بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 4 مارس 2016

السياسي والشاعر والعاشق... ابن زيدون



إنه ابن زيدون الشاعر الأندلسي المولود في منطقة قرطبة عام 1003. كان أبوه عالم دين، أما جده لأمه فكان قاضياً ومن ثم رئيساً للحرس في قرطبة نفسها، وهو الذي رباه بعدما توفي أبوه وكان لابن زيدون 11 عاماً. وبحكم مكانة عائلته وثراءها فقد كان له منذ البداية فرصة الاتصال بالدوائر الأدبية واللغوية الأعلى مقاماً في قرطبة. تعرف أثناء دراسته على ابن جوهر الذي سيصبح ملك طائفة قرطبة مستقبلاً. 

عاش ابن زيدون في فترة اضطرابات وحروب أهلية اتسمت بها نهاية الخلافة الأموية في قرطبة. ساهم ابن زيدون في هذه النهاية بكتاباته وخطبه التي كان لها أثر لدى أهل قرطبة. سجن لفترة بسبب نشاطه السياسي، أطلق سراحه ابن جوهر عندما تمكّن من طرد الأمويين واعتلاء العرش، وسمى ابن زيدون وزيراً له، قام خلال ذلك بمهمات ديبلوماسية عدة لدى الطوائف المجاورة. ولكن شخصاً آخر طامع بالوزارة كاد لابن زيدون مما أدى إلى خصام مع ابن جوهر هرب على إثره إلى ملك طائفة إشبيلية المعتضد ابن عباد، ليصبح الكاتب لديه، ويستمر لدى ابنه المعتمد، الذي كان تلميذا لابن زيدون. ومن ثم كان لابن زيدون دور كبير في فتح المعتمد لقرطبة. وفي عام 1070 قاد ابن زيدون حملة لإخماد انتفاضة في إشبيلية ضد المعتمد، حيث توفي فيها عام 1071.

تمحور شعر ابن زيدون حول مديح الملوك، من ابن جوهر إلى المعتضد إلى المعتمد، وهو مديح يليق بالملوك كما في الأبيات التالية:
ولا قبل عبّاد حوى البحر مجلس/ ولا حمل الطود المعظّم رفرف
هو الملك الجعد الذي في ظلاله / تُكفّ صروف الحادثات وتُصرف
همام يزين الدهرَ منه وأهله / مليك فقيه كاتب متفلسف
(الطود: الجبل العظيم. الجعد: الشديد الأسر. الرفرف: الفراش والبسط)

ولكن شعره هذا، على ما فيه من دقة في الصنعة، بقي دون أشعاره الأخرى التي اشتهر بها عاشقاً لولادة بنت الخليفة المستكفي الذي لم يمتد به الحكم. بقيت في قرطبة حيث تعرف إليها ابن زيدون في مجلسها للأدب، وأحبا بعضهما، ولكنها كانت فيما يبدو لعوباً تحب أن تُعشق. ويقال إن ثوبها كان يحمل بيتان من الشعر كتبتهما هي:

أنا والله أصلح للمعالي / وأمشي مشيتي وأتيه تيهاً
وأمكن عاشقي من صحن خدي / وأعطي قبلتي من يشتهيها

انتهى الأمر بهما إلى الفراق خاصة بعد مغادرة ابن زيدون قرطبة. ولكنه حتى وهو في أول عهده في أشبيلية كان يحاول الوصول إلى قرطبة أو الاقتراب منها ليقترب من ولادة، فكتب قصيدته من منطقة الزهراء، ضاحية من ضواحي قرطبة، يقول مطلعها:

إني ذكرتُك بالزهراء مُشتاقاً / والأفق طلقٌ ومرأى الأرض قد راقا
وللنسيم اعتلال في أصائله / كأنه رقَّ لي فاعتل إشفاقا

ومع الأيام تسوء العلاقة بينهما، خاصة وأن ولادة كانت تريد أن تثير فيه الغيرة لأسبابها. فكتب قصيدته المشهورة بمطلعها:
Afficher l'image d'origine
بقي أن نقول إن ولادة توفيت عن عمر ناهز الثمانين دون أن تتزوج، والبعض قال إنها تجاوزت التسعين عاماً، وتوفي ابن زيدون وهو دون السبعين ودون أن يتزوج، أمضى حياته في خدمة ملوكه، وبعضاً من شبابه في عشق ولادة ... شيء قد نتحسر عليه اليوم، هو أن أمثال ابن زيدون لم يدافعوا عن وحدة أوطانهم بقدر ما دافعوا عن عروش ملوكهم، ... لكن مفهوم الأوطان لم يكن ربما قد تحدد بعد، وهو حتى اليوم مفهوم غامض لدى الكثير من الشعوب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق