بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 3 سبتمبر 2016

السير في باريس ... مطلع القرن العشرين



لم يكن السير في باريس في عام 1900 يعتمد على السيارات وإنما على عربات الخيل بالدرجة الأولى. قُدر عدد الأحصنة في ذلك العام بثمانين ألف حصان تجوب شوارع العاصمة الفرنسية. ولنا أن نتخيل حالة الشوارع الباريسية مع ما كانت الأحصنة تخلفه وراءها من روث. مما كان يثير تعليقات الباريسيين بعبارات من نمط: "تسمم الجو" و "خطر على التنفس" و "العطر الخانق". واعتقد البعض يومها أن السيارات ستكون الحل الأفضل مستقبلاً.
 
باريس، ظهيرة أحد أيام عام 1900
لذا، خصصت محافظة باريس نحو 3800 عامل تنظيف مما شكل أعباء مالية على دافعي الضرائب. ولتخفيف أثر بقايا الأحصنة وازدحام السير أصدرت المحافظة عام 1907 قراراً بإلزام  العربات والدراجات بالسير على طرفي الطريق وترك المنتصف للسيارات فقط. وبالفعل فقد كان منتصف الطريق نظيفاً وبراقاً جراء دوران عجلات السيارات، أما جانبي الطريق فقد كانا غاية في القذارة على حد وصف الباريسيين أنفسهم، اللذان كانا يتحولان في الشتاء إلى مصيدة لمن يضطر للسير فيهما، وفي الصيف مرتعاً للذباب والحشرات مع كل ما كانت تثيره نسائم الهواء من غبار الروث. لذا ظن الباريسيون أن الحل سيكون باستعمال السيارات فقط. ومنعت العربات نهائياً عام 1913.

ولكن السيارات أخذت تلقي بظلها على جو العاصمة الفرنسية بما تطلقه من دخان، مما اضطر المحافظ لإصدار أمر بمخالفة السيارات المدخنّة. وبالرغم من كل الجهود التي بذلت لتخفيف تلويث السيارات للجو، فإن باريس هي من أكثر المدن الفرنسية تلوثاً وسبب ذلك يعود بنسبة تزيد عن 65% إلى السيارات. وحجم هذا التلوث عندما يصل إلى أشده يماثل جو غرفة طولها 5 أمتار وعرضها أربعة أمتار وفيها ثمانية أشخاص يدخنون سجائرهم! كيف لا وعدد السيارات في باريس يساوي سيارة لكل ثلاثة أشخاص، أي أن عدد السيارات في باريس ومحيطها يزيد عن ثلاثة ملايين سيارة، هذا غير السيارات التي تأتيها من خارج منطقتها. لذا أصدرت محافظة باريس، السيدة هيدالغو، هذا العام قراراً بمنع السيارات والدراجات النارية المصنّعة قبل عام 1997 بالسير في باريس بين الثامنة صباحاً والثامنة مساء في أيام العمل الأسبوعية.
باريس بدخانها

لنذكّر بأن السيارات المماثلة للسيارات الحالية وضعت في الاستخدام عام 1883 وإن ما كانت تصنعه ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة من السيارات في عام 1900 كان قرابة تسعة آلاف سيارة سنوياً. أما عدد السيارات التي أنتجت في العالم عام 2012 مثلاً فزاد عن 81 مليون سيارة! 

من حوادث السير الشهيرة في باريس في أول القرن العشرين كان حادث مقتل الفيزيائي الشهير بيير كوري الحائز على جائزة نوبل وزوج الفيزيائية الأشهر ماري كوري، الذي تزحلقت قدماه في منتصف الطريق الذي كلان يعبره في 19 نيسان عام 1906 بينما كانت تمر عربة كبيرة تجرها أحصنة لم تتمكن من التوقف فداسته بعجلاتها وحوافر أحصنتها ومات على إثرها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق