. وامرأةٌ سَوِيّة: أي تامّة الخَلْق والعقل.
وجاء في (الوسيط): «السَّويّة: الاستواء والاعتدال؛ العدْل والنَّصَفَة» (أي الإنصاف).
يقال: هما على سويةٍ في هذا الأمر: أي على استواء، أي هما مستويان فيه: متماثلان!‍ وقسمتُ الشيءَ بينهما بالسّويّة: أي بالعدل. وأرضٌ سويّةٌ: إذا كانت مستوية. وجاء فيه: «السطح المستوي: هو الذي إذا أخذتَ فيه أيَّ نقطتين، كان المستقيم الواصل بينهما منطبقاً عليه.» فهو إذن كسطح الماء الراكد. ويجمع على: مستوِيات.
يقال: هذا سطحٌ مُسْتَوٍ. رسمتُ سطحاً مُسْتوِياً. كتبتُ على سطحٍ مستوٍ.
وجاء في الطبعة الثالثة من (المعجم الوسيط): «المُسْتوى: الدرجة والمكانة التي استوى عليها الشيءُ.»
ومن معاني فِعْل «استوى: استقر وثبت.» ويُجمع المستَوى على مُسْتوَيات. فالصواب أن يقال: يجب رفع مستوى الطلاب (لا: سوية الطلاب!).
حساب مُستوَيات الطاقة في الذَّرَّة (لا: سويات الطاقة؛ وهذا خطأٌ وقعتُ فيه قديماً!).
هذا مستوىً رفيعٌ، بلغ مستوَىً رفيعاً، انطلق من مستوىً منخفضٍ!


26- بـ / بواسطة / بوساطة

إذا أراد الكاتب إبراز وسيلة إيقاع الفعل، عَدَّاه بـ (باء الاستعانة):
         ·     الداخلة على الأداة أو الآلة التي أوقعت الفعل، نحو: كتبت بالقلم؛ سافرت بالسيارة؛ حفرت بالمِعْوَل.
         ·     الداخلة على مصدر فعلٍ آخر، نحو: نجحتُ بفضل الله؛ أنجزت العمل بعَون الله؛ حدث الصلحُ بيني وبينهم بتَوَسُّط فلان؛ سقيتُ الأرض بوساطة النواعير.
         ·     جاء في (المعجم الوسيط) وفي غيره: «وَسَطَ الشيءَ يَسِطُهُ وَسْطاً وسِطَةً [ووُسُوطاً]: صار في وَسَطه. يقال: وَسَطَ القومَ والمكانَ فهو واسط (وهي واسطة). ووَسَطَ القومَ وفيهم وساطةً [أي وَسَطَ الرجلُ قومَهُ وفي قومِهِ]: توسَّطَ بينهم بالحقّ والعدل.»
         ·     فالوساطة مصدر، وكذلك التَوَسُّط. والواسِطَ هو المتوسِّط.
         ·     وجاء في (المعجم الوسيط): «واسطة القلادة: الجوهر الذي في وسطها.»
         ·     وجاء في (أمالي المرتضى): «ذكر فلانٌ أن أباه كان الواسطة بينهما.»
والواسطة في الأصل صفة. لكنها انقطعت أحياناً في الاستعمال عن موصوفها، فغَلَبَت عليها الاسمية، وأُنزلت مَنْزلة الأسماء بتقدير (أداة واسطة)، واستعملها النحاة بهذا المعنى.
فالأصل في «واسطة القلادة»: «الجوهرة أو الدُّرة الواسطة للقلادة» أي: المتوسّطة.
والتقدير فيما جاء في (الأمالي): «أي كان أبوه الوسيط أو الأداة الواسطة بينهما، وهذا مجاز.»
         ·       يقول ابنُ مالك في ألفيَّته:
التابعُ المقصود بالحُكم بلا         واسطةٍ هو المسمى بَدَلاْ
         ·       ويقول ابن الخشّاب: لأن المتعدي إذا استوفى معموله الذي يتعدى إليه بنفسه، لم يتعدَّ إلى غيره إلا بواسطة.
         ·       واستعمل أبو البقاء الكفويّ في (كُلّيّاته) كلمة (بواسطة) كثيراً. وأبو البقاء مَنْ تَعْلم تبسّطاً في العربية واستبحاراً وسَعَةَ اطلاع. من ذلك قوله في الجزء الخامس ص 235: الفعل المنفي لا يتعدى إلى المفعول المقصود وقوع الفعل عليه إلا بواسطة الاستثناء.
وفي ص 244: النصب على الاستثناء إنما هو بسبب التشبيه بالمفعول لا بالأصالة، وبواسطة (إلا)، وأما إعراب البدل فهو بالأصالة وبغير واسطة.
وقال الإمام ابنُ قُدامة (في مختصر منهاج القاصدين، ص 280): أخبرهم الله تعالى بكلامٍ سمعوه بواسطة رسوله.
         ·       وقد أورد (المعجم الوسيط) تعريف (الواسطة) كما وضعه مجْمع القاهرة فقال: «الواسطة: ما يُتَوصَّل به إلى الشيء.»
والخلاصة: إذا أمكن الاكتفاء بباء الاستعانة لأداء المعنى بوضوح، فهذا هو الأفضل! وإذا دعت الحاجة إلى إبراز الأداة أو الوسيلة التي حدث وقوع الفعل بها، استُعملت الواسطة أو الوساطة.


27- الفَتْرة

جاء في (المعجم الوسيط): «فَتَر يفْتُر فُتُوراً: لانَ بعد شدة، أو سَكَنَ بعد حِدَّةٍ ونشاط.» وفي التنْزيل العزيز:  }يُسبِّحون الليلَ والنهارَ لا يَفْتُرُون{. أي لا يَضعُفون عن مداومة التسبيح.
وجاء في (الوسيط) أيضاً: «الفترة: الضعف والانكسار. والفترة: المدة تقع بين زمنين أو نَبِيَّيْن.» وفي التنْزيل العزيز: ]يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يُبيِّنُ لكم على فَتْرةٍ من الرُّسُل{. أي انقطاع من الرسل.
وجاء في (معجم ألفاظ القرآن الكريم) وهو من إعداد مجمع اللغة العربية بالقاهرة: «فَتْرة: مُضِيُّ مدةٍ بين رسولين.»
وجاء في (أساس البلاغة /فتر) للزمخشري: «أجِد في نفسي فَتْرةً وفُتُوراً إذا سَكَن عن حِدّته ولانَ بعد شدته. وتقول: فلانٌ عَلَتْهُ كَبْرَه، وعَرَتْهُ فَتْرَه» أي: ضَعْف.
وفي (الوسيط): «فترةُ الحُمّى: زمن سكونها بين نوبتين.»
فالفترة إذن مُدةٌ تتميز بالفتور وانقطاع الجِد أو النشاط فيها. وكل حال للسكون أو الانقطاع تتوسط بين حالين من الحِدَّة أو الجِدّ أو الاجتهاد فهي فترة، طالت أم قَصُرَت. وكل حال من الشدة أعقبتها حال من الضعف أو اللين فقد آلت إلى فترة.
ومن الخطأ حسبان الفترة زماناً كأيّ زمانٍ من الأزمنة‍!
         ·       قال ابن مسعود: «كونوا جُدَدَ القلوب.» وشرح هذا القول الإمام ابن قُدامة فقال: «كِناية عن عدم الفترة في العبادة.» ونقل ابن قُدامة قول بعضهم: «كنتُ إذا اعتَرتْني فترةٌ في العبادة، نظرتُ إلى وجه محمد بن واسع وإلى اجتهاده.»
         ·       وقال الشيخ علي الطنطاوي: «… كان الشابان يتحادثان وهما يمشيان … وتكون فترةٌ يصمتان فيها فلا يُسمع إلا وَقْعُ أقدامهما.»
         ·       وقال مصطفى صادق الرافعي في (كتاب المساكين /146): «ثم لتعلمنَّ أنه إن كانت للقَدَرِ فَتْرةٌ عن رجلٍ من الناس، فقيراً أوغنياً أو بين ذلك، فما هي غَفْلةٌ ولا مَعْجِزَة، ولعلّ الرجل إنما يُمدُّ له في الغيّ مدّاً طويلاً…»
         ·       ولنا أن نقول: كانت السنوات ما بين الحربين العالميتين فترةً للمتحاربين.
- وكان عقد الثلاثينيات المنصرم فترةً للاقتصاد العالمي، أصابه فيها رُكود.
- أمضى فلانٌ على شاطئ البحر فترةً استراح فيها من عناء العمل.
- تتضمن السنةُ الإنتاجية في معظم الشركات فترةً مخصصة لاستجمام العاملين.
- توقفت السفينة في المرفأ فترةً للتزود بالوقود والأغذية الطازجة.
وقد شاع استعمال (الفترة)، في غير ما وُضعت له، شيوعاً واسعاً؛ فيقولون، مثلاً:
1 - سيُعقد المؤتمر / يستقبل المعرض زوّاره / تجري مقابلة المرشحين… في الفترة من 1-5 /6/1999.
أقول: سيعقد المؤتمر، إلخ… في المدة من 1-5 /6/1999.
2 - يجب مراقبة ذلك في فترة إزهار النبات…
أقول: مراقبة ذلك في طَوْر إزهار النبات. [من معاني الطور: التارة، أي: المدة والحين].
3 - لا تسطع النجوم إلا لفترة محدودة.
أقول: لا تسطع النجوم إلاَّ حِقْبة / برهة / مدة محدودة (تكون خلالها في حالة ثَوَرَان لا فتور!).
4 - الطاقة التي تُشِعّها النجوم في أحسن فترات وجودها تأتي من تفاعلات اندماج نوى الهدروجين.
أقول: الطاقة التي تُشِعّها النجوم في أحسن أوقات / أطوار / مراحل وجودها
5 - والجزء الآخر من غاز المجرّات تحوَّل بشكل (كذا) كثيف إلى نجوم في فترة قصيرة.
أقول: والجزء الآخر من غاز المجرّات تحوَّل متكاثفاً بشدة إلى نجوم في مدةٍ / زمنٍ قصير.
6 - على الطلاب بذل الجهد أثناء فترة الدراسة (!) وإيلاء الفترات التدريبية عناية خاصة.
أقول: على الطلاب بذل الجهد أثناء الدراسة / مدة الدراسة، وإيلاء الأوقات التدريبية / أوقات التدريب عناية خاصة.
7 - حدث من فترة أن اكتشف أحد الباحثين…
أقول: لا معنى لـِ (حدث من فترة/ أو من مدة …) لأن مجرد استعمال الفعل الماضي يعني أن الحدث جرى قبل زمن التكلم. فإذا أراد المتكلم / الكاتب مزيداً من التحديد، وجب عليه تعيين الزمن المنصرم بعد الحدث (حدث قبل 3 أيام مثلاً…) أو إضافة كلمة مُعبِّرة: جرى قديماً / حديثاً / قريباً / قبل أيام قليلة / قبل مدة قصيرة، إلخ…
8 - زارني منذ فترة قصيرة...
أقول: زارني قبل مدة قصيرة... زارني حديثاً / قريباً…
9 - يجب العناية بذلك في فترة الشباب على الأقل!
أقول: أتتميز مرحلة الشباب بالفتور أم بالحيوية والنشاط؟! [الشباب مرحلة من العمر تلي الطفولة وتسبق الرجولة. والشُّبّان والشَّوابُّ (الشابّات) هم الذين يعيشون مرحلة الشباب]. ويُجمع الشابّ على شباب أيضاً.
ولعل من المفيد أن أُورِد شيئاً مما جاء في مقال الدكتور البدراوي زهران (مجلة مجمع القاهرة، العدد 72 لعام 1993):
«... بل لهذا وُجدت للأوقات كلمات مختلفة على حَسَبِ الطول والقِصَر في المدة:
فالمدة شاملة لجميع المقادير من امتداد الزمن، وتنطوي فيها اللحظة أو اللمحة للوقت القصير، والبرهة والرَّدَح للوقت الطويل، والفترة للمدة المعترضة بين وقتين، والحين للزمن المقصود المعيَّن، والعهد للزمن المعهود المقترن بمناسباته، والزمن للدلالة على جنس الوقت كيفما كان، والدهر للمدة المحيطة بجميع الأزمنة والعهود والأحيان.»
أقول: جاء في (المعجم الوسيط): «البُرهة: المدة من الزمان.» (لم يَصِفْها بالطول!) وجاء في المعجم الكبير (الذي أصدره مجمع القاهرة): «البَرْهة: المدة الطويلة من الزمان، أو هي أعمّ. البُرْهة: البَرْهة. يقال: أقمتُ عنده بُرهةً من الدهر.»
وجاء في (الوسيط): «الهُنَيْهة: القليل من الزمان. يقال: أقام هنيهةً.»
وجاء فيه أيضاً: «الحِقْبة من الدهر: المدة لا وقت لها. أو السنة. (ج) حِقَبٌ وحُقُوبٌ.
وجاء فيه أيضاً: «الحُقْبُ والحُقُبُ: المدة الطويلة من الدهر (80 سنة أو أكثر). (ج) حِقاب / أحقاب.»
وجاء فيه أيضاً: «المَرْحلة: المسافة يقطعها المسافر في نحو يوم، أو ما بين المنْزِلَيْن.»
وتستعمل المرحلة الآن بمعنى (قَدْرٍ محدَّد من الشيء) وعلى الخصوص (قدْرٍ من الزمان).
يقال: مرحلة الطفولة، مرحلة الشباب، مرحلة الرجولة، مرحلة الكهولة، مرحلة الشيخوخة…
ويقال: مرحلة الدراسة الابتدائية / الإعدادية / الثانوية/ الجامعية…
وجاء في معجم (متن اللغة): «السَّبَّة من الدهر: كالبرهة والحقبة، وهي السَّنْبة
وجاء في (الوسيط): «الأَوانُ: الحِيْنُ. يقال: جاء أوانُ البرد. والجمع آوِنَة.»


28- حَذْف الجارّ - النصبُ

حذفت العرب حرف الجر في مواضع، بعضها قياسيّ، وبعضها سماعيّ.
         ·       فمن القياسي: حذف الجار قبل (أنّ) و(أنْ).
يقال على الصواب: لا شكّ أنك عالم؛ ولا بد أنك ذاهب، ولا محالة أنك آت. وأصل الكلام لو قيل على المَصدر: لا شك في علمِك، ولا بد من ذهابك، ولا محالة من إتيانك. ولك أن تقول: لا شك في أنك عالم؛ ولا بد من أنك ذاهب... وفي التنْزيل العزيز: }لا جَرَمَ أنَّ لَهُمُ النارَ{. أي: لا جرم من أن لهم النار.
تقول: أشهد أنْ لا إله إلاَّ الله، وأنّ محمداً رسول الله.
أي: أشهد بأنْ لا إله إلاَّ الله، وبأنّ محمداً رسول الله.
وفي التنْزيل العزيز: }فلا جُناح عليه أنْ يَطَّوَّفَ بهما{، أي: ... في أنْ يَطَّوَّف...
وفيه أيضاً: }وعجبوا أنْ جاءهم منذرٌ منهم{، أي: عجبوا لـِ / من أنْ جاءهم…
وتقول: أنا راغبٌ أنْ ألقاك، وطامع أن تُحسِن إلى زيد، وحريص أنْ أصِلك. أي: أنا راغبٌ في أن ألقاك، وطامع في أنْ تُحسِن إلى زيد، وحريص على أنْ أصلك.
ولكن لا يُحذف الجارّ إذا جُعل المصدر مكان (أنْ). تقول: أنا راغبٌ في لقائك، وطامعٌ في إحسانك إليه، وحريصٌ على صِلَتِك.
ومن القياسي: النصبُ على الظرفية الزمانية:
إذْ ينصب ظرف الزمان مطلقاً، سواءٌ أكان مُبْهماً أم مختصاً، نحو:
سِرْتُ حيناً / مدةً، ونِمْتُ ليلةً، على شرط أن يتضمن معنى (في)!
قدِمتُ من سفري ليلاً (في الليل). جاءني صباحاً، ظهراً، مساءً (في الصباح، في الظهر، في المساء…).
ومن القياسي: سقوط الجارّ - الذي تتعدى به الأفعال اللازمة - في ظروف المكان المُبهَمة (وتُعرف بكونها صالحة لكل بقعة)، مثل: مكان، ناحية، جهة، جانب، فوق، تحت، يمين، شمال، أمام، خلف، أسفل…
تقول: مررتُ أمامَ قصر العدل، فتنصب (أمام) على الظرفية لأنها من الظروف المبهمة.
ومن السماعي: «نَزْعُ الخافِض(90)» مع ظروف مكان مختصة.
والأصل الذي قرره جمهور النحاة هو دخول الجارّ على الظروف المختصة (غير المبهمة). تقول: مررتُ بدار فلان، فتُدخل الجار (بـ) على (الدار) لأنها ظرف مختص.
وقد شذّت مواضع نُزع فيها الخافض (أي حُذِف الجارّ) مع ظروف مختصة، نحو: دَخَلَ الدارَ أو المسجدَ أو السوقَ. ونَزَلَ البلدَ، وسكنَ الشامَ… فقالوا إن النصب هنا على إسقاط الجارّ اتساعاً [لأن هذه المواضع هي ظروف مكان مختصة، والأصل فيها الجرّ] وإنها سماع فلا يقاس عليها! من ذلك قول جرير:
تَمرُّون الديارَ ولم تَعُوجُوا       كلامكم عليَّ إذن حرامُ
فنصب (الديار) وليس ظرفاً مبهماً، فهو منصوب إذن على نزع الخافض اتساعاً، لأنه على نية الجر. وأصله: تمرّون بالديار أو على الديار.
وقولُ ساعِدة:
لَدْنٌ يهزُّ الكفَّ يعسِل متنُه             فيه، كما عَسَلَ الطريقَ الثعلبُ
فنصب (الطريق)، وهو ظرف مختص (غير مبهم). [عَسَلَ الثعلبُ: سار في سرعة واضطراب].
وهناك أسماءٌ مُعْرَبة، عُدِل بها إلى الظرفية فنُصبت. من ذلك:
         ·       الخَلَلُ: وهو الفرجة بين الشيئين. هذا هو الأصل. وقد عُدِل بهذا الاسم المفرد إلى الظرفية. فقال نصر بن سيّار: (أرى خَلَلَ الرماد وميضَ نار). وقد جُمع الخلل على (خِلال). ونُصب في الآية: }فجاسوا خلالَ الديار{.
         ·       طَيّ وثِنْي: فقد جاءا ظرفين أيضاً: أنفذْتُ دَرْجَ كتابي، وطَيَّ كتابي، وثِنْيَ كتابي.
ولكن يقال أيضاً (على الأصل)، أنفذته في درجِ كتابي، وفي طيِّه، وفي ثِنْيِه.
         ·       واستُعملت (أثناء) جمع (ثِني) استعمال الاسم. ولكنها جاءت ظرفاً في قول الشاعر الجاهلي عمر بن ماجد:
‌ينام عن التقوى ويوقظه الخَنا           فيخبِط أثناءَ الظلام فُسُول
وجاءت أيضاً في كلام بعض الأئمة:
قال الرضيّ في (شرح الكافية): فموضعها أثناءَ الكلام
وقال ابن خلدون في (مقدمته): ومسائل من اللغة والنحو مبثوثة أثناءَ ذلك.
وقال ابن الدباغ في (نَفْح الطيب): وللنسيم أثناءَ ذلك المنظر الوسيم تراسُلُ مشي.
         ·       الضِّمْنُ: باطنُ الشيءِ وداخله. وجاء في (لسان العرب/ضمن): وأنفذْتُه ضمنَ كتابي أي: في طَيِّه.
         ·       الوَفْقُ: وَفقُ الشيءِ: ما لاءَمه. يقال: كنتُ عنده وَفْقَ طَلَعتِ الشمس: أي حينَ طلعت أو ساعةَ طلعت.
ويقال: أُنفقَ المالُ على وَفْقِ المصلحة / وَفْقَ المصلحة.
         ·       الحَسَبُ: حسَبُ الشيءِ: قدْرُه وعدده. يقال: الأجرُ على حَسَبِ / بحَسَبِ / حَسَبَ العمل.

ملاحظة: للاستزادة انظر (مسالك القول في النقد اللغوي) لمؤلفه الأستاذ صلاح الدين الزعبلاوي. علماً بأن معظم مادة هذه الفقرة مقتبس من هذا الكتاب.


29- راوَحَ - تَراوَحَ

         ·       «راوَحَ» فعلٌ لازم(67). يقال: راوح الرجُلُ بين العملين: عمِلَ هذا مرة وهذا مرة. راوَحَ بين رِجْليه، وبين جنبَيْه وأمثال ذلك: يُعمِل هذا مرة وهذا مرة. ومنه الإيعاز العسكري: «مكانَكْ، راوِحْ!» إذا أُريدَ أن يَلزَمَ الجنديُ مكانَه، ويحركَ رجليه بالتناوب فِعْلَ الماشي.
ويمكن - مجازاً - أن يقال: راوَحَ الضغطُ بين 50 و 60 كغ/سم2، (بار) وعندئذ يُفهم أن الضغط كان تارةً 50، وتارةً أخرى 60!.
أما إذا أُريدَ التعبير عن أن الضغط كان متغيراً في المجال 50-60، فيمكن القول: تَقَلَّب الضغط بين 50 و 60، أو كان الضغط واقعاً في المجال 50-60.
         ·       «تراوَحَ» فعلٌ من أفعال المشاركة (أي يشترك فيه اثنان فصاعداً). وهو يأتي متعدياً فيقال: تراوَحَ الرجُلان العملَ: تعاقباه؛ تراوَحَتْه الأحقابُ: تعاقبت عليه. ويأتي لازماً: فلانٌ يداه تتراوحان بالمعروف: تتعاقبان به.
ومع ذلك، أجاز (!) مجمع القاهرة أن يقال: (تراوح الجوُّ بين الحَرِّ والبَرْد)، والفاعل هنا واحدٌ فقط: الجوّ! والمعنى أنه كان تارةً حاراً، وتارةً بارداً؛ وأن يقال: (تراوح السِّعرُ بين الارتفاع والانخفاض)، والفاعل هنا أيضاً واحدٌ فقط: السعر! والمعنى أنه كان تارةً مرتفعاً وتارةً منخفضاً.
فهل تؤدي العبارة: (تراوحت درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ) ما يؤديه قولنا: (كانت درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)؟!! أو: تَقَلَّبتْ درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)؟
ثُم ألا يُغْني قولُنا: (تقع درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)، عن القول: (تتراوح درجة الحرارة بين 35ْ و 45ْ)؟
 أو حتى قولنا: (درجة الحرارة هي بين كذا وكذا)؟


30- التقويم والتقييم

جاء في معاجم اللغة:
1- قوَّم الشيءَ: ثقَّفه: جعله يستقيم ويعتدل (متن اللغة).
               : عدَّله (محيط المحيط).
قوَّم المُعوجّ: عدَّله وأزال عِوَجه (الوسيط).
قوَّم السِّلعة: سَعَّرها وثَمَّنها (الوسيط).
قوَّم السلعة: قدَّر ثمنها وسعَّره (متن اللغة / مجاز!).
قوَّم السلعة واستقامها: قدَّرها (لسان العرب).
قوَّم المتاعَ واستقامه (أساس البلاغة).
وعلى هذا يكون معنى التقويم:
أ - التعديل، نحو: تقويم الأسنان
إن الغصون إذا قَوَّمْتها اعتدلتْ         ولا يلين إذا قوَّمْته الخشبُ
ومن هذه البابة استعمال (التقويم) في بعض التعابير، نحو: تقويم الأخلاق، تقويم اللسان (أي اللغة)، تقويم التيار الكهربائي المتناوب.
ب - التقدير: ومنه:
التقويم: حساب الزمن بالسنين والشهور والأيام (الوسيط + محيط المحيط).
تقويم البلدان: تعيين مواقعها وبيان ظواهرها (الوسيط) - بيان طولها وعرضها (محيط المحيط).
ما قوَّمَتك ملوكُ أرضٍ قيمةً             إلا ارتفعْت وقصَّر التقويمُ
(العباس بن الأحنف)
2- القيمة: ثمن الشيءِ بالتقويم (اللسان).
قيمة الشيء: قدْره؛ قيمة المتاع: ثمنه (الوسيط).
ثمة قاعدة صرفية مطّردة [انظر كتاب (أضواء على لغتنا السَّمْحة)، محمد خليفة التونسي /212]: إذا وقعت الواو ساكنةً بعد حرف مكسور، قُلبت ياءً لتُناسب الكسرة التي قَبْلها.
فنصوغ من (وَزَن، وَقَت، وَعَد) أسماءً على وزن مِفْعال بقولنا: ميزان، ميقات، ميعاد. ولا نقول: مِوْزان، مِوْقات، مِوْعاد!
ونقول: قام يقوم قوماً؛ دام يدوم دوماً؛ عاد يعود عوداً. ثم نقول - طِبْقاً للقاعدة الصرفية السابقة - قِيْمة، دِيْمة (المطر يدوم طويلاً)، عِيْد. ونجمعها على؛ قِيَم، دِيَم، أعياد. والمطّرد في الاشتقاق من هذه الألفاظ ونحوها، الرجوع إلى أصل الحرف في الفعل الثلاثي. فإذا اشتققنا من (قيمة) نقول: قوَّمت الشيءَ تقويماً؛ بإعادة الياء واواً كالأصل. ونقول: دوَّمَتِ السماءُ، بمعنى أنزلت مطراً دام طويلاً.
ولكن العرب أهملوا أحياناً النظر إلى أصل حرف العلّة هذا، فقالوا: (دَيَّمتِ السماء) أخْذاً من (ديمة)، مثلما قالوا: (دوَّمتِ السماء). وقالوا: (عيَّد الناسُ) إذا شهدوا العيد، ولم يقولوا: (عوَّدَ الناسُ) [وذلك دفعاً لتَوَهّم أنها من (العادة) لا من (العيد)].
وعلى هذا جوَّز مجمع القاهرة سنة 1968 استعمال التقييم بمعنى بيان القيمة، وأورد في معجمه (الوسيط): قيَّم الشيءَ تقييماً: قدَّر قيمته.


31- خاصةً، خصوصاً، خِصِّيْصى، الخِصِّيْص

مصادر الفعل الثلاثي(75) سماعية، تُعرف بالرجوع إلى المعاجم وكتب اللغة [بخلاف مصادر الرباعي (المجرد والمزيد) والخماسي والسداسي، فهي قياسية؛ وشذّ بعضها عن القاعدة وخالف القياس].
والفعل اللازم (خصَّ الشيءُ يَخُصُّ خُصوصاً وخَصوصاً: ضِدُّ عَمَّ) له - كما نرى - مصدران.
والفعل المتعدّي (خَصَّهُ) بمعنى فَضّله دون غيره ومَيَّزه، له أحد عشر مصدراً! أهمها:
خصَّه يَخُصُّه خَصّاً وخُصوصاً وخُصوصِيَّةً وخِصِّيصَى وخاصةً. ويرى بعض اللغويين أن (خاصة) اسم مصدر، أو مصدر جاء على (فاعلة) كالعافية.
تقول: أُحبّ الفاكهة (و) خصوصاً العنبَ. [بالواو أو بلا واو]. (ينصب خصوصاً على أنه مصدر نائب عن فعله، وما بعده مفعول به: سُرَّ الأولادُ باللَعِب خصوصاً الأطفالَ الصغار)
وتقول: أُحبّ الفاكهة (و) خاصَّةً العنبَ. [بالواو أو بلا واو].
وتقول: أُحبّ الفاكهة وبخاصّةٍ العنبُ [العنب: مبتدأ مؤخر].
وجاء في (اللسان / خصّ): «سُمع ثعلب يقول: إذا ذُكر الصالحون فَبِخاصّةٍ أبو بكر، وإذا ذُكر الأشراف فبخاصةٍ عليٌّ.»
ويقولون: (فعلتُ هذا خِصِّيصاً لك)، وهذا خطأ صوابه: (فعلتُ هذا خِصِّيصَى لك، أو خاصاً، أو خصوصاً، أو خَصّاً). ذلك أن المصدر (خصيصى) لا يُنَوَّن لأن أَلِفَه زائدة وليست من أصل الكلمة (خَصَّ).
وكذلك (سلمى) لا تنون لأن ألفها ليست من الأصل (سلم).
على أن في اللغة كلمة أخرى هي: (الخِصِّيْصُ: مَن هو أخَصُّ من الخاصّ)، وهذه تُنوّن! فمثلاً: جاء في الصفحة 10 من كتاب (أسرار الحكماء) لمؤلفه جمال الدين ياقوت المستعصمي البغدادي (توفي 698 هـ): «وقال عنه ابن تغري بردي: وكان جمال الدين ياقوت خِصِّيْصاً عند أستاذه الخليفة المستعصم بالله العباسي»، أي: كان جمال الدين أثيراً عند الخليفة، ومن أخصّ خاصّته.
وهناك مصادر أخرى على وزن فِعِّيلى، منها:
بَزَّ قرينَهُ يَبُزُّه بَزّاً وبَزَّةً وبِزِّيزَى: غَلَبَه.
ترامى القومُ ترامياً ورِمِّيَّا: رَمى بعضُهم بعضاً. [تكتب الألِف في (رِمِّيّا) قائمةً لأنها مسبوقة بياء!].
ويقال: كانت بين القوم رِمِّيَّا ثم صاروا إلى حِجِّيزَى: تَرامَوْا ثم تحاجزوا (انفصل بعضهم عن بعض).


32- المختصّ والاختصاصيّ - المُشِعّ والإشعاعي

         ·       إذا تأملنا بعض أسماء الفاعلين والمنسوبات إلى المصادر، كالواردة في القائمة التالية:

الفعل
اسم الفاعل
المَصدر
المنسوب إلى المصدر
عَلَّم
مُعلِّم
تعليم
تعليميّ
أدار
مدير
إدارة
إداريّ
دَرَّب
مدرِّب
تدريب
تدريبِيّ
قضى
قاضٍ
قضاء
قضائيّ
ابتدأ
مبتدئ
ابتداء
ابتدائيّ
اختص
مختص
اختصاص
اختصاصيّ
تَخصّص
مُتخصِّص
تَخصُّص
تخصّصيّ
أَشَعَّ
مُشِعّ
إشعاع
إشعاعيّ

نجد أنه لا يجوز - غالباً - استعمال المنسوب إلى المصدر في مقام اسم الفاعل. فلا أحد يقول: فلانٌ تعليميّ، بدلاً من معلّم! ولا: قضائيّ، بدلاً من قاضٍ!
وإذا قيل: فلانٌ خبير اقتصادي، فالمقصود أنه ذو صلة بعِلْم الاقتصاد، لا أنه مُقتصِد! وإذا قيل عن شخصٍ أو شيءٍ (منهجٍ، أسلوبٍ، …) إنه إحصائي، فالمعنى أنه ذو صلة بعِلم الإحصاء، أو قائم عليه، أو يرمي إليه، أو... لا أنه مُحْصٍ يُحْصي!
يقال على الصواب: كتاب / تدريب/ معهد / مَشْفى تخصّصيّ.
ويقال: تعليم تخصصي؛ الفرع التخصصي [الذي ينتمي / ينتسب إليه الطالب].
فهل ثمة مُسَوِّغ لاستعمال (اختصاصيّ) بدلاً من (مختصّ بـ/في) أو (متخَصّص في/بـ)؟
قال القفطي في تراجمه: (وعليٌّ هذا من المتخصصين بعِلْم النجوم).
         ·       جاء في المعاجم: خَصَاه - خَصْياً وخِصاءً: سَلَّ خُصْيتَيه؛
وجاء في بعض المعاجم (القاموس المحيط؛ تاج العروس؛ متن اللغة):
أخْصَى الرجلُ: تَعَلَّمَ علماً واحداً (مجاز!).
ومَصْدر أخصى هو (إخصاء)، والنسبة إليه (إِخْصائيّ) (لا أَخِصّائي!!!).
فما بالُ قومٍ يتركون المتخصص والمختص، بل والاختصاصي، ليستعملوا الإِخْصائي، وهو لفظٌ يُذَكِّر بالخِصاء؟!!
         ·       يُستعمل المنسوب إلى المصدر - أحياناً - مع اسم الفاعل، نحو: منبعٌ مُشعّ، منبع إشعاعي، مع اختلاف في المعنى لا يخفى على المتأمل. ذلك أن كلمة (إشعاع) وإن كانت في الأصل مصدراً، تَخْرُجُ غالباً في الاستعمال عن مَصْدريتها (الدلالة على الحَدَث) وتنجذب إلى الاسمية. وبالفعل: (الإشعاع هو الطاقة التي تنتشر في الفضاء أو في وسط ماديّ، على هيئة موجاتٍ أو جسيمات).
فالمقصود، إذن، بالمنبع الإشعاعي هو، في الواقع، منبع الإشعاع!.


33- كيلو واط ساعة (لا: ساعيّ!)

حدثني الأستاذ وجيه السمان رحمه الله (وكان عضواً في مَجْمع اللغة العربية بدمشق) أنه أدخل قبل نحو 50 سنة مصطلح (كيلو واط ساعيّ) مقابل kilowatt-heure أو kilowatt-hour) حين وضع كتاب الفيزياء لطلاب شهادة الدراسة الثانوية. وأبدى لي أسفه لذلك، لأنه رأى بعد مدة أن الصواب هو: كيلو واط ساعة. وأنا أوافقه في هذا الرأي، لأن kWh هو الطاقة المنتَجة أو المستهلكة بجهازٍ استطاعته كيلو واط واحد خلال ساعة واحدة. وأقترح استعمال هذا المصطلح (كيلو واط ساعة) وإشاعته في الكتب والمقالات العلمية.


34– النسبة إلى (الطاقة)
الصواب أن يقال: (تخطيطٌ طاقِيّ) (لا: طاقَوِيّ!)، لأن النسبة إلى الطاقة كالنسبة إلى الساعة (ساعيّ).
والقاعدة الكلية في النَّسَب(91) هي: تُحذف تاء التأنيث، ويَلْحق آخرَ المنسوب - إذا كان حرفه الأخير صائتاً - ياءٌ مشددة مكسور ما قبلَها. وبعبارة أخرى، إذا تحقق الشرط المذكور، لا تظهر الواو قبل ياء النَّسَب.


35- مئة / مائة

لا يزال العدد (100) يُكتب هكذا: (مائة)، ويَنْطِقه بعضهم (ماءه) بفتح الميم، كأنّه مؤنث (ماء)! وسبب الخطأ في النطق هو زيادةُ الألِف (لأسباب تاريخية) وعدمُ وضع كسرة تحت الميم. والصواب أن تكتب هكذا (مئة)، فهذه الكتابة تقتضي كسر الميم، على وزن «فئة، رئة»، ولا مجال عندئذٍ لتشويه لفظها. وقد أقرّ مَجْمع اللغة العربية في القاهرة سنة 1963 حذْف ألِفِ (مائة) والتزامَ ذلك. وأجاز المجمع فصل الأعداد من (ثلاث) إلى (تسع) عن (مئة). تقول: خَمسُ مئة، أو: خَمسُمئة.


36- إذَنْ

رُسِمتْ هذه الكلمة في المصحف بالألِف، هكذا: (إذاً(101)). ولكن رَسْم المصحف لا يقاس عليه، كما يقول صاحب (جامع الدروس العربية) الشيخ مصطفى الغلاييني، الذي يقول أيضاً: إن «الشائع أن تكتب بالنون.» والمازنيّ والمُبرِّد يكتبانها نوناً ويقفان عليها بالنون، مثل: لن. وقد أوردها (المعجم الوسيط الذي أصدره مَجْمع اللغة العربية بالقاهرة، بالنون: إذنْ!


37- المصدر الصناعي: الشفافية…

المصدر الأصلي(75) هو اللفظ الدال على الحدث، مجرداً عن الزمان، مثلُ: عَلِمَ عِلْماً، نهض، نهوضاً… وقد ذكرنا في الفقرة 31 أن مصادر الفعل الثلاثي سماعية، بخلاف مصادر بقية الأفعال، فهي قياسية.
والمصدر قد يراد به الاسم لا حدوث الفعل، كما تقول: العِلْمُ نُورٌ. (وفي هذه الحالة يجوز جمعه، فيُجمع عِلم على علوم).
أما المصدر الصناعي(76) فهو قيا سي، ويطلق على كل لفظ (جامد أو مشتق، اسم أو غير اسم) زِيد في آخره حرفان هما: ياء مشددة بعدها تاء تأنيث مربوطة، ليصير بعد هذه الزيادة اسماً دالاً على معنىً مجرد لم يكن يدل عليه قبل الزيادة. فهو يدل على صفة في اللفظ الذي صُنع منه، أو على ما فيه من خصائص، أو على أشياء أخرى كما سنرى.
وقد ورد عن العرب بضع عشرات من المصادر الصناعية، منها: الجاهلية، الأريحية، الفروسية، العبقرية، العبودية، الألمعية، الألوهية، الربوبية، الوحدانية...
وكثير من المصادر الصناعية قد تحوّلت في الأصل عن أسماء منسوبة أُنزلت منْزلة الصفات المشتقة للدلالة على حال الموصوف وهيئته، واستُعملت كذلك، نحو قولك: (إنسانيّ، حيوانيّ، كَمِّيّ، كيفيّ، جزئيّ، كلّيّ…). فإذا أُريد التعبير بها عن جوهر حال الموصوف ومجرّد حقيقته، أُحيل الوصف إلى (مصدر صناعي) بإلحاق تاء «النقل من الوصفية إلى الاسمية» نحو: الإنسانية، الحيوانية، الكمية، الكيفية، الجزئية، الكُلِّية
وقد أكثر المولَّدون من هذه المصادر بعد ترجمة العلوم بالعربية. وقرر مجمع اللغة العربية بالقاهرة قياسيّة صوغ هذا المصدر، لِسَدِّ حاجة العلوم والصناعات إلى ألفاظ جديدة تعبِّر عن معانٍ جديدة.
ولكن متى نصنع مصدراً من المصدر الأصلي؟ أو من اسم المعنى عامةً؟
الجواب: لا معنى لإلحاق الياء والتاء بالمصدر إذا كنت تبغي معنى المصدر، أو الاسم، وحَسْب. فإن اتخاذ (العدلية) بمعنى العدل، و(الخيرية) بمعنى الخير، غير سائغ، واللغة تأباه، والعرب لم تَجْرِ به وإنما قالت: فَعَلَ ذلك على جهة العدل، وعلى جهة الخير… ولم تقل: على العدلية، ولا على الخيرية… لذلك كان الأصل في إلحاق الياء والتاء بالمصدر أو اسم المعنى عامةً، أن تزيد في معناه شيئاً، أو تبتغي خصوصية في دلالته.
         ·       فـَ (الإنتاج) مثلاً مصدر. فإذا قلت (الإنتاجية)، فلا بد أنك أردت به شيئاً آخر لا يمكن التعبير عنه بمجرد لفظ (الإنتاج). والإنتاجية في الاقتصاد: العائد من سلعة أو خدمة في مدةٍ مّا، مقدّراً بوحدات عينية أو نقدية، منسوباً إلى نفقة إنتاجه.
         ·       وَ(الاتفاق) مصدر، وهو ما تَمَّت الموافقة عليه، ويقابلهagreement . أما (الاتفاقية) فيراد بها صكُّ ما اتُّفق عليه، ويقابلها convention.
         ·       و(الاشتراك) مصدر، معناه معروف. أما (الاشتراكية) فتعني المذهب السياسي والاقتصادي القائم على سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج وعدالة التوزيع والتخطيط الشامل…
         ·       و(التقدم) مصدر معناه معروف. أما (التقدمية) فتعني المذهب السياسي والاقتصادي الذي يدافع عنه أنصار التطور (التقدميون).
         ·       و(الشيوع) مصدر معناه معروف. أما (الشيوعية) فمذهبٌ يقوم على إشاعة الملكية، وأن يعمل الفرد على قدر طاقته، وأن يأخذ على قدر حاجته..
         ·     و(الرأسمال) اسم، وهو المال المستثمر في عمل ما. أما (الرأسمالية) فتعني النظام الاقتصادي الذي يقوم على الملكية الخاصة لموارد الثروة.
         ·     و(الشخص): كل جسم له ارتفاع وظهور، وغَلَبَ في الإنسان. أما (الشخصية) فهي مجموعة الصفات التي تميز الشخص من غيره. يقال: فلان ذو شخصية قوية.
         ·     و(الإباحة) مصدر أباحه: أَحَلَّهُ وأطلقه. أما (الإباحية) فتعني التحلل من قيود القوانين والأخلاق.
         ·     و(العقل): ما يقابل الغريزة التي لا خيار لها؛ وما يكون به التفكير والاستدلال، وتركيب التصورات والتصديقات. أما (العقلية) فهي مجموعة الصفات المميزة للعقل. يقال: عقلية فلان تختلف كلياً عن عقلية أخيه. [هناك كتاب عنوانه (خطاب إلى العقل العربي). وواضح أنه لا يقال في هذا المقام (خطاب إلى العقلية العربية‍)].
         ·     و(الخاص): خلاف العام. أما (الخاصية) فهي صفة لا تنفك عن الشيء وتُميّزه من غيره.
         ·     و(الإحصاء) مصدر أحصى الشيءَ: عَرَف قَدْره. أما (الإحصائية) فهي إحصاءٌ مبني على منهج علم الإحصاء، لحالةٍ تقع تحت الإحصاء، كإحصائية السكان في بلدٍ ما.
         ·     و(الخصوص) مصدر. ولكن (الخصوصية) تدل على معنى (الخصوص) وزيادة. وقد أشار الأئمة إلى هذا بقولهم: التاء فيه للمبالغة، (المراد: تاء النقل).
ولعل من السائغ أن نكرر قول الأئمة هذا في توجيه بعض المصادر الصناعية التي استُعملت حديثاً، مثل: الاحتفالية والجمالية…
فقد بدأت مجلة (العربي) التي تصدر في الكويت، احتفالها في عدد كانون الأول 1998 بمناسبة مرور 40 عاماً على صدورها. وتوالت الكلمات والمقالات عن هذه المناسبة بلا انقطاع حتى تاريخ كتابة هذه المقالة (آب 1999). وجرى في الكويت (لقاء الأشقاء) دُعي إليه من البلاد العربية، الذين شاركوا في ميلاد هذه المجلة وتابعوا مسيرتها. هي إذن احتفالات استمرت تسعة أشهر (حتى الآن)، وليست احتفالاً واحداً. ولعل هذه المبالغة في الاحتفال تُسوِّغ صوغ (الاحتفالية)! فقد كُتب على غلاف عدد حزيران 1999: (لقاء الأشقاء: احتفالية العربي بأربعين عاماً من عمرها).
         ·       و(المنهج): الخطة المرسومة. أما (المنهجية) فهي نظام طرق البحث.
- ويؤدي المصدر الصناعي أحياناً معنى (القابليّة لـِ…) كما في المصطلحات الآتية مثلاً: التطورية (قابلية التطور) evolvability؛ الصيانيّة maintainability؛ الأدائية performability؛ تَحَمُّليّة الكلفة affordabiltiy، الالتصاقية، النفاذية
- ويكون أحياناً أخرى مصطلحاً يعبّر عن حالة الشيء واتّصافه بكونه كذا… مثل: مُتاحِيّة الشيء (أي كونه مُتاحاً) availability؛ الموثوقية reliabilty الجاهزية؛ السُّمّيّة؛ الحمضية، القلوية
- ويستعمل المصدر الصناعي أيضاً للتعبير عن أسماء بعض الفروع أو المقادير المميِّزة العلمية، نحو: المِطيافية spectrometry؛ المِجراعية dosimetry؛ المِضوائية photometry؛ المِحْساسية sensitometry؛ المعلوماتية information technology؛ التأثرية؛ الاستقطابية؛ النفوذية؛ التحريضية؛ المقاومّية، الناقلية، الأنتروبيةالبرمجية (الحاسوبية).
وفيما يلي بعض الأمثلة على استعمال المصدر الصناعي:
1- إن ما حدث يؤكد ضرورة استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية.
أما استقلالية القضاء (أي: كون القضاء مستقلاً) فيضمنها الدستور!
2- … وتَفْرض هذه الاتصالية العالمية الواسعة… (أي: قابلية الاتصال العالمية الواسعة…)
3- إن مركزية الإدارة هي السبب في بطء العمل. (أي كون الإدارة مركزية).
4- لا مجال في العمل العام للمجهولية والتستر وراء الأسماء المستعارة (أي: لا مجال لأن يكون الإنسان الفاعل مجهولاً أو مستتراً وراء…).
5- أخرج (كورساوا) السينما اليابانية من إسار المحلّية إلى رحاب العالمية. (أي من كونها محلّية إلى كونها عالمية).
6- إن تمييز السلعة الجيدة من الفاسدة أمر سهل غالباً.
إن تمييزية هذا الاسم واضحة. (أي: كونه تمييزاً منصوباً من حيث الإعراب).
7- … ويجمع هذا الكاتب بين عصرية التوجّه وجِدّة التعبير. ونلاحظ بسهولة موسيقية أسلوبه النثري البليغ
8- … ويتميز هذا البحث العلمي بمنهجه الفذ… وكان منهج عمله كما يلي…
وهذا أمرٌ لا تُقِرِّه منهجية البحث العلمي، ولا ترضاه منطقية التأليف
(منهجية البحث العلمي: كون البحث العلمي ذا منهج في طرائق إجرائه).
9- جرى افتتاح المؤتمر في جوٍ متوتّر.
كانت افتتاحية العدد (أي المقال الرئيسي في صحيفة أو مجلة) هجوماً موفقاً على الفساد والمفسدين.
10- ما كان هذا الإشكال ليحْدُث لو أن…
من أبرز قضايا الفكر إشكالية الثقافة المعاصرة (أي: كون الثقافة المعاصرة ذات إشكالات).
11- إن ضبابية أفكاره هي التي أدّت إلى هذه الإشكالات
ومن المصادر الصناعية الشائعة:
         ·       الحرية، الوطنية، الأهمية، الهُوِيّة، الأنانية، الغَيْرية، الماهِيّة، الألفية، الأربعينية، الخمسينية، الآلية، الأولية، الآخرية، الأولوية، الأفضلية، الأرجحية، الأكثرية، الأقلية، الجنسية، البشرية، المفوضية، المندوبية
         ·       الفردية، الطائفية، القومية، الحزبية، الروحانية، العدوانية، الهمجية، الوحشية
         ·       الصوفية، الرومانسية، الواقعية، السريانية، التجديدية، الحتمية
         ·       المسؤولية، المصداقية، المشروعية، المديونية، المعقولية، المفهومية، المشغولية، المحدودية، المجهولية
         ·       ويستعمل النحاة:
المصدرية، الاسمية، العَلَمية، الفاعلية، المفعولية، الحالية، الوصفية، الظرفية، المعِية

الشفافية:

أختم هذا البحث بتعليق على كلمة (الشفافية) واستعمالها.
(الشفّافية) مصدر صناعي مصنوع من (الشفّاف). [مثل الحسّاسية المصنوع من الحسّاس، وقد أجاز مجمع القاهرة تخفيف الفاء والسين المشددتين في المصدرين].
والأصل - كما ذكرت في بداية هذا البحث - أن يستعمل المصدر الصناعي لأداء معنىً لا يؤديه المصدر الأصلي.
جاء في (المعجم الوسيط): «شفَّ الثوبُ ونحوُه يَشِفُّ شُفُوفاً: رَقَّ حتى يُرى ما خَلْفَه.»
تقول، مثلاً: شُفُوف هذا الثوب غير مقبول…
فما المقصود بـ (الشفافية)؟
         ·       يستعمل بعض العلميين (الشفافية) اسماً لرُقاقة لدنة (بلاستيكية، تسمى بالإنكليزية transparency) طُبع عليها نصٌّ أو صورةٌ أو مخطط، تمهيداً لعرضها في قاعة المحاضرات باستعمال جهاز الإسقاط الضوئي، ويجمعونها على (شفافيات).
وأقترح استعمال (شفِيفَة) بدلاً منها (وجمعها شَفائف مقابل transparencies). فقد جاء في المعجم الوسيط: الشفيف: الشفاف. كما أقترح استعمال (شريحة) و(شرائح) مقابل diaslides.
         ·       أما غير العلميين فيستعملون (الشفَّاف) و(الشفافية) عندما يترجمون عن الإنكليزية. جاء في (المورد) لصاحبه منير البعلبكي (وهو من أحسن المعاجم الإنكليزية - العربية):
«transparent: (1) شفاف (2) صريح (3) جَليّ؛ واضح.
transparency: (1) الشفافية: كون الشيء شفافاً (2) شيء شفّاف (3) صورة أو رسم إلخ، على زجاج أو ورق أو فيلم أو قماش رقيق تُجلى للعيان بنور مُشع من خلفها…»
أقول: إن هذا المعجم، على جودته، لم يورد جميع المعاني التي تعبِّر عنها الكلمتان الإنكليزيتان. وكان عليه أن يورد المصدر الأصلي (الشُّفوف) قبل الصناعي (الشفافية). ومن الجدير بالملاحظة أن (المورد) شرح المقصود بالشفافية. وشرْحُه سليم لا غبار عليه. ولكن المترجمين (وغيرهم) لا يتقيدون به غالباً…
ويُفترض فيمن يترجم عن الإنكليزية أن يعود إلى المعاجم الكبيرة (أكسفورد، وبستر…) ليَسْتَلَّ المعنى المناسب للسياق، إذا لم يجد في المعجم الثنائي اللغة معنىً يناسب المقام.
بيد أن الذي يحدث في الأغلب الأعم هو أن المترجم يأخذ من (المورد) المعنى الأول الوارد لكل من الكلمتين الإنكليزيتين، ويكتفي به، ويستعمله كلما صادف اللفظ الإنكليزي المقابل. فتجيء الترجمات (العربية) غريبة عجيبة حقاً:
فقد جاء في نشرة (الاتحاد الأوروبي) الصادرة باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، العدد 7، تموز 1999، العبارات الآتية:
- «اتحادٌ شفافٌ وفعّال»، مقابل: A transparent and efficient Union
«سيكون على فنلندا أن تنشر شفافية أكبر في عمليات الاتحاد.»
Finland will promote greater transparency in Union operations.
- «… لزيادة فعالية وشفافية وتوافق فعاليات المفوضية والمجلس ككل.»
to increase the efficiency, transparency and coherence of the activities of the Council and the Union as a whole.
هل لهذا الكلام معنى؟‍ أيقوله عربي يدرك ما يقول؟‍‍!!
تقول المعاجم الكبيرة (أكسفورد، وبستر) إن كلمة transparent يمكن أن تؤدي أحد المعاني الآتية:
«شفّاف، صريح، واضح. ظاهر، مفضوح، مكشوف، لا ريب فيه. غير مكنون، غير مستور، غير خفي. خالٍ من التظاهر، غير مُخاتِل، غير مُخادع، يُظهر ما يُبْطِن…»
ومن هذه المعاني نستخرج بسهولة معاني الكلمة الثانية:
الشفوف، الشفافية، الصراحة، الوضوح… عدم المخاتلة، عدم المخادعة…
والأقرب إلى المعنى المراد أن يقال: اتحاد صريح غير مخاتِل وفعال، إلخ…
وأنكى مما سبق أن تقرأ في مجلة عربية تصدر في الكويت مقالةً (غير مترجمة!) يقول مؤلفها (رئيس التحرير) في العنوان الرئيسي لافتتاحية العدد:
- «الشفافية مطلوبة عند التصدي لقضايا الهدر المائي وإقامة التوازن الحيوي والترشيد.»
- وتقرأ في هذه المقالة: «… يجب أن تتوفر رؤية استراتيجية شفافة تقوم على…»
- «إن الاحتكام إلى الشفافية عند علاج قضية الماء من جوانبها السياسية والجيوسياسية…»
- «إن صيغة العقد الإنساني القائم على مبدأ الشفافية والمراعاة الإنسانية كفيل بـ…»
هل يُفهم من هذا (الكلام) شيء؟
هذه نماذج من الإباحية اللغوية التي صارت لغتنا تعانيها على أيدي (المتعلمين) من أبنائها، وهي نماذج بشعة من التخريب اللغوي!
ومما جاء في المقالة المذكورة آنفاً «تعذيب المياه» بدلاً من «إعذاب المياه» أي جَعْلها عذبة بإزالة ملوحتها!



38- أَنْعَمَ النظر؛ أَمْعَنَ في النظر (لا: تَمَعَّنَ!)

تصادف في الكتابات المعاصرة عبارات مثل: «لا بدّ للقارئ المتمعّن أن يلاحظ قصور التعريف المعطى…» يريد الكاتب: … للقارئ المُتَنَبِّه، المُتَيَقِّظ، المدقِّق…
جاء في (المعجم الوسيط):
«تَمَعَّن: تصاغر وتّذَلَّل انقياداً!
أمعن في النظر: بالغ في الاستقصاء.
أَنْعَمَ النظر في الأمر: أطال الفكرة فيه.
غارَ في الأمر: دَقَّق النظر فيه.»

 



39 – لَفَتَ، اللافِتُ؛ بَهَرَ، الباهِرُ

اسم الفاعل من الفعل (لَفَتَ) هو (لافِت). وعلى هذا تقول: (شيءٌ لافتٌ للنظر). ولا يصح استعمال (المُلْفِت للنظر…).
و(الباهر) هو اسم الفاعل من (بَهَرَ) الذي من معانيه أَدْهَشَ، حَيَّرَ، غَلَبَ… أما (المُبْهِر) فهو اسم الفاعل من (أَبْهَرَ) الذي شرحه المعجم الوسيط كما يلي:
أَبْهَرَ:
 1- صار وسط النهار.
 2- تزوَّجَ كريمةً ماجدة.
 3- جاء بالعجب.
 4- تَلَوَّن في أخلاقه.
 5- استغنى بعد فقر.
فَمَن شاء استعمال (المبهر) بهذه المعاني فله ذلك، ولكن لا يصح أن يقال: نجاحٌ مُبهر، أو ضوءٌ مُبهر. والصواب: نجاحٌ باهر؛ ضوء باهر (أي: غامِرٌ غالب).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق