بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 15 أبريل 2016

الغبار... عالم بأكمله



Afficher l'image d'origine
صورة بالمجهر الإلكتروني للغبار الدقيق


الغبار كلمة نستخدمها في أحوال متعددة دون أن ننتبه إلى مضامينها وقضاياها. والغبار هو كل الأجسام الصغيرة العالقة في الجو بأحجام من حدود  ميكرون إلى 10 ميكرون، أي من حجم الفيروس إلى حجم الخلية، وهي تملأ الجو بما لا يقل عن مليار من هذه الجسيمات في المتر المكعب الواحد. وهي مما لا تراه العين، وما نسميه بالغبار في الشائع هو تراكم آلاف الجسيمات من الغبار الطبيعي لتشكل جسيمات مرئية. والجو حولنا يضمن المليارات منها، نتنفسها دائماً دون أن نشعر بذلك. 

تكون مفيدة أحياناً في بعض التشكلات الغذائية كما في الأجبان، وكذلك غبار الطلع الشهير، ولكنها ضارة أيضاً في مجالات مختلفة كما هو الحال في غرف العمليات في المشافي أو في مصانع الأدوية أو في بعض الصناعات الغذائية، وهي ضارة جداً في الإلكترونيات الصغرية أو التكنولوجيا النانوية. لذا نلجأ إلى العمل داخل ما نسميه الغرف الرمادية أو الغرف البيضاء التي يتم تخليتها تقريباً بالكامل من الغبار عبر عملية معقدة من الترشيح. والغرفة البيضاء هي غرفة لا تحتوي على أكثر من عشرة آلاف من الجسيمات في المتر المكعب بدلاً من المليار.
Afficher l'image d'origine
العمل في الغرف البيضاء

والغبار ينشأ عن الحركة بأنواعها المختلفة التي تؤدي إلى الاحتكاك الذي سينجم عنه الغبار. ومن أعظم مولدات الغبار على الأرض حوض بحيرة التشاد الواقعة في شرقي شمالي التشاد، وهو حوض غضاري، عند جفافه تحمل الرياح التي تهب في هذه المنطقة الغبار الغضاري بكميات هائلة تنتقل في الأجواء حتى الغابة الأمازونية في أمريكا اللاتينية، وهو غبار ضروري فيما يبدو للتوازن البيئي في هذه الغابة بما يحمله من مواد كيمائية.
صورة قمر صنعي لغبار بحيرة التشاد


وكميات الغبار الهائلة لا تعني أن ورائها كتلاً هائلة، فالمسألة هي مسألة الفارق بين السطح والحجم. فمتر مكعب من الألمنيوم، عند تقطيعه إلى قطع صغيرة يمكنه أن يشكل سطحاً مساحته واحد كم مربع. وهذه القطع الصغيرة هي بحجم الغبار. ولا تخلو مثل هذه العملية التي يتركز فيها غبار الألمنيوم من مخاطر، إذ لها أن تؤدي إلى تفاعلات كيمائية في ظروف خاصة قد تقود إلى كوارث.

وعالم الغبار يبقى عالماً خاصاً. فسقوط الغبار نحو الأرض لا يكون على شاكلة الأجسام الكبيرة، ليس لأنها لا تخضع لقانون الجاذبية، ولكن بسبب التدافع بينها مما يجعلها تتحرك للأعلى والأسفل وفي كل الاتجاهات وعلى نحو عشوائي تماماً، ولكن لتنتهي بالسقوط بعد زمن أطول من الأجسام الكبيرة نسبياً. وهذا ما يفسر أن الغبار الذي نجده على الطاولة بعد مسحها يحتاج إلى بعض الوقت للسقوط والتراكم، ولا يحدث ذلك دفعة واحدة، ونعود لمسح الطاولة بالتالي بعد فترة.

كذلك تترابط هذه الجسيمات ببعضها بدون مادة لاصقة، وهو ما نراه عند تنظيف كتاب تراكم عليه الغبار، لا يكفي فقط أن نقلب الكتاب ليتساقط الغبار، أبداً... السبب في أحد أوجهه هو أن الذرات تتجاذب، بدلاً من أن تتنافر، عند مسافة معينة بسبب ما يسمى بقوة فاندرفالس van der Waals التي يمكن فهم آليتها عبر ميكانيك الكمومي. وهذا ما يجعل ذرات الغبار تبقى ملتصقة بسطح الكتاب المقلوب.

بقي أن نقول إن الغبار هو ظاهرة بيئية تشكل الآن قضية هامة لسكان المدن. تحاول دول كثيرة مواجهتها، بينما تتجاهلها دول أخرى، ولكن عالمنا هو عالم متصل لا تعرف غباره الحدود!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق