بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 12 أكتوبر 2016

الترجمة الآلية... غوغل في سباق الأمتار الأخيرة



قضى الله بأن تتكلم البشرية لغات مختلفة وفق أسطورة بناء برج بابل، فهكذا تفرق الشمل وأصبح التفاهم بين الشعوب بحاجة إلى ترجمان وسيط يعرف اللغة المترجم إليها والمترجم منها. واللغات لا تتطابق في كل كلماتها بالضرورة وتشبيهاتها وإسقاطاتها وحيثياتها مما يعقد مسألة الترجمة إلى حد الاستحالة أحياناً في ترجمة بعض التعابير. فكلمة "باب" البسيطة في اللغة العربية لها من المعاني ما يحتاج إلى معرفة جيدة باللغة العربية وهي معان لا تؤديها الكلمة الموافقة لكلمة "باب" في اللغة الإنكليزية مثلاً. فهناك باب الغرفة والبيت وباب البناء وباب القصر وأبواب الكتاب وباب القلب وابواب السماء، إلى غير ذلك من معان يحتاج تحديدها على الأقل إلى معرفة السياق ومعرفة الدلالات في اللغة للاستدلال على معان جديدة.


وأيما كان، فمع التقدم التقني فقد أخذت علوم الحاسوب منذ خمسينيات القرن الماضي بالعمل على إيجاد مترجمات آلية. بدأت بالمعاجم والقواميس التي يسهل البحث فيها، ومن ثم التراكيب والصيغ ومقابلاتها في لغات مختلفة. ومع تقدم وسائل الاتصالات من إنترنت وهواتف ذكيه زادت الحاجة إلى الترجمة الفورية أو السريعة لمعرفة ما يجري في هذا العالم.

وبالفعل فقد أتاحت شركة غوغل، وغيرها، أدوات ترجمة مباشرة بين العديد من اللغات (90 لغة حتى عام 2015، وفاق عدد مستعملي برمجيات غوغل للترجمة في ذلك العام 500 مليون مستخدم!)، هي ترجمات من نوع كلمة بكلمة، تفي بالغرض أحياناً ولكنها تعطي ترجمات مغايرة تماماً للمطلوب ومثيرة للتهكم أحياناً أخرى. ولكن هذا أمر لا يمكن تعميمه على كل اللغات، فالترجمة بين اللغات الأوروبية خاصة من وإلى الإنكليزية تعطي نتائج معقولة في كثير من الأحيان، كون هذه اللغات أنشأت مع مرور الزمن، ليس فقط قواميس للمفردات وإنما للتعابير والتعابير السياقية والمصطلحات. ولكن الأمر ليس ذلك في كل اللغات. 

ولتحسين الترجمة بين اللغات، قامت غوغل باستخدام ما يسمى الشبكات العصبونية، التي تحاكي، كما يشير اسمها، عصبونات الدماغ الإنساني، القادرة على التعلم كما في حالة الإنسان، لتصل إلى ترجمة أدق وأفضل مما هو عليه الأمر الآن. وهي تقوم بعملها على أساس ما يسمى بالأمد القصير والطويل، مثل الإنسان تماماً. بمعنى أنها ستحافظ على المعلومات على المديين الطويل والقصير. وبكلام أوضح، فعند الانتهاء من تحليل جملة ما، سيكون على الشبكة العصبونية أن تتذكر بداية الجملة وأن تأخذ بالاعتبار مجموع الكلمات والجملة بمجملها والسياق لتنتج بعد ذلك ترجمتها. وهذا سيعطي نتائج أفضل من حيث المعنى.

وبالفعل فقد قامت الشركة بتجربة ذلك على الترجمة من اللغة الصينية (المندرية) إلى الإنكليزية وانخفضت نسبة الأخطاء بمقدار 85% بدلاً من 55% في التقنيات السابقة، وهذا تقدم هائل يعد بالكثير.

بقي أن نقول إن ذلك هو إحدى منتجات الذكاء الصنعي الذي تبذل غوغل في سبيله الكثير من الجهد والمال، وهذ ا الذكاء الصنعي يسمح للشبكة العصبونية بالتعلم من أخطائها، أي نسبة الأخطاء ستتضاءل مع الزمن، وقد تنافس فعلاً الترجمة الإنسانية ... إنها غوغل، وقد يصبح العالم في يوم ما "مملكةغوغل".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق