بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 5 مارس 2018

النساء والعلم...حتى القرن الثامن عشر


بالرغم من أن المرأة هي التي كانت وراء الاستقرار في مناطق العيش الأولى وبناء أولى القرى، كما توحي بذلك الدراسات التاريخية للحقبة النيوليتيكية (لنحو عشرة آلاف سنة خلت)، إلا أن الرجل جعل نفسه في المقدمة على مبدأ "الأقوى هو السيّد". وبذلك انحصر دور المرأة في أمور ثانوية في الحياة اليومية للجماعة، وبالتحديد في شؤون البيت بالدرجة الأولى والمساعدة في الأرض. أما السلطة بمختلف مظاهرها فكانت حكراً على الرجل إلا في حالات استثنائية نادرة ولظروف سياقية قاهرة. والأمر ينطبق على مجالات عديدة، حتى الكهانة فكان نصيب الرجل فيها هو الأكبر بالطبع، فهي جزء من السلطة وأحيانا السلطة كلها.

الرقم الذي يحوي اسم تابوتي بلاتكالايم
الأمر نفسه في العلم. فلا يذكر التاريخ القديم اسماً لامرأة عالمة إلا فيما ندر. والعلم هنا بمعناه المتداول اليوم، الذي يمتد من الطب إلى الرياضيات والفلك ...إلى الفلسفة. فالحضارة الفرعونية مثلا لم تذكر إلا اسماً واحداً، وهو اسم الطبيبة بسيشيت التي عاشت أيام الأسرة الفرعونية الرابعة (2670-2450 قبل الميلاد) وهي بذلك أول طبيبة يذكرها التاريخ. وفي حضارة ما بين النهرين ورد اسم تابوتي-بلاتكالايم التي اشتغلت في الكيمياء والعطور، وقد ذكر اسمها في رُقم يعود للقرن الثاني عشر قبل الميلاد. وفي القرن السادس الميلادي عاشت تيانو، زوجة فيثاغورث، التي انشغلت بالفلسفة والرياضيات والطب وترأست المدرسة المعروفة باسم زوجها بعد وفاته. وفي القرن الثالث قبل الميلاد عاشت ماري اليهودية التي ابتكرت مجموعة من الأواني المخبرية، ويذكر اسمها حتى اليوم فيما يعرف "بحمام أو حوض ماري" الذي يعني تسخين شيء ما بدون تعريضه المباشر للنار وإنما عن طريق حوض يوضع فيه هذا الشيء ويوضع الحوض في وعاء أكبر من الماء يتم تسخينه على النار مباشرة. وفي القرن الثاني قبل الميلاد عاشت أغلاونيس التيسالية وهي أول امرأة اشتغلت بالفلك ودرست حركة الأجرام السماوية، وكانت تعرف التنبؤ بالكسوف. أطلق اسمها على أحد فوهات براكين كوكب الزهرة. وتختم فترة ما قبل الميلاد مع الطبيبة اليونانية  أغنوديس.

تعود المرأة للظهور في العلم بعد قرابة خمسة قرون، ففي القرن الرابع الميلادي عاشت الرياضياتية والفيلسوفة المصرية هيباتا، التي يعزى إليها أحياناً اكتشاف المسار الإهليلجي للأرض. ونتابع الانتظار ثانية حتى القرن الحادي عشر حيث يرد اسم الطبيبة والجراحة الإيطالية تروتولا التي ألّفت كتاباً في الطب. وفي القرن الثاني عشر عاشت الراهبة الطبيبة الألمانية السويسرية هيلغارد دو بنجن. وفي القرن الرابع عشر عاشت الطبيبة الإيطالية أبيلا.
دورة نمو الفراشة كما رسمتها آنا ماريا

وفي القرن الخامس عشر  ألفت الراهبة البريطانية جوليانا بيرنيرس كتاباً عن الصيد بواسطة الطيور الجارحة وعن صيد السمك. أما في القرن السادس  عشر  فقد مارست الدانماركية صوفي براهي الكيمياء وربطت استخدامها بالطب والبستنة. وساعدت أخاها الشهير تايخو في أبحاثه الفلكية. وفي عام 1678 حصلت الإيطالية إلينا كورنارو بيسكوبيا على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة بادوا الإيطالية. وفي عام 1679 نشرت الألمانية آنا ماريا سيبليا ميريانا دراسة عن دورة نمو الفراشة، وهي أول دراسة في هذا المجال ورسمت بنفسها كل ما يحتاج الموضوع من رسوم توضيحية. وسافرت آنا ماريا في عام 1699، وكان لها من العمر 51 عاماً، إلى سيرينام في أمريكا اللاتينية لدراسة الفراشات الحية في وسطها الطبيعي مباشرة وحققت نجاحاً كبيراً في عملها.

إيميلي دو شاتليه
وفي عام 1702 كانت ماريا مرغريت كيرش أو امرأة تكتشف مذنباً. وفي عام 1733 كانت لورا باسي تُدرّس الرياضيات والفيزياء في جامعة بولونيا الإيطالية. وفي عام 1748 وضعت الإيطالية ماريا غايتانا أنيسي كتاباً جامعاً في الرياضيات  ترجم إلى الفرنسية والإنكليزية. وفي العام نفسه سميت السويدية إيفا إكبلاد عضوة في الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم. وفي عام 1756 نشرت ترجمة كتاب اسحق نيوتن "مبادئ الرياضيات" إلى الفرنسية، وهي ترجمة تعود إلى المركيزة دو شاتليه، ولا تزال ترجمتها هي المرجع في الفرنسية لعمل نيوتن الهائل. قامت هذه المرأة بدراسات تجريبية في الفيزياء شجعها عليها الفرنسي الشهير فولتير (الذي كان أحد عشاقها أيضاً)، وكانت من بين أكدوا أن القوة الحيّة (الطاقة الحركية) لجسم متحرك تتناسب مع كتلته ومربع سرعته.

كل هذا لم يمنع المفكر جان جاك روسو (1712-1778)، التقدمي في ذلك الوقت، من نصح النساء بالاهتمام بعلم النباتات دون غيره من العلوم، لأنه علم يمكن للنساء النفاذ إليه ويتوافق مع طبيعتهن. وأن عليهن وضع ما يكتشفه الرجل موضع التطبيق وأن يقمن بالرصد لمساعدته في صياغة المبادئ والمفاهيم، التي هي من شأنه لوحده!!! ولكن البريطانية كارولين هيرشل (1750-1848) أصبحت أول فلكية محترفة منحها الملك جورج الثالث راتباً سنوياً، درست المذنبات، واكتشفت مذنب هيرشل-ريغولت. ولكن روسو لم يعش ليرى ذلك.

ومنذ القرن التاسع عشر أخذ إيقاع مساهمة المرأة في العلوم يتسارع، ومع بداية القرن العشرين تركت ماري كوري اسمها محفوراً في الفيزياء والكيمياء بحصولها على جائزتين من جوائز نوبل، وكذلك حصلت ابنتها من بعدها على جائزة نوبل أيضاً... ولكن لا يمكن القول بأن المساواة تحققت بين الرجل والمرأة في هذا المضمار، إلا أن المستقبل قد يقول غير ذلك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق