بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 4 أبريل 2018

خمسون عاماً على اغتيال مارتن لوثر كينغ

أحد أبرز دعاة اللاعنف في التاريخ الحديث. اللاعنف باعتباره سياسة ناجعة لمقاومة الظلم والمطالبة بالحقوق. اللاعنف هو الأعلى نجاحاً في التاريخ، أما العنف فغالباً ما أودى بصاحبه وحقوقه ومطالبه. أخرج غاندي الإنكليز باللاعنف بالرغم من إقامتهم المديدة في بلده، وكذلك مانديلا ونهاية حكم البيض لبلاده الذين كانوا يظنون أنهم باقون ما بقي الدهر.

ولد مارتن لوثر كينغ في الولايات المتحدة عام 1929 لأسرة بروتستانتية متدينة وورث عن أبيه القساسة. كان السود في الولايات المتحدة يعانون من التمييز العنصري في بلادهم. وهذا التمييز بدأ بعد ربيع قصير عقب الحرب الأهلية الأمريكية حيث أصبح السود أحراراً، ولكنها حرية لم تدم إلا لفترة قصيرة. إذ عقب تلك الحرب شعور متنام لدى الأمريكان البيض بعنصرية تجاه الملونين جعلت من هؤلاء أبناء طبقة ثانية أو ثالثة في البلاد.

درس كينغ اللاهوت والاجتماع في معاهد مخصصة للسود عموماً، وحصل على الدكتوراه في اللاهوت من جامعة بوسطن عام 1955. تزوج في عام 1953 وأنجب أربعة أبناء. كان خطيباً مفوهاً يحسن شد الناس إليه. وكان نشطاً في الدفاع عن حقوق أبناء جلدته عبر تنظيمه ومشاركته في الإضرابات أو المظاهرات أو العصيانات. ومن أهم المشاركات كانت تلك الخاصة بالنقل والتمييز بين البيض والسود في الاستفادة من النقل العام. وهذا التمييز قاد في عام 1955 إلى أعمال عنف راح ضحيتها صبي وقس ومناضل من أجل الحقوق المدنية. وكذلك تم توقيف المناضلة السوداء روزا بارك عند رفضها لقوانين النقل الظالمة. قاد كينغ حملة مقاطعة السود للنقل العام، حملة استمرت 382 يوماً تم توقيف كينغ خلالها وحصلت خلالها أعمال إرهاب من البيض ضد السود وأحرق فيها بيت كينغ. وبالرغم من كل ما تعرض له السود خلال تلك الفترة استمر أربعون ألفاً منهم في التنقل سيراً على الأقدام دون وسائط النقل. وانتهت المقاطعة مع إعلان المحكمة العليا للولايات المتحدة عام 1956 بعدم شرعية التمييز في الحافلات والمطاعم والمدارس وأماكن عامة أخرى. وكان هذا نصر هائل.

وكان له في عام 1957 دور هام في إقامة منظمة "مؤتمر قادة الجنوب المسيحيين" السلمية والتي شاركت بفاعلية في حركة الحقوق المدنية بتنظيمها للكنائس الأمريكية السوداء لقيادة الاحتجاجات اللاعنفية. وترأس كينغ هذه المنظمة حتى وفاته، وقاد مسيرات سلمية في مطلع الستينيات من أجل حقوق السود في التصويت حيث كانت ولايات الجنوب تمارس التمييز العنصري، وكذلك من أجل حق العمل وحقوق أساسية أخرى. وانتهى الأمر بإصدار مرسوم الحقوق المدنية عام 1964 ومرسوم حق الانتخاب عام 1965. وهذا تأكيد آخر على نجاعة اللاعنف الذي كان عدد لا بأس به من السود لا يؤمنون به ويدعون للعنف من أجل نيل الحقوق.

وكان قد شارك في عام 1962 في تنظيم إضرابات ومظاهرات برمنغهام، وهي المدينة التي كان 35% من سكانها من السود ولكن لم يكن لهم الحق في شغل أية وظيفة أو عمل إلا أعمال التعدين. وهي من أكثر مدن أمريكا عنصرية. فليس للسود الحق في امتلاك محل لبيع أي شيء، والمحلات التجارية كانت فيها أماكن وسلع مخصصة للبيض فقط. كان السود فيها يعيشون في فقر مدقع والبطالة لدى السود قرابة ثلاثة أضعاف البيض. أدت الإضرابات والاحتجاجات السلمية التي نظمها كينغ، بدعوة من أحد قساوسة المدينة السود، إلى تعاطف الرأي العام الأمريكي مع السود، ومن أهم المتعاطفين كان الرئيس كيندي وزوجته. انتهت هذه العملية باستقالة محافظ المدينة وإقالة رئيس شرطتها ونزع اللافتات العنصرية في الأماكن العامة واعتبر ذلك نصر كبير لحركة اللاعنف.

كل هذه الاحتجاجات والمسيرات قادت في النهاية إلى مرسومي 1964 و 1965 المذكورين سابقاً. وهذه المسيرات والاحتجاجات لم تكن بلا ألم بالنسبة لكينغ، فقد سجن مرات ومرات، وتعرض منزله أو مكان إقامته للتدمير أكثر من مرة، وكذلك للاغتيال على يد امرأة سوداء بتهمة شيوعيته. ولكن عملية اغتياله في الرابع من نيسان عام 1968 لم تفشل، وهي عملية اغتيال على شاكلة اغتيال جون كيندي، بمعنى أن هناك "قاتل" دُفع به إلى المقدمة دون أن نعرف حتى اليوم من القاتل الحقيقي.

وأياً ما كان، فقد تحقق جزء كبير من حلم مارتن لوثر كينغ في محاربة العنصرية، والسود اليوم موجودين في كل المستويات، الاقتصادية والسياسية، فمنهم اليوم طبقة من الأغنياء، ومنهم اليوم من أصحاب المناصب العليا وأهمها بلوغهم سدة الرئاسة... ويوم ميلاد كينغ هو عيد وطني في الولايات المتحدة ويكون في يوم الإثنين لثالث أسبوع من شهر شباط.

في خطاب مؤثر لكينغ عام 1963 أمام نصب لنكولن في واشنطن، تحدث فيه عن حلم، ومن بين ما جاء في هذا الخطاب:

... أحلم بأنه في يوم من الأيام وعلى هضاب جورجيا الصهباء، سيجلس أبناء العبيد السابقين وأبناء أسيادهم السابقين على مائدة الأخوة.... أحلم بأن أبنائي الأربعة سوف يعيشون يوماً ما في دولة لا يقيّمون فيها على أساس لون بشرتهم وإنما على أساس كفاءتهم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق