بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 11 أبريل 2017

هولندا... الأرض والماء

هولندا وارتفاع أرضها عن سطح البحر
لهولنداعلاقة تاريخية مع الماء. فهي في الأصل بلاد منخفضة، بعض منها أخفض من مستوى سطح البحر، وهو لم يكن كذلك منذ الأزل، وإنما تكاتفت الطبيعة مع الإنسان لجعل جزء كبير من أراضيها مهدد بغمر المياه. فأرض هولندا في الأصل كانت غنية بالفحم النباتي (الخث)، المفيد للحصول على الطاقة. وهذا الفحم النباتي لا يكون بالضرورة في مناجم تحت الأرض وإنما في ظاهرها، أو في الطبقة القريبة من السطح، وهو نتيجة تخمر النبات مع مياه جوفية قريبة من السطح. ووجوده على هذا الشكل سهّل الحصول عليه. كما أن المخفي منه أمكن استخراجه مع تقدم التطور في آلات الاستخراج. بدأ ذلك منذ القرن الحادي عشر.

 حوّل هذا الأرض إلى بحيرات صغيرة هنا وهناك. ولما كانت الأرض منخفضة بطبيعتها في تلك البلاد الغنية بأمطارها وأنهرها، والتربة هي من نوع الطمي مما يسهل على الأنهار الدائمة وأنهار الأمطار تغيير مجراها توسعت بذلك البحيرات والمستنقعات، وفقد الهولنديون جزءاً كبيراً من أراضيهم، مما دفعهم للتفكير في حلول لحماية ما تبقى واسترجاع أكبر قدر مما ضاع. فالأرض الهولندية أرض غنية بمحتوياتها العضوية وهي ذات مردود زراعي عال.

ساتر ترابي هائل يفصل إحدى البحيرات عن بحر الشمال، وهو طريق سريع للسيارات
بدأت حماية الأراضي بإقامة سواتر ترابية، منذ القرن الحادي عشر، حول قطعة أرض مغمورة ومن ثم سحب الماء الموجود فيها وضخه إلى أقنية مرتبطة بأنهار أو بحيرات كبيرة. استخدمت في البداية آلية طواحين الهواء لتعمل كمضخة تنقل الماء من مكان إلى آخر. وجعل هذا على عدة مستويات، تقع عند كل مستوي طاحونة هواء تقوم بالضخ إلى المستوى الأعلى. وبذلك أمكن ضمان جفاف الأراضي مما كانت تحتويه من ماء أو مما قد يتسرب إليها عبر التربة النفوذة. ترافق هذا أيضاً مع تحويل مجرى بعض الأنهر وفقاً لدراسات مستمرة عن معدل وجود المياه في التربة. أما تراب السواتر فيؤخذ من مجرى النهر أو من شاطئ البحيرة أو البحر.

ولما كان لهذا البلد شواطئ ممتدة على المحيط الأطلسي، المشهور بأمواجه العاتية، فقد فكر الهولنديون بحماية أراضيهم بساتر ترابي هائل على امتداد الشواطئ الهولندية لمنع تقدم البحر ونهشه لأراضيهم ولكن هذا الساتر لم يكن كافياً دائماً. ففي عام 1953 تعرضت هولندا لعواصف شديدة نتج عنها أمواج بارتفاع قارب الأربعة أمتار عند الشاطئ، وهو ما لم تسطع السواتر مقاومته ونجم عن ذلك خسائر كبيرة تمثلت في موت قرابة 1800 شخص ونزوح أكثر من 70 ألف إنسان وفقدان 12 ألف رأس من البقر، كما غمرت المياه نحو 160 ألف هكتار من الأراضي.


ولمقاومة ذلك وحماية الهولنديين لأنفسهم من كارثة مماثلة، قرروا ونفذوا أعمال هندسية هائلة، من زيادة لارتفاع السواتر على طول 700 كم، وكذلك بناء سدود في الخلجان الكثيرة بطول مجموعه أكثر من 25 كم بما يقلل من طول الشواطئ. استمر العمل في تنفيذ ذلك نحو أربعين عاماً وكلف ملايين الدولارات. ولكن المشكلة لا تزال قائمة خاصة مع ارتفاع مياه البحر بسبب التغير المناخي، مما يجعل هم الحماية من الماء همّاً دائماً لدى الهولنديين، وهو عمل دائم أبداً... لذا فهم يقولون: خلق الله العالم وخلق الهولنديون هولندا!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق