بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 18 فبراير 2017

التلوث الذي بلغ أعمق الأعماق

إن الكوارث التي ستنجم عن الدمار البيئي الذي يسببه استهتارالإنسان ستكون مشكلة الحياة الأكبر على الأرض في العقود القادمة. فليس فقط تلوث الهواء، والماء، وارتفاع درجة حرارة الجو بسبب الغلاف الجوي المغلق الذي يحبس الحرارة... وقطع الأشجار والإساءة إلى التربة وأشياء كثيرة أخرى. ولكن المسألة طالت كل بقع الأرض من يابسة ومياه وأعماق بحار ومحيطات.

البعض قد يظن أن المسألة لا تزال محدودة الأثر، وأن هناك الكثير من المبالغة فيما يقال عن التغيير البيئي. ولكن هذا غير صحيح أبداً. فالآثار أكثر من واضحة. فكثير من مناطق الأرض تشهد تغيرات مناخية واضحة وغير مسبوقة. والتصحّر واضح في العديد من مناطق العالم. كما أن التلوث لم يترك مكاناً في هذا العالم دون أن يمسه.
مخلفات في المحيط

وفي الواقع فقد قام فريق من الباحثين من جامعو نيوكاسل في السنوات الماضية بتحليل عينات جلبتها غواصات صغيرة غير مأهولة يمكن أن تذهب بعيداً في أعماق البحار. من مناطق يبلغ عمقها عشرة آلاف متر، ومن مناطق جد متباعدة في المحيط الأطلسي. ووجدوا أن هذه العينات تتضمن مستويات عالية من ملوثات عضوية من صناعة إنسانية، مثل تلك المستخدمة في العوازل الكهربائية أو مواد الاشتعال. وهذه النتيجة لم تكن نتيجة عمل فترة قصيرة وإنما استغرقهم ذلك سبع سنوات للتأكد والتوثق مما وصلوا إليه. ذلك أن ما وجدوه هو أمر يصعب تصديقه خاصة عند هذه الأعماق الكبيرة التي كان يظن أنها ستكون دائماً في مأمن من التأثير البشري. ولكن الحقيقة هي غير ذلك. والأهم من هذا هو أن مستوى التلوث عال ومماثل للتلوث الذي يعاني منه أي خليج من تلك الخلجان التي تزدحم حولها الصناعات.

ومن بين مصادر هذا التلوث مثلاً مواد مثل ثنائي الفينيل متعدد الكلور، الذي بدأ إنتاجه في ثلاثينيات القرن الماضي وأوقف في سبعينياته. إذ تسرب قسم من هذه المواد أو تم التخلص منها في المحيط الأطلسي ظناً بأن مياه المحيط ستفككه. ولكنها في الواقع لا تتأثر هذه المواد كثيراً بالتفكك الطبيعي ولها أن تستمر عقوداً وعقود. ويعتقد الباحثون أن هذه المواد وصلت إلى الأعماق السحيقة عن طريق قطع البلاستيك المتناثرة في المياه الحاملة لهذه المواد الكيمائية والتي لها إمكانية الحركة والتنقل في المياه عن طريق التيارات المائية لترسو بعده في الأعماق، وكذلك الأسماك التي تبتلع هذه المواد وتموت ثم تغرق إلى الأعماق ومن ثمن تتفسخ وتتغذى عليها رخويات الأعماق.

خطورة هذه المسألة هي أن البحار والمحيطات تعتبر أكبر الأوساط الإحيائية على الأرض، وهي إلى حد ما "بالوعة" نفايات الإنسان، ولكن هذا لا يعني أنها لن تصاب بالإشباع يوماً ما... وها قد وصلت آثار التلوث إلى أعمق الأعماق ... ولا تزال البشرية شبه غافلة عن ذلك ... فمتى يستفيق الناس من غفلتهم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق