بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 17 مارس 2018

متناقضات زينون


اشتهرت الفلسفة الإغريقية بمماحكاتها المعرفية وأسئلتها عن أدوات المعرفة وكيف لنا أن نتأكد من صحة ما نعرفه وعميميته. وتوصلت إلى أن المعرفة تقوم على الحواس والتفكير وهما الحكم في تقدير حقيقة ما نتوصل إليه من معارف. ومن بين أدواتهما التجربة والمنطق. ولكن أحد أشهر فلاسفة القرن الخامس قبل الميلاد وهو الفيلسوف بارمينيدس كان يشكك بصدقية الحواس وسلامة التفكير.

زينون يكشف لأصدقائه عن باب الحقيقة وباب الخطأ
فما نراه عن بعد غير ما نراه عن قرب، ولا شيء يسمح بالقول بأننا نرى الشيء نفسه كلنا بطريقة واحدة، والأمر ينطبق على الحواس الأخرى، فهذا يقول بأن الماء باردة وآخر يقول بأنها ليست كذلك، وقس على هذا المنوال. كما أن التفكير يقودنا إلى متناقضات لا حل لها. وهنا يتدخل تلميذه زينون الإيلي ليقدم بعض الأمثلة (البعض يقول بأنها ثمان متناقضات والبعض يقول بأنها أكثر ولكن يمكن إرجاعها كلها إلى عدد بسيط من المتناقضات) التي لم تتم الإجابة عنها تماماً قبل القرن الثامن عشر.

ومن بين هذه المتناقضات متناقضة الحجر الذي يقذف به من ارتفاع ما، لنقل ثمانية أمتار. فهذا الحجر سيحتاج إلى زمن لقطع نصف المسافة. وعند وصوله إلى نصف المسافة هذه سيحتاج إلى زمن لقطع نصف المسافة المتبقية وهي متران، وبعد ذلك سيحتاج إلى زمن ليقطع نصف المسافة هذه وهلمجرا. وهذا الزمن لن يكون معدوماً في كل مرة، وعليه فلن يصل الحجر إلى الأرض أبداً، وهذا يناقض الواقع!!!

متناقضة أخرى هي السهم المنطلق. ففي لحظة ما يمر السهم أمام ناظرنا ويبدو لنا في هذه اللحظة وكأنه متثمر في مكانه. وبما أن الزمن هو لحظات متتالية، وهو يبدو وكأنه معلق في الهواء في كل لحظة من هذه اللحظات، إذن سيكون السهم ثابتاً في الهواء كما يقول لنا منطق تفكيرنا ولكن الحقيقة هي غير ذلك.

وما كان يطمح إليه زينون هو أن يؤكد على كلام أستاذه بأن التجزئة هي خداع في التفكير ومجرد وهم مظهر، وبأن الاستمرار هو الصحيح وأن أية محاولة للتقسيم أو التجزئة ستجعلنا نسير في الطريق الخاطئ... ومع هذا فليس من مانع  في التفكير في حل هاتين "المتناقضتين".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق