بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 17 فبراير 2017

الكلام... كيف ومتى

الكلام هو اللغة التي تحمل مضامين خاصة بالإنسان. يتميّز عن الصراخ أو التنبيه أو الأنين وما شابه من أصوات. والكلام المنطوق يحمل إشارات صوتية مسموعة ومقاطع تشكل كلمات تقابل رموزاً محددة. يختص الكلام بنقل الأفكار والمشاعر والآلام والآمال والحاجات الخاصة بالمتكلم. وللكلام أن يكون حاملاً لملاحظات ذاتية أو موضوعية عن الوقائع تسمح بالتعبير عن معرفة منتجة أو عن تغير واقع في الوسط المحيط أو العالم. كما للكلام في لغة ما أن يسمح بالتجريد وبالتذكر.

ولكن متى بدأ الكلام؟ من المعروف أن الكلام يحتاج إلى ثلاثة عناصر: هواء الرئة، والحبال الصوتية والتجويف الفموي مع اللسان والشفتين لإنتاج حروف وأصوات تسمح بتشكيل الكلام. وهذا النظام يقع بالكامل تحت تأثير الدماغ الذي يتحكم وضوحاً بحركة التجويف الفموي واللسان والشفاه لإخراج الأصوات. 

ربط الباحثون منذ فترة طويلة إنتاج الكلام بتطور وضع وموقع الحنجرة أو الحلق في النظام الصوتي، وسادت تلك القناعة زمناً طويلاً. وبحسبهم فإن هذا الوضع يمكن أن يُعزى إلى انتصاب الإنسان على قدميه، مما أدى إلى انخفاض الحلق قليلاً نحو الأسفل بما سمح بالكلام. وهذا أمر يعود إلى أكثر من مليون سنة. ولكن الكلام لغة يعود إلى قرابة 100 ألف عام كما يشهد على ذلك تناقل الثقافة (الخاصة بإنتاج الأدوات مثلاً) التي تحتاج إلى لغة وكلام.

كان داروين يقول بأن الكائنات الأخرى المشابهة للإنسان، القردة بأنواعها، لا يمكنها الكلام، لأن ليس لها دماغاً كافياً لإنتاج كلام بما يكفي لإنشاء لغة بسبب عدم كفاية ذاكرتها. وهو أمر يبدو أكثر صحة. فقد بينت دراسات كثيرة جرت مؤخراً إمكانية القردة الكبيرة على إنتاج أصوات تقابل الأحرف الصوتية في اللغات المحكية - على الرغم من الاعتقاد بأن مكان الحلق هو العامل المؤثر. ولكن يبدو أنه ليس لدماغ هذه القردة القدرة على التحكم بالحلق لإنتاج كلام يمكن تميزه. 

إذن ليس مكان الحلق هو الأهم. وعليه فإن الإنسان كان دائماً قادراً على إنتاج أصوات يمكن تطويرها لتصبح كلاماً. وهو أمر أثبتته دراسات عديدة أجريت على القردة الكبيرة. لذا فإن باحثين آخرين يوصون بالتوقف عن البحث والتنقيب في المستحاثات عن تطور مكان الحلق في النظام الصوتي، وإنما يجب تركيز البحث عن تطور مورّث (اسمه FOXP2 ) مسؤول عن النطق والكلام، وعن الفترة التي تطور عندها. 

وعليه فلا نعرف حتى اليوم متى بدأ الإنسان الكلام بالضبط. كل ما يمكن تأكيده هو أنه وجدت لغة ما بحدود مائة ألف عام خلت. لغة لها القدرة على نقل الأفكار وليس مجرد كلمات متناثرة. وأول الكلمات التي صاغها الإنسان كانت خاصة بالأمكنة والأسماء كما توحي بذلك اللغات القديمة التي لا تزال حيّة، وهي كلمات بدائية لم تتطور، أو مستحاثات باقية في اللغات حتى اليوم.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق