بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 3 مارس 2018

بساتين العمال... البساتين العائلية... البساتين الاجتماعية

بساتين العمال قرب زيورخ
الترجمة الحرفية للكلمة هي "حديقة"، وليس بستان، ولكن الحديقة في العربية لا تفي بالغرض تماماً وكذلك البستان في هذه الحالة، ولكن لنعتمد كلمة بستان ولو على مضض، فما الأمر؟ بدأت الحكاية في القرن التاسع عشر، وفي ألمانيا بالتحديد، عندما بدأت الهجرة من الريف بحثاً عن العمل في المصانع. لم يكن العمل متوفراً دائماً، وحتى إن توفر فالأجور لم تكن تكفي لعائلة مؤلفة من خمسة أفراد وسطياً، كما أن هؤلاء العمال الفلاحين كانوا يعيشون مسألة تكيف مع أوساط المدينة الجديدة. ولمساعدتهم في ذلك اقترح طبيب أن يُشغلَ هؤلاء الناس ببستان صغير في أطراف المدينة أو داخلها، يزيدون بذلك من دخلهم ويحسنون ظروف معيشتهم، ويتعرفون على أناس آخرين من بيئات ومناطق مختلفة مما يساعدهم في الاندماج الاجتماعي، ولا يذهبون إلى المقاهي لاحتساء الكحول. أيدت الكنيسة الفكرة وكذلك السلطات البلدية، وبدأ تنفيذ المشروع.

في ميونخ
فعلى أراض تعود للبلدية أو الكنيسة تم تقسيمها إلى قطع متجاورة، مساحة كل منها لا تزيد عم بضعة مئات الأمتار في أحسن الأحوال، تمنح لعائلة مقيمة في المنطقة برخصة سنوية وبأجر رمزي. لكل "مستأجر" أن يزرع ما يريد من الخضار والأزهار، وما تنتجه الأرض فهو له، وغير مسموح ببيعه وإنما للاستهلاك العائلي. كما على المستأجر أن يعتني بالأرض ولا يسيء إلى خصوبتها أو تحويلها إلى مستودع لأغراضه البالية، إضافة إلى بغض الشروط الأخرى التي ما انفكت تتطور بحسب المستجدات البيئية والعمرانية وغير ذلك. ولكل مجموعة بساتين متجاورة مشرف يقود مستأجري هذه البساتين في الأعمال الجماعية التي تخص نظافة منطقة البساتين والاعتناء بمظهرها العام. ولكل مجموعة من البساتين مأخذ مياه وغرفة واحدة على الأقل لحفظ أدوات الزراعة لكل مستأجر، وفي بعض الأحيان يمكن أن يكون لكل بستان مثل هذه الغرفة الصغيرة. تختلف النماذج باختلاف البلد والمدينة والمنطقة، ولكن لها كلها الأهداف نفسها.

في جوار براغ
انتشرت الفكرة في معظم الدول الأوروبية. والهولنديون يقولون بأنهم أول من بدأوا ذلك، ولكن ليس هذا بالأمر المهم. فهذه البساتين الصغيرة انتشرت بسرعة كبيرة وخاصة منذ مطلع القرن العشرين. فقد كان لها دور في تأمين الاحتياجات الغذائية في الحربين العالميتين وخاصة الثانية. وكانت تسمى ببساتين العمال حتى نهاية هذه الحرب لأنها كانت مخصصة لهم في البداية. ولكنها أصبحت تعرف بعد ذلك بالبساتين العائلية أو البساتين الاجتماعية. ودورها الاجتماعي هو الأبرز منذ النصف الثاني للقرن العشرين لما تساهم فيه من توثيق الروابط الاجتماعية بين من يعمل في هذه البساتين المتجاورة المتلاصقة، ولإتاحتها للعائلة تمضية نهاية أسبوع خارج جدران بيوت المدينة الصغيرة. كما أنها فرصة للمتقاعدين في متابعة ممارستهم لنشاط يومي منتج ومريح ومفيد على أكثر من وجه. وهي اليوم مصدر مهم في إنتاج خضار طبيعية من دون حاجة إلى الأسمدة والمبيدات الكيمائية الممنوعة فيها.


وليس من السهل اليوم الحصول على بستان للاستئجار في هذه البساتين التي تتراكم عليها طلبات الاستئجار بما لا يصدق. وأصبح لها جمعيات مدنية تطوعية لإدارة شؤونها في الدول الأوروبية، وفي اللكسمبورغ يوجد مركز جمعيات هذه الحدائق على المستوى الأوروبي منذ الربع الأول للقرن العشرين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق