بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 22 أكتوبر 2016

من أشعل النار... يطفيها



النار أو الاحتراق هو تفاعل أكسدة كيميائي تنجم عنه الحرارة. والشعلة الناجمة في الغالب تنشر الضوء نتيجة الحرارة العالية ونتيجة إعادة تموضع الإلكترونات جراء التفاعل. والنار تحتاج إلى ثلاثة عناصر هي: المحترق (الخشب مثلاً)، والمساعد على الاحتراق (الأوكسجين مثلاً الموجود في الهواء)، وطاقة التفعيل، التي قد تكون خارجية (نار مشتعلة من عود ثقاب مثلاً أو حرارة من مصدر ما) أو داخلية (نتيجة تفاعلات كيمائية تنتج حرارة كافية لتفعيل النار).

استعمل الإنسان النار منذ زمن بعيد، هناك من يقول إن بقايا تجمعات إنسانية تشير إلى أن الإنسان استعملها قبل 400 ألف سنة في بعض مناطق أوروبا الحالية، وهناك من يقول إنها استعملت قبل 700 ألف سنة في الشرق الأوسط، ولكن لا أحد يستطيع أن يؤكد إن كان ذلك لأن هذا الإنسان أو ذاك كانا على دراية بإنتاج النار. ربما كان ذلك بفعل الحوادث الطبيعية (البراكين، البرق، الحرارة والتخمر...) فاستعملها الإنسان في كل مرة كان يحصل عليها، وربما أنه تعلم كيف يحتفظ بها مضرمة طول الوقت. الجدل في هذه المسائل لا يزال مفتوحاً دون جواب قطعي. ولكن من المؤكد الآن أن الإنسان تعلم إشعال النار نتيجة حك حجري صوان ببعضهما بسرعة أمام بعض القش الجاف منذ تسعة آلاف عام بحسب اكتشافات في دولة البيرو. هناك من يقول بتواريخ قبل ذلك تعود إلى نحو ثلاثين ألف سنة خلت في مناطق في ألمانيا اليوم، ولكن حالة هذه "الولاعات الحجرية" لا تسمح بالجزم بالقدر نفسه كما في حالة ولاعة البيرو. وفي كل الأحول كانت هناك ولاعات خشبية تتألف من عصاة صغيرة مدببة يتم فتلها يمنة ويسرة بكلا اليدين في مخروط صغير محفور في قطعة خشب يحتوي على بعض النشارة التي ستشتعل نتيجة الاحتكاك بين رأس العصا وقعر المخروط الناجم عن فتل العصا السريع مترافقاً بالنفخ بهدوء لحمل بعض الأوكسجين الإضافي لبدء الاحتراق.
إنتاج النار بالاحتكاك في بعض المجتمعات "البدائية"

تقنية أخرى استعملت وهي المرآة المقعرة الموجهة نحو الشمس التي ستشعل القش الخفيف الموجود في محرقها. وهذا ما استعمله أرخميدس، فيما يقال، لحرق السفن الرومانية التي كانت تهاجم عاصمة جزيرته سراقوسة.

وغير ذلك فقد اخترعت ولاعة الغاز، وهي عبارة عن أسطوانة تُملأ بغاز يمكن ضغطه بسرعه فينجم عن ذلك حرارة كافية لبدء احتراق بعض أنواع الخشب الاسفنجي الخفيف، تماماً كما هو الأمر حالياً في محركات الديزل. ولكن لم تختف ولاعات القدح، التي كانت مزودة بفتيل من الخيوط السريعة الاشتعال حتى منتصف القرن العشرين، واليوم حل محل هذه الخيوط الغاز السائل، وذلك بالرغم من اختراع أعواد الثقاب المعروفة في النصف الأول من القرن التاسع عشر التي تعتمد على الاحتكاك أيضاً، ولكن النتيجة أسرع بما لا يقاس مع احتكاكك أحجار الصوان!
إنتاج النار بفتل العصا

بقي أن نقول إن لاستخدام النار فوائد هائلة للإنسان، فغير الدفء وكل ما ينجم عن الطاقة الناجمة عن الاحتراق، فإن هضم الطعام المطبوخ أسرع بكثير بالنسبة للإنسان، وهذا لوحده شكّل أثراً بالغاً في تطور الحياة الإنسانية. ولكن الأمر السيء هو أن التقدم في الحصول على النار أدى إلى تسريع انتشار أمور سيئة كثيرة منها التبغ. فقد ازداد استهلاك بريطانيا مثلاً من التبغ في القرن التاسع عشر بعد اختراع أعواد الثقاب أكثر من عشر مرات عما كان عليه الأمر قبل هذه الأعواد!

أما من "أشعل النار ... يطفيها" فهذا جزء من شطر لبيت في قصيدة للشاعر نزار قباني عنوانها "إلى رجل"، غنتها نجاة الصغيرة، مطلعها:
"متى ستعرف كم أهواك يا رجلا... أبيع من أجله الدنيـــا وما فيها"
إلى أن يصل إلى:
"وإن من فتح الأبواب يغلقهــا.... وإن من أشعل النيـران يطفيهــا"


هناك تعليق واحد:

  1. شكراً لمعلوماتك القيمة والجميلة.... صباحك نور لاينطفيء

    ردحذف