بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2016

بعض من تاريخ تطور فن اللوحة



تطور فن اللوحة على مر الزمن، من العصور القديمة، الفارسية والإغريقية، حتى يومنا هذا بلا انقطاع. ولكن التطور الأكبر في فن اللوحة حدث في عصر النهضة الأوروبية مع التخلي عن الترميز البصري الذي كان مستعملاً وذلك لصالح لغة صورية جديدة استمرت حتى القرن العشرين مع دخول الفن التجريدي والتشكيلي. ومن صفات تلك اللغة الجديدة، التي بدأت في عصر النهضة، هي سعيها إلى خلق صور بأقرب ما تكون مما تراه العين. إذ بدأ استخدام المنظور الحسابي والمنظر الجوي والخداع البصري، والتزين الجمالي، وتصويرها للأشخاص والقصص أو المواضيع الدنيوية. لتنتقل بذلك اللوحة من الشرح إلى التصوير.

ولفهم هذا التغير العميق في طريقة التعبير فيجب النظر إلى السياق الاجتماعي والتاريخي. ففن اللوحة لم يكن بقادر على إيصال الرسالة من محررها إلى متلقيها. فقد مهّد الانتقال من القرون الوسطى إلى النهضة إلى بروز الفردية وإعطاء أهمية للشخص بحد ذاته، بعد أن وضعت حرب المائة عام في أوروبا نهاية للنظام الاقطاعي الذي حكم الاستقرار الاجتماعي على مدى قرون. وأصبحت الدول دولاً وطنية لها جهاز إداري معقد أصبح فيه الناس أفراداً بالمعنى العام للكلمة، أي أصبح كل فرد كياناً مستقلاً تجاه الدولة له سجلاته الخاصة به. وتمكنت الأسر الحاكمة من مجابهة السلطة الروحية للكنيسة، وانتشرت المعرفة بفضل الجامعات والمطابع لاحقاً التي سمحت بوصول التيار الفكري إلى مآلاته.

هذا التحول الاجتماعي لم يجر بالتأكيد بين ليلة وضحاها، وكذلك الانتقال من فن لوحات القرون الوسطي إلى فن لوحة عصر النهضة. فقد استغرق هذا التحول قرابة قرن من الزمان لترسيخ أقدام النمط الجديد ومقاومة أنصار الفن السابق. ففي القرون الوسطى كان الهدف من اللوحة هو التوضيح أو التعليم. حيث تظهر الرسالة المراد إيصالها بأوضح ما يمكن. ولم يكن للواقعية أية أهمية، فعلى ما هو الأهم في اللوحة أن يكون الأكبر فيها مقارنة بما هو ثانوي، وتمثيل الشخصيات الكبيرة أهم من تمثيل الناس. والأبنية أو الأشكال المعمارية هي مجرد أشكال لا تتطابق بالضرورة مع مدينة ما. وهذا يتماشى مع عقلية ذلك الزمن الذي يخاطب الناس عموماً حيث لم يكن بعد للفرد مكاناً بيّناً بحد ذاته في المجتمع. كانت الرسالة التي تحملها اللوحات في الغالب رسالة دينية تذكر الناس بالطريق الذي يجب اتباعه إذا أرادوا خلاص نفوسهم يوم القيامة. وتظهر أمثلة عن حياة القديسين، وجهنم وعذاباتها، وآثار هذا السلوك أو ذاك كأدوات توضيحية في كتب ذاك الزمان. وعندما تكون هناك حكاية فتقسم إلى مستطيلات تتضمن كل منها جزءاً من الحكاية، حيث يمكن للشخصية نفسها أن تظهر مرات عديدة في اللوحة نفسها في لحظات مختلفة من حياتها وفي أماكن مختلفة.

بقي أن نقول إن هذا التحول بدأ في إيطاليا أولاً، وكان من أشهر علاماته لوحة الجيوكاندا التي لا تحمل رسالة ولا تمثل قديساً ولا إمبراطوراً، وهي غاية في الجمال التصويري بخلفية جوية لم يعرف استخدامها في القرون الوسطى. كما أن البعض يعزي جزءاً كبيراً من التغير إلى وصول الفنانين البيزنطيين بمعارفهم المتقدمة على أقرانهم الأوروبيين إلى أوروبا نتيجة للتهديد العثماني الذي انتهى بسقوط القسطنطينية عام 1453 بيد الأتراك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق