بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 4 أبريل 2018

الشنتو... ديانة اليابان


الشنتو أو الشنتوية هي ديانة اليابان الرسمية والتاريخية إلى حد ما، فهي أول دياناتها، تعايشت مع البوذية الصينية التي كانت المفضلة لدى الشوغون، حكام اليابان الفعليين حتى القرن التاسع عشر، إلى أن اعتمدها الميجي ديانة رسمية لليابان منذ سبعينيات القرن التاسع عشر دون أن يمنع الديانات الأخرى بل على العكس.

وديانة الشنتو تختلف عن غيرها من الكثير من الديانات في أنها لا تتحدث عن إله خالق، وإنما عن انتماء إلى مجتمع والشعور الفعلي بهذا الانتماء، وفي حالة الشنتوية فهو الانتماء إلى المجتمع الياباني. والشنتوية هي قبل كل شيء تعبير عميق عن الثقافة اليابانية بجذورها البعيدة في الزمن، وتستمد قوتها اليوم من أنها ديانة لنحو مائة مليون إنسان ينتمون إلى دولة ومجتمع متقدمين، وإن كانت من الناحية الدينية أو الفلسفية تضمن الكثير من الفجوات.

يعتبر أتباع هذه الديانة أن قوى الطبيعة والكائنات المختلفة والشخصيات المشهورة على أنها مقدسة أو أرباب، ولها اسم خاص هو "كامي". وكلمة شنتو تعني "طريق الأرباب". وأشهر الأرباب هي الشمس (أماتيراسو) التي تحمي اليابان من الهجمات الخارجية وغير ذلك من فضائل. وعليه يمكن القول بأن علم اليابان (المستطيل الأبيض مع القرص الأحمر في وسطه) هو رمز للشنتوية. كما أن اسم البلد "يابان" يعني "الشمس المشرقة". ومع هذا فليس للشمس مكانة تراتبية أعلى بين أرباب الشنتو، إذ لكل منهم مكانه ومكانته. والكامي تثير في نفوس اليابانيين خشية جليلة. ومن بين الكامي نجد جبالاً وأنهراً وبحيرات وحيوانات مثل النمر والأفعى والذئب، ومن بين الكامي إمبراطور اليابان نفسه، وبعض شخصيات التاريخ الياباني هي أيضاً من بين الكامي وكذلك الريح وأرواح الأجداد. وعدد الكامي يبلغ ملايين عديدة، لذا يسمى اليابان أيضاً "بلد الأرباب". كما أن أتباع هذه الديانة لا يعرفون إلهاً علياً، والسماء ليست من بين الأرباب ولكنها سكنى لهم. ومن المفروض أن يكون كل الكامي من الأخيار ولكن يحدث أن يكون بينهم أشرار.

وفي الواقع فإن ديانة الشنتو لا تتضمن عقائد محددة وإنما مجموعة من الممارسات يمكن أن تتغير من بلدة إلى أخرى. وهي مبنية على الحياة الاجتماعية أكثر منها على الحياة الفردية، وعلى التناغم مع الطبيعة، حيث كل شيء فيها مقدس، من النجوم إلى الأنهار إلى الأجداد. وهذا كله حاضر في الثقافة اليابانية. حيث البحث عن قلب صاف وعن الشكر والامتنان لما في هذا العالم من طيبات وتمني دوام السعادة. ونصلي للأرباب (الكامي) في مناسبات عديدة مثل الرجاء بمحاصيل جيدة أو بمناسبة تتويج الإمبراطور. لا انتظار لحياة أخرى، والموت ينظر إليه على أنه مأساة وله طقوس مواساة مأخوذة عن البوذية. وفي الزواج والولادات تعم الأفراح، فهذه أسس الجماعة ولها أهم لأفراح. ومن يولد يسجل في أقرب معبد على أنه ابن لهذا المعبد والمتوفى يسجل على قائمة الكامي، وليس كمتوفي.

يؤم اليابانيون معابد الشنتو يوم الأحد لتنقية الأرواح في حدائق المعابد الجميلة، حيث يمكن شرب المياه المقدسة بكؤوس خشبية. والنظافة أمرمقدس في الشنتوية، وخاصة الاغتسال. وكذلك احترام الآخرين واتباع الآداب التقليدية، ويتلوا الأتباع نصوصاً محددة قبل البدء بتناول الطعام، ويشكرون ويحمدون. ولدى أتباع الشنتو عيد "الماتسوري" الذي يدعى فيه الأجداد المتوفون ليشاركوا في ملذات الأرض عبر أرواحهم. يذهب أتباع هذه الديانة إلى الحج المتكرر إلى الجبال حيث تقيم الأرباب (الكامي) وذلك بهدف التخلص من ذنوب الحياة اليومية من كذب وسرقة وقتل وغيرها. وهم لا يستخدمون كلمة ذنوب وإنما أدران يجب التخلص منها والعودة إلى النقاوة.

وبالرغم من التقدم التقني في اليابان، إلا أنها تصر على ثقافتها وتقاليدها التي تحضر فيها ديانة الشنتو البدائية.  فرياضة السومو اليابانية الشهيرة حيث يتبارى رجلان ضخمان شبه عاريان يبحث كل منهما عن إخراج الآخر خارج دائرة التباري بعد أن يرمي كل منهما ببعض الملح لتطهير الدائرة، وحركة التنقل الدائمة للساقين والحفاظ على التوازن هي بغرض دهس الشر. والفعل الرياضي في هذه "الرياضة" أقل حضوراً من الفعل الطقسي، فحتى الحكم يرتدي ثياب الكاهن.

كما أن الكتابة اليابانية وأحرفها بدائية ومعقدة، ويمكن استعمال الأحرف اللاتينية بسهولة وفاعلية أيضاً. ولكن اليابانيين يصرون على كتابتهم الركيكة هذه وتحرض ديانتهم على ذلك. وديانتهم هذه هي أحد الرموز الكبيرة التي يجتمع اليابانيون حولها بتقدير ومودة ويجدون في احترامها للطبيعة ميزة يمتازون فيها على الكثير من شعوب الأرض، فهم ليسوا بحاجة إلى أحزاب البيئة السباقين فيها... تعايشت الشنتوية مع كل الديانات، وهي لا تنظر لنفسها إلا على أنها ديانة من بين الديانات، وحتى تقول بأنها ليست ديانة بالمعنى المعروف للديانة... فهي ليست ديانة للأفراد وإنما للجماعة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق