بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 16 نوفمبر 2016

النوير... ديموقراطية مع الفقر

النوير شعب أفريقي تعيش قبائله في جنوب السودان وشمالي الحبشة، يبلغ عدد أفراده قرابة 3 مليون فرد موزعين بين الحبشة وجنوب السودان. وهو اليوم يعيش أوضاعاً سيئة في تعايشه مع قبائل الدنكا التي تحكم جنوب السودان. لهذا الشعب لغته الخاصة به القريبة البعيدة من لغة الدنكا، ولكنه في غير ذلك مختلف، أو كان مختلفاً، عن كل الجماعات التي تعيش في منطقته.


قام الباحث الأنثروبولوجي (عالم الإناسة) البريطاني إيفانس بريتشارد في ثلاثينيات القرن الماضي بدراسة هذا الشعب وذلك بطلب من الحكومة البريطانية وتمويلها لأنهم كانوا يواجهون مشكلة مع هذا الشعب الذي لا زعيم له ولا بنية تراتبية على الطريقة المألوفة في أكثر المجتمعات. وفي دراسته سمى بريتشارد هذا المجتمع بمجتمع "الفوضى المنظمة" ويقصد بذلك "مجتمع بلا دولة". حيث لا يخضع الأفراد لأية سلطة ولا يبحثون عن الوصول إلى السلطة. وهم يعيشون في تناغم طيب في القرية. أما البنية السياسية فهي عبارة عن نظام القرابة الذي يعتبر أن الجميع ينتهون عند الأصل نفسه، أي أنهم جميعاً متساوون اجتماعياً وسياسياً. ولاحظ بريتشارد أنهم يشكلون شعباً متجانساً إزاء الغرباء بالرغم من أنهم في داخلهم مؤلفون من عدة قبائل متشعبة. الوحدة الأساسية هي القرية. وفي داخل القرية أو بين القرى تُحَلّ النزاعات سلمياً غالباً، حتى لو كان في الأمر دم. وذلك عن طريق "رئيس يرتدي جلد الفهد" الذي يبحث عن التهدئة والتفاوض. ليس لهذا الزعيم أية سلطة خاصة ولا مكانة خاصة ووظيفته هي الوساطة فقط للوصول إلى حل يحفظ ماء وجه الطرفين. والحل في تقديم بعض الماشية. وهذا بالطبع لا يمنع من وقوع معارك بين القبائل أو مع الدنكا. لكنها معارك بسبب نزاعات وليست معارك بهدف الاعتداء.

تدور الحياة حول الماشية، التي تقدم فدية لحل النزاعات
هم متعاونون فيما بينهم، يزرعون الصويا ويتغذون بالمنتجات الحيوانية من حليب وجبن ولحم، ويصطادون حاجتهم من السمك ويتقاسمون كل فائض. ولدى هذا الشعب وضع فريد بين المجتمعات، إذا يمكن للمرأة العاقر أن "تتزوج" بفتاة، ولهذه الفتاة أن تحمل من رجل تختاره المرأة العاقر، وأبناء هذه الفتاة-المرأة هم أبناء تلك المرأة العاقر، التي تمارس دور الرجل بالنسبة للفتاة وأولادها. أي أنه يمكن للجميع أن تكون لهم ذرية يرثونهم من بعدهم.

بقي أن نقول إن أشياء كثيرة غيّرت في هذا الشعب على مر القرن الماضي وإلى الآن، فقد عانى من الحروب القائمة في تلك المنطقة سواء من حكومة جنوب السودان أو من ميليشيات تابعة للحكومة السودانية نفسها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق