بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 18 نوفمبر 2016

بركان لاكي... والثورة الفرنسية



الجميع يذكر الانفجار البركاني الذي حدث في جنوب إيسلندا في شهر نيسان عام 2010 وأدى إلى توقف حركة الطيران في معظم المطارات الأوروبية، خاصة النرويجية والدانماركية والبريطانية، لبعض الوقت، نتيجة الغبار الذي انتشر في الفضاء المحيط بهذه الدولة. وهذا لم يكن بالطبع الأثر الوحيد لهذا الغبار ولهذا البركان، فقد انخفضت درجة الحرارة في المنطقة إثر حجب الغبار للشمس مما أثّر في طيور السنونو الذي عاودت رحلتها إلى أوروبا القارية بحثاً عن الدفء والطعام. كانت كلفة هذا الغبار على السفر الجوي قرابة 1.7 مليار دولار!

وهذه بالطبع لم تكن أول كارثة طبيعية تسبب خسائر مادية. فقد عرفت أوروبا عام 1708-1709 شتاء بارداً لم تعرف مثله من قبل. إذ كان بالإمكان السفر على الأقدام من جزر الدانمارك حتى السويد بالرغم مما يفصلهما من بحر وبحيرات. كما أن الأنهر والبحيرات القريبة من البندقية تجمدت كلها. ماتت المحاصيل في أراضيها، وكان الطيور تسقط أرضاً أثناء طيرانها متجمدة، وخرجت الذئاب من أوكارها، كما تجمد النبيذ والخبز والحبر على الطاولات في البيوت. أعقب موجة البرد تلك مجاعة مريعة. وتضاعف سعر القمح خمس مرات، وانتشرت الأوبئة وحدثت الكثير من التمردات في أوروبا، خاصة في فرنسا التي كانت وقتها في حرب بلا نهاية مع إسبانيا. أسباب البرد هذا عوامل جوية نادرة الحدوث، لكن اجتماعها يكون في العادة كارثياً، والبعض يشير إلى أن أحد أسباب اجتماعها هو بركان فيزوف في إيطاليا الذي عاود نشاطه عام 1707 تاركاً وراءه الكثير من الغبار الذي حجب الشمس لوقت طويل مما ساهم في نشوء برد عام 1709 الذي راح ضحيته أكثر من مليوني شخص في فرنسا لوحدها.

حادثة طبيعية بركانية أخرى هي انفجار بركان لاكي في إيسلندا عام 1783،على شكل شرخ بطول 40 كم انطلقت منه الحمم على مدى خمسين يوماً بمعدل 2200 متر مكعب في الثانية غير الغازات المشبعة بالكبريت لتشكل غيوماً تحوّل فيها ربيع وصيف إيسلندا إلى شتاء. لقد كان ذلك كارثة حقيقية على هذه الجزيرة. ساعدت الريح بحمل جزء من هذا الغبار إلى أوروبا. وتشير القياسات التي كانت تجريها هولندا على درجات الحرارة، إلى انخفاض درجة الحرارة على مدى عدة سنوات، مما أثر على المحاصيل الزراعية في أوروبا، وأصبح سعر الدقيق مرتفعاً لدرجة أنه بالكاد لراتب العامل أن يشتري خبزاً لنفسه. كان الفلاحون في حالة بؤس
كاملة. وهي حالة استمرت لعدة سنوات. بعض المؤرخين قال بأن الوضع المزري الذي عاشه الفلاحون الفرنسيون على مدى هذه السنوات ساهم إلى حد كبير في قيام الثورة الفرنسية!!

بقي أن نقول إن الحياة بمطلقها عرضة لكل الاحتمالات، وإن أشياء صغيرة أو بعيدة لا تخطر على بال عاقل، قد تكون السبب في كوارث قاتلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق