بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 25 فبراير 2017

بوزون هيغس... الفكر سابق للتجربة

كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن بوزون هيغس، فما هو ومن اكتشفه؟ 

ففي الستينيات من القرن المنصرم قام الاسكتلندي بيتر هيغس Higgs والبلجيكي فرانسوا إنغليرت Englert ومواطنه المتوفي روبرت بروت Brout، وعلى نحو منفصل، بالبرهان على ضرورة وجود جسيم صغير من فئة البوزونات غير معروف بعد ضمن جسيمات الذرة. وانتظروا خمسين سنة حتى يفوز اكتشافهم بجائزة نوبل للفيزياء لعام 2013. 

سمي هذا البوزون في المخابر والدراسات النظرية ببوزون هيغس-إنغليرت-بروت، وإن غلبت تسميته ببوزون هيغس بسبب أن البعض أخطأ في التوارخ والقراءة، ولكن التاريخ لا ينسى وإن أخطأ البعض في التنويه عن بعض الحقائق، فإنما هذا إلى حين!

من اليمين: بروت ثم هيغس ثم إنغليرت
تتألف الذرة بحسب ما يسمى"النموذج المرجعي" للجسيمات الفيزيائية، من كتل مادية تسمى الفيرميونات، (وهي عموماً الإلكترونات والنيترونات والبروتونات) ومن جسيمات، بوزونات، تربط هذه الكتل فيما بينها داخل الذرة ومع الذرات الأخرى ومع الأجسام الأخرى الموجودة في الطبيعة ليتشكل بذلك العالم المادي. وهذا الربط يجري عبرالقوى الكونية الأربع وهي: القوة الكهرطيسية (للترابط مع الذرات المجاورة) وقوة الجاذبية (للترابط مع الأجسام الأخرى. ثم القوة الضعيفة والقوة الشديدة، وهما قوتان لترابط الأجسام داخل الذرة. ناقل القوة الأولى هو بوزون الفوتون، وناقل القوة الثانية هو بوزون الغرافيتون (لا يزال وجوده افتراضي)، أما القوتان داخل الذرة فمسؤول عنها بوزونات خاصة تضمن تماسك الذرة (نوع من الغراء الداخلي). من المفروض ألا تكون لهذه البوزونوات كتلة مثلها مثل الفوتونات. ولكن المشكلة أن لها كتلة، وكتلة كبيرة حتى! فما العمل؟ هذه المسألة تحتاج إلى تفسير وإلا فعلينا الإلقاء بالنموذج المعياري في سلة المهملات.

تقوم نظرية بوزون هيغس على أن هذا البوزون مسؤول عن توليد حقل حوله يجعل لكل بوزون داخل هذا الحقل كتلة، وخارج هذا الحقل ليس لأي بوزون كتلة. وبذلك يبقى النموذج المعياري للمكونات الذرية قائماً. أي أن لكل بوزون لاصق كتلة أحياناً وأحياناً لا! ولكن كيف يمكن التأكد من وجود بوزون هيغس هذا فعلاً؟

ولقطع الشك باليقين، قام مركز الأبحاث النووية الأوروبي في سويسرا بإجراء اختبارات لتأكيد أو نفي وجود مثل هذا البوزون. بلغت كلفة هذه التجارب تسعة مليارات يورو، شارك فيها سبعة آلاف باحث من كل أنحاء العالم. بنوا واستثمروا أدوات سمحت بمراقبة هذا البوزون. من بينها مسرّع الجزيئات الأقوى في العالم الذي بدأ عمله عام 2008. وهو عبارة عن اسطوانة حلقية بطول 27 كيلومتراً تُرسل فيها البروتونات باتجاهين متعاكسين، بسرعة تقترب من سرعة الضوء. ومن المفترض أنه عبر تصادم البروتونات ستنشأ الظروف الضرورية الأفضل لظهور بعض من بوزونات هيغس هذه. وبالفعل فقد حقق هذا المصادم دوره بمساعدة أجهزة الكشف العملاقة التي صنعت لهذا الغرض.

أعطت عمليات التصادم هذه كميات هائلة من المعلومات، كان البحث فيها عن هذا البوزون يشابه البحث عن إبرة في نهر النيل. لذا استخدمت برمجيات خاصة وحواسيب هائلة الاستطاعة للبحث في هذه المعلومات، التي تضمنت بالفعل تأكيد وجود هذا البوزون المفترض، وأعلن في الرابع من تموز عام  2012 عن تحقق فكرة لم تكن سوى أمراً نظرياً لقرابة خمسين عاماً.

يبقى أن نظرية هيغس وزميليه تمثل دعوة لإعادة التفكير في مفهوم الكتلة، وهذا سيتبعه تغيرات جذرية في كثير من المساعي الإنسانية وخاصة في الفيزياء وفي الفلسفة. البعض يقول بأن فيزياء جديدة ستولد، وربما ستولد فلسفة أخرى أيضاً. لننتظر ونرى!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق