بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 26 مارس 2018

اليابان... الميجي ونهضتها

موتسوهيتو (الميجي) في آخر سنيّه
الميجي هو اسم لحقبة اقترحه الإمبراطور موتسوهيتو ليكون اسماً لحقبته بعد وفاته. وما لم يكن يعرفه هذا الإمبراطور حينئذ أن هذا الاسم سيكون المكافئ لنهضة بلاده. وكلمة ميجي Meiji مؤلفة من شقين يعنيان "حكومة النور".

وقبل هذا الإمبراطور عاشت اليابان عقوداً من الانغلاق على نفسها، إذا كان الدخول إلى اليابان بدون إذن مسبق يمكن أن يودي بصاحبه إلى التهلكة، والأمر نفسه بالنسبة لليابانيين. كما أن الزيارات الرسمية على مستوى الدولة كانت تقتصر على كوريا والصين. ولا يكون الاتصال الرسمي بالأجانب إلا في مدينة ناغازاكي. ولكن هذا لم يكن يعني أن اليابان لم تكن بلداً يعيش بحبوحة اقتصادية وتطويراً لفنونه وسلاماً داخلياً، إلا أن النظام الإقطاعي المتصلب أصاب اليابان بنوع من التيبس.

لم يكن الإمبراطور حتى منتصف القرن التاسع عشر هو السيد الأول، وإنما كانت له مكانة روحية، ويسكن مدينة كيوتو حيث قصره. أما الحكم الفعلي فكان يسمى "شوغون"، وهو نوع من القائد العسكري الذي يدير أمور البلاد، والأمر وراثي في هذا مثل الإمبراطور. عاصمة اليابان حيث يعيش الشوغون هي إيدو والتي أصبح اسمها طوكيو بعد أن قدمها الإمبراطور.

وفي عام 1853 أرسلت الولايات المتحدة رسالة من رئيسها إلى حاكم اليابان يطلب منه فتح طرق التجارة، حامل هذه الرسالة أميرال بحري تصحبه سفن عسكرية. رفض الشوغون فتح موانئ طوكيو، فما كان من الأميرال إلا أن هدد الشوغون بقصف المدينة بواسطة مدافعه التي تحملها سفنه، وإزاء هذا الخطر أذعن الحاكم الياباني للطلب الأمريكي ووقع معهم ما سمي "الاتفاقيات المتفاوتة". وهذا ما أدى إلى ظهور مقاومة داخلية مناهضة للاستعمار، وإلى اغتيالات سياسية وفقدان الشوغون لثقة الناس. حاول الشوغون تحديث الجيش الياباني، إلا أن ذلك لم يكن حلاً للاستعصاء الداخلي فاستقال عام 1867 دون أن يسمي وريثاً معترفاً بذلك بقصور نظامه عن حماية اليابانيين وتطلعاتهم. وفي السنة نفسها توفي الإمبراطور ليحل محله الأمير موتسوهيتو الذي قاد اليابان حتى عام وفاته عام 1912، والذي قرر فور تسنمه كرسي العرش التخلص نهائياً من نظام الشوغون ومن أنصاره وذلك عبر حرب استمرت لنحو عام ونصف، وقاد إصلاحاً كبيراً كان وراء كل ما أحرزته اليابان من تقدم لاحقاً. أي أنه كان إصلاحاً بدأ من الأعلى وليس نتيجة لثورة شعبية. تجلت سمات إصلاحاته في خطاب قسم توليه منصب الإمبراطور الذي تعهد فيه:

- إنشاء مجالس للقرار.

- مشاركة جميع الطبقات في الشؤون السياسية.

- إلغاء قوانين الأسبقية والقيود الطبقية في التوظيف.

- التخلي عن "عادات الماضي السيئة" والاستعاضة عنها "بقوانين الطبيعة العادلة".

- البحث عن المعرفة العالمية بغية تمتين أسس الهيمنة الإمبراطورية.

ألغى الإمبراطور سيطرة الساموراي عام 1871، وهذا ما قاد إلى مشاكل داخلية. ونشطت الحركة الفكرية منذ سبعينيات القرن التاسع عشر، وبرز أنصار الاندماج في العالم الغربي والتحلي بعاداته وأخلاقه، والتخلي عن عادات المجتمع الياباني البالية. ولكن تياراً معاكساً قال بأن على اليابان أن تكون دولة عصرية دون التخلي عن ثقافتها وإرثها الحضاري. وهذه مسألة مفتوحة حتى اليوم وإن كان بحدة أقل بكثير مما كانت عليه في نهاية القرن التاسع عشر. وتوصلت اليابان إلى صياغة دستور عام 1889 مؤلفاً من أحد عشر بنداً. وشكلت مجلس دولة، وهيئات قضائية. كل ذلك بما يراعي اليابان وما كانت عليه في تلك الآونة.

بنى الإمبراطور إصلاحاته على الانتقال من العصر الإقطاعي إلى العصر الصناعي، وعلى أن يكون ذلك بأقصى سرعة حتى لا تقع اليابان تحت الهيمنة الغربية، هيمنة كانت في كل أرجاء آسيا بدءاً من الصين ومعظم دول شرق أسيا إن لم تكن كلها باستثناء اليابان. اليابان التي لم تتأخر كثيراً عن اللحاق بركب الدول المستعمرة. إذ خاضت اليابان حرباً ضد الصين واستعمرت تايوان في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، كما وضعت كوريا تحت نفوذها، وأطلقت على نفسها اسم "إمبراطورية الشمس المشرقة"... وهي كذلك اليوم ولكن ليس بالسلاح، وللحديث تتمة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق