بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 5 أبريل 2017

من بعدنا الطوفان

هو مثل استعمل أول مرة في فرنسا بصيغة الجمع، ثم تحول إلى صيغة المفرد "ليكن من بعدي الطوفان". للدلالة على أننا فاعلين ما نحن بصدده وليكن بعد ذلك ما يكون، أو لتكن العاقب على من سيأتي بعدنا. فمن كان أول من قال بذلك؟

يُظن بأن أول من قال ذلك كان لويس الخامس عشر الذي قاله بصيغة المفرد "من بعدي الطوفان"، التي كانت نبوءة مفترضة لموت وريثه لويس السادس عشر الذي أعدم بالمقصلة بعد الثورة الفرنسية. ولكن لا أحد يؤكد ذلك. والبعض يعزوها إلى خليلة لويس الخامس عشر، مدام بومبادور، التي قالت للملك لويس الخامس عشر "لا تأس، فمن بعدنا الطوفان" عندما رأته حزيناً بعد هزيمة جيشه في موقعة روزباش ضد الجيش البروسي.

وأيا ما كان، فقد كان لويس الخامس عشر ملكاَ بالصدفة، لا يملك مواصفات الملك، فهو ورث الحكم عن جد أبيه لويس الرابع عشر، الملك الشمس، وله من العمر خمس سنوات. فقد كان أولاد لويس الرابع عشر وأحفاده قد توفوا جميعاً، ولم يبق من سلالته سوى ابن حفيده، فآل إليه الحكم، الذي لم يستلمه بالفعل حتى بلغ سن الرابعة عشر. وبالرغم من النصحاء والأقرباء والخبراء الذين أحاطوا به، فلم يكن ليحسن القرار، على شاكلة جد أبيه الذي كان يسمع للجميع ثم يتخذ قراره وحيداً. كان وزراؤه ينتظرون توجيهاته التي كانت لا تأتي أو تأتي متأخرة جداً.

خاضت فرنسا في أيامه بعض المعارك الصغيرة التي كسبتها، وكان من بينها ضم جزيرة كورسيكا إلى فرنسا، وخسر معارك أخرى أيضاً، لكن من بين أكبر الخسائر كان فقدان فرنسا الجديدة في أمريكا الشمالية بعد قرنين على إنشائها. كان تخليه أيضاً عن هولندا للنمسا مثار حنق الفرنسيين الذين دفعوا ثمن ذلك من دماء أبنائهم مع لويس الرابع عشر. اشتد سعار هذا الحنق مع تصرفات خليلته المركيزة بومبادور التي لم تكن موضع محبة واحترام الفرنسيين. يضاف إلى كل ذلك بزخ الملك وعدم اكتراثه بالناس وانصرافه إلى ملذاته على حد قول حاشيته، مما أفقده احترام الفرنسيين الذين فرحوا بموته بمرض الجدري عام 1774، مع أنه كان يسمى في بداية تسلمه الحكم بـ"المحبوب"!

فقد هذا الملك معظم أولاده في حياته، وتسلم ابنه لويس السادس عشر الحكم في سن الثامنة عشر، الذي قامت في أيامه الثورة الفرنسية، التي تعايش معها قرابة ثلاث سنوات إلى أن قضت عليه بمقصلتها ... وبالرغم من الشك في أنه قائل "من بعدي الطوفان"، لكن حياته كلها كانت تقول ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق