بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 11 فبراير 2017

النوم ... ثلث الحياة

تعالج المناهج المدرسية الكثير من المواضيع البيولوجية، الخاصة بالإنسان وغيره، ولكنها لا تتطرق للنوم بأي شكل، مع أن النوم ضرورة فيزيولوجية، تسمح بالتخلص من التعب والإرهاق واستعادة النشاط لمتابعة السير. وخلاله، يطلق الجسم الهرمونات التي تسمح بالنمو وإنتاج الخلايا، وضبط الشهية، وتقوية النظام المناعي لمقاومة الإصابات الجرثومية البسيطة. وخلاله يقوم الدماغ بترسيخ ما تعلمناه خلال اليوم وما سنتذكره. والنوم كما هو معروف يشغل ثلث حياتنا، مع اختلافات بسيطة من شخص لآخر، ومن عمر لعمر. ولكنه أمر ضروري لمتابعة الحياة.

وليست المناهج المدرسية وحدها التي لم تعط هذا الموضوع حقه. فدراسة النوم في الواقع لم تبدأ إلا منذ ثلاثينيات القرن العشرين فقط وذلك مع اختراع جهاز التخطيط الكهربائي الدماغي. إذ قام الباحث الأمريكي أوجين أسرنيسكي بتجربة جهاز التخطيط الدماغي على ابنه، وراقب النتائج أثناء نوم الابن. أظهر المخطط أن الدماغ في حالة عمل ونشاط على عكس ما كان يعتقد من أن كل شيء يكون في حالة سبات أثناء النوم. لم يصدق النتائج في بادئ الأمر وظن أن الجهاز لا يعمل بشكل جيد. ولكنه كرر التجربة بعد ذلك مراراً على ابنه وغيره، باستخدام أجهزة مختلفة ليصل إلى خلاصة واضحة هي: إن الدماغ يعمل، ويعمل كثيراً في بعض الأحيان. تلت ذلك دراسات عديدة وصلت في النهاية إلى القول بأن نوم الإنسان يُقسم إلى فترات متكررة، عدد ها أربع أو خمس، مدة كل منها بين 90 و 120 دقيقة. وكل فترة تبدأ بالنوم الخفيف جداً، ثم النوم الخفيف، ثم النوم العميق ثم النوم العميق جداً ثم أخيراً مرحلة النوم النشط التي تستغرق قرابة 25% من كل فترة من فترات النوم. سميّ النوم الأخير بالنشط لأن الدماغ خلال هذه المرحلة ينشط بشكل كبير، وتتحرك خلاله العينان بشكل واضح دلالة على هذا النشاط، وخلاله تحدث الأحلام. يعقب هذه المرحلة استيقاظ لفترة وجيزة جداً قبل أن تبدأ فترة نوم جديدة، أو الاكتفاء من النوم والاستيقاظ نهائياً.

يمكن للإنسان أن ينام مرة واحدة في اليوم، وهذا ما يحصل في كل المجتمعات بسبب تنظيم الحياة اليومية الحالية: ولكنه في الواقع يتألف طبيعياً من فترتين تفصلهما فترة كانت تسمى في القرون الوسطة بفترة نوم الاستيقاظ أو استيقاظ النوم. الفترة الوسيطة للنوم هي ثمان ساعات. واستقرار النوم يتعلق بأمور عديدة منها صحة الإنسان العامة وانشغاله الذهني والاكتفاء من أشعة الشمس أو النور يومياً. ولكن مع هذا فقد بيّنت دراسات مختلفة أن المرأة تنام بأكثر من الرجل قليلاً، كما أن السود ينامون بأقل من البيض وأن الآسيويين هم الأقل نوماً بين البشر، وأكثرهم نوماً هم أهل أستراليا الذين ينامون وسطياً تسع ساعات يومياً!
نوم: سيسيل فيلهان

سبب النوم هو توقف إنتاج الدماغ لبعض المواد الكيميائية التي تسمح له بأن يبقى في حالة استيقاظ. والنوم يسبقه النعاس الذي يسبقه التثاؤب. وفي فترة النعاس ينخفض التنبه وتسترخي العضلات، وخاصة عضلات الرقبة والوجه، وينخفض عدد دقات القلب، وتضعف حركة العينين. فترة النعاس هذه هي أقل من عشرين دقيقة، إن لم يعقبها النوم يدخل الإنسان في مرحلة الأرق... قد يترافق النعاس مع حالات اضطراب ذهني تجعل الإنسان بين الحلم واليقظة والهلوسة.


بقي أن نقول إن الطلاب الذين يريدون سهر الليل كله للتحضير للامتحان فإنما يفعلون بعكس ما يعمل الدماغ، فهو يريد النوم لكي يتذكر!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق